إعلام جديد » تفجير كولورادو حقيقة... على تويتر فقط

جوزيت أبي تامر
فيما كانت وسائل الإعلام الأميركية توظّف طواقمها وبثّها المباشر لتغطية الاعتداء الإرهابي على مجلة &laqascii117o;شارلي إيبدو" الفرنسية الأسبوع الماضي، كانت أنظار المغرّدين الأميركيين موجهة إلى مركز &laqascii117o;الجمعية الوطنية لتطوير ذوي البشرة الملونة" في مدينة كولورادو سبرينغز (ولاية كولورادو)، والذي تعرض لتفجيرٍ ترفض السلطات الأميركية حتى الساعة وصفه بالإرهابي. وفي وقتٍ كان من المستحيل سرقة بعض الأضواء الإعلامية المسلّطة على باريس، كان وسم #NAACPBombing الخاص بالتفجير، يزيح وسم &laqascii117o;أنا شارلي" عن مرتبة الأكثر تداولاً في الولايات المتحدة.
حمل وسم تفجير كولورادو نقدًا لاذعًا لوسائل الإعلام الأميركية التي تقصّدت التعتيم على الخبر، فغابت القنوات التلفزيونية الرئيسة عن المشهد وجاء أول ذكرٍ للاعتداء بعد ست عشرة ساعة على شاشة &laqascii117o;سي أن أن"، وعلم معظم الأميركيين بالخبر عبر &laqascii117o;تويتر". هذا التعتيم لم يكن عبثيًا أو بسبب ازدحام أجندة التغطية الفرنسية، فبحسب أحد المغرّدين &laqascii117o;لو وقع التفجير في أحد مقرات حزب الشاي أو في مركزٍ للشرطة كنا سنشهد عاصفة إعلاميّة، خاصةً إذا كان المشتبه بهم من ذوي البشرة الملوّنة أو من المسلمين. لكنَّ الأمر لا يستحق التغطية الإعلامية إذا كان الإرهابي أبيض البشرة ويستهدف جمعية مدنية".
هذا التفجير ليس الاعتداء الأول على &laqascii117o;الجمعية الوطنية لتطوير ذوي البشرة الملونة" التي تأسست في العام 1909 للدفاع عن الحقوق المدنية لأصحاب البشرة الملونة وإزالة الكراهية العرقية والتمييز العنصري. وكانت الجمعية أول من أشاع استبدال مصطلح &laqascii117o;السود" بصفة &laqascii117o;ذوي البشرة الملونة" باعتبار أنها الأقل عدائية. أثار عمل الجمعية طوال قرنٍ ونيّف، في عدة مراحل، حفيظة المتطرّفين البيض الذين عمدوا إلى شنّ أكثر من عشرة اعتداءات على مراكز الجمعية شملت التفجير والحرق وإلقاء القنابل المسيلة للدموع وإطلاق النار، وبلغ التعصب حدّ اغتيال أحد مسؤولي الجمعية وزوجته ليلة الميلاد العام 1951، واغتيال مسؤول آخر العام 1967.
اعتداء السادس من كانون الثاني الحالي على مركز الجمعية في كولورادو سبرينغز لم يوقع ضحايا، والأضرار المادية كانت محدودة لأنّ خطة منفذ الاعتداء فشلت وانفجرت العبوة اليدوية الصنع من دون أن تتسبب بانفجار مستوعب الغاز إلى جانبها. لكن يبدو أن غياب الضحايا ليس سبب التعتيم، ففي بلد لم تخمد فيه شرارة الاحتجاجات على عنصرية الشرطة، يمكن اعتبار تجاهل الإعلام لتفجيرٍ طال أقدم جمعية تكافح العنصرية في الولايات المتحدة، انزلاقاً في فخّ التمييز.
على مستوى السلطات الرسميّة الأميركية درجت العادة على إدانة الأعمال الإرهابية واعتبارها خطرًا يهدد قيم الولايات المتحدة الممثلة لمحور الخير بمواجهة قوى الشرّ في العالم، لكن الأمر يختلف باختلاف المعتدي والضحيّة. في اعتداء كولورادو حاول المسؤول عن القضية في مكتب التحقيقات الفيدرالي التخفيف من وطأة الاعتداء قائلاً :&laqascii117o;أعلم أنّ الجمعية الوطنية لتطوير ذوي البشرة الملونة تعني لبعض المتطرّفين لكننا لن نسمّي الأمر إرهابًا أو جريمة كراهية. سنسميّ الأمر كما هو: تحقيقٌ بشأن تفجير". وأضاف: &laqascii117o;في حال تأكدنا أن مكاتب الجمعية هي المستهدفة تحديدًا، سنتعامل حينها مع الاعتداء كمحاولة تنفيذ لعمليّة إرهاب محليّ". لكن هل يتطلّب الأمر تحقيقات مكثّفة لمعرفة المستهدف الحقيقي في مبنى صغير يضمّ حصرًا مكاتب الجمعية وصالون حلاقة؟ في السياق عينه نشر مكتب التحقيقات الفدرالي رسمًا تشبيهيًا للمشتبه به لا يظهر أي تفاصيل تتيح التعرّف عليه. وسرعان ما أصبح الرسم مادة لسخرية المغرّدين، فكتب أحدهم: &laqascii117o;يبدو أن المسؤول عن التفجير هو كائن فضائي يضع نظارات واقية".
أثبت وسم تفجير كولورادو المتداول حتى اليوم على &laqascii117o;تويتر"، ان وسائل الإعلام التقليدية فقدت احتكارها في تصنيف وتحديد أهمية الأحداث، وبات باستطاعة الجمهور أن يفرض ما يجده جديرًا بالتغطية كأولوية، أقله في العالم الافتراضي. ومن جهة أخرى أظهر أن السلطات الأميركيَّة ووسائل الإعلام تسوّق لتمييز عنصريّ وديني يصنّف الأحداث والضحايا بحسب المصالح السياسية وحاجة السلطة للاستمرارية، دون إعارة أي اهتمام للكمّ الهائل من الفوبيا والكراهية الذي يمكن تولّدها في المجتمع.
تبقى التسمية المعتمدة للمجرم أو الخصم العامل الأكثر تعبيرًا عن تموضع وسائل الإعلام والسلطة. ففي باريس تكلّم الإعلام عن &laqascii117o;إسلاميين متطرفين" وفي كولورادو اكتفى الإعلام بوصف المعتدي أنّه &laqascii117o;رجل أصلع في العقد الرابع من عمره".
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد