سناء الخوري
تضجّ لغة وسائل الإعلام العربية بكلّ عبارات التمييز، والعنف، والتحريض. وخلال السنوات الأخيرة على وجه الخصوص، تحوّل خطاب الكراهية، إلى ثقافة مهيمنة على الفضائيّات والقنوات المحليّة معاً. في المقابل، يغيب التعريف القانونيّ الدقيق لهذا الخطاب عربياً، بالرغم من أنّ التشريعات الدوليّة تجرّمه.
تتخذ البروباغندا على الشاشة العربيّة من خطاب الكراهية رافعةً أساسيّة لها، بشكل مبطّن أحياناً، وبشكل مباشر أحياناً أخرى. وذلك ما ينطبق على الحالة اللبنانيّة بشكل كبير، حيث يشارك بعض وسائل الإعلام في التحريض المذهبي، وفي الترويج للعنصريّة، خصوصاً ضدّ عاملات المنازل، والنازحين السوريين، واللاجئين الفلسطينيين.
خلال الأيّام الثلاثة الماضية، نظّمت &laqascii117o;مؤسَّسة مهارات" في أحد فنادق بيروت، ورشة عمل بعنوان &laqascii117o;الإعلام وخطاب الكراهية في المنطقة العربية: تجارب وخبرات"، بالتعاون مع &laqascii117o;مركز الصحافة النروجيّة" و&laqascii117o;شبكة الأخلاقيّات الإعلاميّة"، بمشاركة صحافيين وأكاديميين وخبراء من عدّة دول عربيّة. بيّنت مجريات ورشة العمل أنّ النقاش حول هذا العنوان، أكثر من ضروري، لما يشوب المفهوم من غموض، خصوصاً لناحية التصوّر الذي يبنيه الإعلاميون والصحافيون، حول دورهم في ترسيخ مفاهيم الكراهية. فخلال جلسة عقدت أمس الأول، بحضور أكاديميين وحقوقيين وإعلاميين لبنانيين، بدت الحدود ملتبسة بين حريّة التعبير وأخلاقيّات المهنة من جهة، وخطاب الكراهية بوصفه إطاراً عاماً لممارسات لا تقتصر على صانعي الإعلام فقط.
خلال الندوة، أشارت الصحافية ماجدة أبو فاضل إلى أنّ الإعلام اللبناني والعربي يصبّ الزيت على النار، من خلال الترويج لبعض العبارات الطائفيّة، ومن خلال نشر صور ومعلومات غير دقيقة المصدر. من جهته، فنّد المحامي طوني مخايل بعض التعريفات القانونيّة لخطاب الكراهيّة، كما يراه القانون الدولي، أيّ كلّ خطاب يتضمّن تحريضاً على العنف، وتبريراً للجرائم، أو ترويجاً لصور نمطيّة. وأشار مدير وحدة الرصد الإعلامي في مؤسسة &laqascii117o;مهارات" إلى أنّ حلقة واحدة من برنامج حواري سياسي لبناني، تضمّن ستين جملة أو عبارة تصنّف تحت خانة خطاب الكراهية. ولفت في المقابل إلى أنّ تفادي خطاب الكراهيّة، لا يعني الامتناع عن انتقاد السلطات السياسيّة أو الدينيّة. ذلك ما شدّد عليه نائب رئيس تحرير جريدة &laqascii117o;الأخبار" بيار أبي صعب، إذ قال إنّ &laqascii117o;مكافحة خطاب الكراهية سيف ذو حدين، إذ أنّها قد توقع في هوّتين، الأوى هي الرقابة، والثانية خطاب السذاجة في خدمة الكراهية نفسها". ورأى أبي صعب أنّ &laqascii117o;خطاب الحقد محمي من النظام السياسي اللبناني، ومن واجب كلّ صحافي أن يعرض كلّ شيء، ومن حقّه أن يكون صاحب مبدأ، شرط ألا يزوّر الحقيقة".
