إعلام جديد » جنون السيلفي

لينا هويان الحسن

السهولة السلسة التي تتيح لنا التقاط صورة ذاتية 'سيلفي' هي نتاج لتطور التكنولوجيا المتعذر اجتنابه. الجيل القديم من الفوتوغرافيين وصفوا التصوير الفوتوغرافي كجهد انتباه بطولي وتدريب زاهد وتقبّل حسّي صوفي للعالم. فالمصور الشهير كارتييه بريسون كان يقارن نفسه برامي سهام من مدرسة الزن البوذية!
بينما، الآن، الارتياب بالآخر هو ثيمة العصر الحالي. كل شيء يدعونا إلى تقبل الوحدة أو أن نخدم أنفسنا دون مساعدة من أحد. مما لا شك فيه أن صورة 'السيلفي' احدثت ثلما حقيقيا في العلاقة بالآخر، ودلت بوضوح على الجانب المعتم من التطور.
صورة السيلفي اجتاحت العالم، لتكون أكثر من موضة عابرة، لدرجة أن قاموس أوكسفورد اختار كلمة 'سيلفي' لتكون 'كلمة العام 2014'. وتحولت هواية التقاط الصور الشخصية بواسطة الأجهزة الالكترونية المتطورة إلى هوس متنقل، كان ثمنه في مرات كثيرة، الموت! ومؤخرا تناقلت وكالات الأنباء العالمية خبراً مفاده أنه ثمة عشرة حوادث موثقة بصور 'سيلفي' انتهت بمقتل أصحابها، فكانت السيلفي الأخيرة. مثال ذلك الفتاة الروسية زينيا اغناتييفا (17 عامًا) التي أرادت التقاط صورة 'سيلفي' عن جسر على ارتفاع 28 قدماً فوق الارض، لكنها فقدت توازنها وسقطت على كابل كهربائي، فقتلت صعقًا بشكل مأساوي.
كما أن 'السيلفي' غدت هوسا يمارسه النجوم الذين لم يشعروا بالاكتفاء من تصوير الباباراتزي لهم، ومؤخرا اشتهرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لنجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان وهي تلتقط صورة سيلفي مع حيوان الكوالا!

كذلك يخضع رجل إسباني، وحفار للقبور للمحاكمة بعدما استخرج جثة خاله الميت منذ 23 عامًا لالتقاط صورة تذكارية له معها، الأمر الذي تسبب في تعرضه هو وحفار القبور، الذي استخرج له الجثة، للمحاكمة والمساءلة القانونية بتهمة الاشتباه بتمثيلهما بجثة الرجل المتوفى!
ودخلت الشركات العالمية في منافسة تكنولوجية حامية الوطيس في مجال صور 'السيلفي' التي تسابقت لابتكار أجهزة مزودة بخدمات أفضل لتلك الميزة، فكانت شركة 'إيسر' التايوانية السباقة في هذا المجال حيث أطلقت قبعة غريبة جديدة بتقنية إلكترونية، تحتوي على مكان مخصص لوضع التابلت لالتقاط صور 'سيلفي'!!
هناك دائما الحياة اليومية مع خزينة هائلة من الموضوعات التي نعثر عليها في كل لحظة.
لنلتقط صورة سيلفي ونزين فيها صفحتنا الشخصية في عالم افتراضي أهم ما يميزه التكاثر الفظيع لصور بشر لا تربطنا بهم صلة أكثر من الفضول. وتعزز الاحساس بالشيء البعيد المنال.
لتظل 'الصورة الفوتوغرافية حضوراً زائفا أو رمزا للغياب معاً'، بحسب ما قالت ذات يوم سوزان سونتاغ في مؤلفها الشهير 'حول الفوتوغراف'.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد