صباح جلّول
ما تزال فكرة المنصّات المفتوحة والمجانيّة على الانترنت والهواتف المحمولة، مثل &laqascii117o;فايسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام"، مغرية حتماً، لكونها تضع جميع المستخدمين، حيثما كانوا وإلى أيّ فكر انتموا، في موقع متساوٍ. لا يحتاجون أكثر من هاتف محمول أو &laqascii117o;لابتوب" أو &laqascii117o;أيباد" لتكون لهم مشاركاتهم في هذه العوالم. بإمكان الفكرة نفسها أن تكون مزعجة حين نتذكّر أن تلك المنصّات تحوي أيضاً، كمّاً لا بأس به من الابتذال، والحشو.
في هذه الأثناء، يستمرّ أفراد مجتمعات التواصل الرقمي المتعدِّدة بضخّ كميّات هائلة من المعلومات على الشبكة في كلّ ثانية. تشكّل الصور جزءاً دسماً من تلك المواد، وعنصراً أساسياً قد يكون أكثر تأثيراً من الكلمة المقروءة في ميدان التواصل الرقمي. وفي عالم الصورة هذا، لا منافس حتى الآن لتطبيق &laqascii117o;إنستغرام" الذي يتجاوز عدد مستخدميه الـ200 مليون.
&laqascii117o;الشعور اليومي"
في كتاب بعنوان &laqascii117o;من الهاتف" أو Oascii117t of the Phone، يجمع الناشر والمصوّر بيار لوغوفيك صوراً من حسابات &laqascii117o;إنستغرام"، لينشرها مطبوعة في تجربة هي الأولى من نوعها. يجمع الكتاب المرتقب صدوره أواخر الشهر الحالي، لحظات مميّزة من العام 2014، التقطها مئة مصوّر من 25 بلداً من مختلف نواحي الأرض، عبر هواتفهم المحمولة، وقاموا بمشاركتها عبر تطبيق &laqascii117o;إنستغرام" الذي يسمح بتعديل لون الصورة وحجمها. أسّس لوغوفيك دار نشر مكرّسة لنشر الصور الملتقطة بواسطة الهاتف المحمول. يقول إنّ فكرة الكتاب نشأت عندما فوجئ بعدد المصوّرين المغمورين من أصحاب الموهبة والصور الجميلة على &laqascii117o;إنستغرام". كما استهوته فكرة التطبيق الذي يسمح باقتناص اللحظة لكونه يعتمد على كاميرا الهاتف، ويتيح إنتاج صورة فوريّة جاهزة للمشاركة على نطاق واسع. لذلك جمع كتابه بين صور لمحترفين، وصور أخرى لمبتدئين من أصحاب الصور الفنيّة الجيدّة. وقد عمد الناشر إلى استقبال المشاركات بشكل مفتوح عبر وسم #oascii117tofthephone على &laqascii117o;إنستغرام"، ثم الاختيار من بينها، بغض النظر عن هويّة مصورها.
لا يتجاوز عمر &laqascii117o;إنستغرام" الأربع سنوات، إلا أنّه تحوّل إلى منصّة عرض لا تفرغ من المعروضات ولا من المتفرّجين، يتضاعف حجمها باضطراد. أكثر من عشرين مليار صورة تتوزّع على حسابات مصوّري التطبيق، يشاركون ما معدّله 60 مليون صورة في اليوم الواحد، أو 700 صورة في الثانية الواحدة! كلّ هاتف حمّل صاحبه تطبيق &laqascii117o;إنستغرام"، يحتوي تلقائياً على متحف متنقل ضخم للصور من مختلف أرجاء العالم: من سيلفي المراهقات بألسنة ممدودة، إلى صور محترفة للطبيعة والمناطق النائية لمصوري &laqascii117o;ناشونال جيوغرافيك".
لكن اهتمام لوغوفيك يبدو موجّهاً إلى نشر صور ذات قيمة فنية أو شعورية، فهو أسّس منذ سنوات قليلة مدوّنة &laqascii117o;الشعور اليومي" أو Emotion Daily، بهدف دعم المواهب الفنية الصاعدة، وذلك قبل تأسيس دار نشر مكرّسة لصور الهاتف المحمول، كطريقة لاستخراج الفن الفوري من بين السيل الجارف للصور الرقمية في أيامنا.
كتب وتجارة وفنون
يبقى السؤال عمّا إذا كان للكتاب أهميّة خاصة في ظلّ وجود الصور في المتناوَل وانتشارها على التطبيق، وعمّا إذا كانت المبادرة نابعة من منطق تجاري بحت. قد يكون صحيحاً أن الكتب المختصّة بالصورة تشهد تراجعاً في الانتشار في ظلّ توفر الصورة الرقمية ووفرتها، لكن الصورة المطبوعة لم تمت، ولا يبدو أن مناصري الطباعة الورقيّة قد هجروا الكتاب والمعارض بعد، إيماناً منهم بأهميّة الوثيقة المطبوعة والتفاعل الحسّي مع الصورة أو الكلمة. أمّا &laqascii117o;إنستغرام" فيبدو أنّه لم يصل إلى ذروة إمكانياته، ولم يستنفد مواضع استخداماته كلها بعد. على سبيل المثال، يُستخدم التطبيق الفوري ككاميرا صحافيّة تستخدم أحياناً للتغطية، لتصوير فني للحياة الساكنة مثل صور وجبات الطعام أو الأغراض على رفّ، لأخذ صور لمناظر طبيعية، وصور ذاتيّة، أو صور تجريدية، أو صور تذكارية عائلية. أصبح كذلك مجلة للأزياء، مرجعاً للصور السياحية، منشوراً لصور حياة المشاهير، وناقلاً لنمط حياة الطبقة الوسطى. وهو آخذ في التمدّد، ربما لسبب رئيس هو أنّ لغة الصورة تتجاوز لغة الكلام وتصل فور رؤيتها من دون ترجمة أو شرح.
تظهر كميّة الصور المتدفّقة عبر التطبيق، تنوّعاً كبيراً في المواد المشاركة وقدرة مستخدمي التطبيق على التجديد باستمرار. ذلك ما يدفع بشركات عالمية لاستخدام &laqascii117o;إنستغرام" بهدف الترويج لخدماتها على حسابات تحظى بمتابعة كبيرة. ويحصل أصحاب الحسابات التي يتخطّى عدد متابعيها عشرة آلاف، على عروض عمل، تقوم لنشر صور عن المنتج أو المكان المراد الترويج له. وإن فاق عدد المعجَبين بالصورة العشرين ألفاً قد يتقاضى صاحبها بدلاً عن كلّ نقرة إعجاب، ما قد يجعله يجني آلاف الدولارات مقابل الصورة الواحدة.
من الكتب إلى التجارة فالفنون، ما زالت هذه المجالات البديلة للتواصل والمشاركة والإعلام تكتشف حدودها وإمكانيّاتها وتدفع أبعد، فأبعد، فلا يُحصَر دورها ضمن إطار ضيق معلوم. صحيح أنّ بإمكانها أن تكون وسيطاً لنقل ما هو غير ذي قيمة، لكن صحيح أيضاً أنّ بإمكانها أن تنقل أفكاراً قيّمة، أعمالاً فنية، معلومات وأخباراً... من جهة أخرى، ما زال أثر &laqascii117o;إنستغرام" على تطوّر فن التصوير موضع نقاش، لكن الصورة ذات القيمة الجمالية على &laqascii117o;إنستغرام" باتت مقبولة كنوع فنّي من قبل عدد كبير من الباحثين والفنانين.
أما على المستوى الأكثر بساطة والأكثر شيوعاً لاستخدامات &laqascii117o;إنستغرام"، فإذا شهدت لحظة استثنائية ما، جميل أن تفكّر أنك لست بحاجة لتتصل بمصوّر مرموق أو بوسائل الإعلام لتحضر وتخلّد لك اللحظة التي ستنقضي قبل وصولهم بالتأكيد. جميل أيضاً أن لا تُضطر لانتظار اللحظات الاستثنائية للتجريب بكاميرا محمولة فورية في هاتفك. الإمكانيات غير محدودة، والهاتف المحمول و"إنستغرام" موجودان.
المصدر: صحيفة السفير