من جهته، تحدّث عميد كليّة الإعلام جورج صدقة، حول تحديات تخريج صحافيين مسؤولين، قادرين على مواجهة إصرار المؤسسات التي يعملون فيها على الدعاية السياسيّة والتحريض. الجانب النظري الذي قدّمه صدقة، قابله الجانب العملي الذي عرضته مديرة العمليات في أخبار &laqascii117o;المؤسسة اللبنانيّة للإرسال" لارا زلعوم. أشارت زلعوم في مداخلة مقتضبة، إلى أنّ التحدي الأبرز للقنوات، هو النقل المباشر، إذ أنّه يضيّق هامش المبادرة، ويحول دون اقتطاع بعض الهفوات. ولفتت إلى أنّ القناة تضطر أحياناً إلى وقف البثّ، وسحب فريق عملها من مكان التغطية الميدانيّة، لكي لا يتمّ تمرير أي &laqascii117o;خطأ قاتل"، بحسب تعبيرها. لكنّها عادت لتشير إلى تلقّي بعض مراسلي القناة تهديدات من مسلحين، يفرضون عليهم قول أشياء معيّنة، وفي تلك الحالات لم يتمّ قطع البثّ، لأسباب لوجستيّة. وذكّرت رداً على سؤال أحد الحاضرين، أنّ أخبار القناة هي الأكثر اهتماماً بحماية حقوق النازحين، والعاملات الأجنبيات، والمثليين، بشكل يتنافى أحياناً مع توقعات الجمهور.
تعليقاً على مداخلات صانعي الإعلام في لبنان، قال رئيس &laqascii117o;شبكة الأخلاقيات الدولية" أيدن وايت إنّ انحياز الصحافيين ليس المشكلة، بل هو أمر طبيعي ومطلوب، ولا علاقة له بمستوى مهنيّتهم أو عدمه. المشكلة برأيه تكمن في مستوى حرفيّة الصحافي، ومدى قدرته على مواجهة المفاجآت خلال التغطيات الميدانيّة، وقدرته على طرح أسئلة محرجة مثلاً على الشخصيّات المروّجة لخطاب الكراهيّة، ومواجهة وإحراج السياسيين المروّجين للعنف. وأشار أنّ مسؤولية الإعلام لا تكمن في حجب خطاب الكراهية بالضرورة، بل وضعه في سياق لا يدعمه، بل يعرّيه.
تشعّبت مداخلات وايت خلال الورشة، إذ تحدّث عن دور الشبكة الدوليّة التي يرأسها في مكافحة خطاب الكراهيّة في رواندا، وباكستان، ومناطق مأزومة أخرى حيث يتحمّل الإعلام مسؤولية مجازر وإبادات. أمثلة من بلدان أخرى، قدّمها الكاتب البحريني علي الديري، مشيراً إلى إطلاق السلطات البحرينيّة قوائم في الإعلام، للتحريض على المعارضين، سواء من خلال تهم طائفيّة، أو من خلال اتهامهم بالعمالة والإرهاب. كما تحدّث الصحافي المصري محمد عبد الرحمن، عن مساهمة الإعلام المصري في تعميق الجهل، وخصوصاً عبر برامج &laqascii117o;التوك شو" التي تجعل من الكراهية &laqascii117o;بزنس" أخطر من تجارة الأسلحة.
ورشة العمل خلصت إلى توصيات عدّة، أبرزها تعديل قوانين الإعلام الحاليّة لضمان احترام حرية الرأي والتعبير، وضرورة عمل المؤسسات الإعلامية على تأمين تدريبات متواصلة لموظفيها لرفع قدراتهم المهنية وتزويدهم بالمهارات اللازمة لمواجهة البيئة العدائية التي يعملون ضمنها، إلى جانب تطبيق شرع أخلاقيّة تقصي خطاب الكراهية من الممارسة الصحافية. كما أشارت إحدى توصيات الورشة، إلى ضرورة تحسين وضع الصحافيين الاقتصادي والاجتماعي، بهدف محاربة الفساد بينهم، ومنعهم من اللجوء إلى الارتهان السياسي.
ورشة &laqascii117o;مهارات"، فتحت الباب على أسئلة عدّة، أكثر مما قدّمت إجابات. ففي سياق سياسي مليء بالحقد والتحريض ودعوات الإقصاء، ما الذي يجب بثّه على الشاشة بما يتيح للمشاهد الحصول على المعلومة، وما الذي يجب اقتطاعه من دون المسّ بحقّ أحد في قول رأيه؟ وما الفرق بين النقد السياسي المطلوب والضروري، والتحريض أو الحثّ على العنف ضدّ فئات أو جماعات معيّنة؟ وهل يعني انحياز الصحافي الطبيعي لأفكار سياسيّة، تتناسب مع قناعاته الفكريّة، بالضرورة أنّه يروّج لخطاب الكراهية؟ ومتى يذهب النقاش حول تحديات المهنة، أبعد من طوباويّة التأكيد على ضرورة &laqascii117o;الموضوعيّة"، كحلّ سحري، مهما كان السياق؟ والأهمّ، هل تمتلك وسائل الإعلام الجرأة والاستقلالية والشجاعة الكافية، لمقارعة خطابات العنف والحقد، بلغة أخرى، جديدة؟
المصدر: صحيفة السفير