هادي نعمة
مطلع الشهر الحالي، أقرّ المدير التنفيذي لـ «تويتر» ديك كوستولو، بفشل شركته في «التعامل مع الإساءات والحسابات الوهمية»، على موقع التدوينات المصغّرة. جاء ذلك في رسالة إلى العاملين في «تويتر» تمّ تسريبها على موقع «ذا فيرج». ذلك الاعتراف أعاد إلى الواجهة مسألة خطيرة، وهي انتشار التنمّر والإساءات المتعمّدة على الموقع، وفشل «تويتر» في التحكّم بها.
قد يظن البعض أن أزمة الإساءات المستفحلة تسرد شأناً عرَضيّا من التعديات الطائشة التي تزعج بعض المستخدمين، فتنفّرهم من منصّة التواصل الشهيرة. إلا أنه، قبل اعتراف ديك كوستولو بالتقصير في كبح الإساءات، وبعده، كشفت وسائل إعلام عدّة عن وجود موجات إساءات واعتداءات لفظيّة ممنهجة، تفرض نمطاً من «الديكتاتوريّة» على الموقع، وتستهدف السود والنساء خاصة.
حرية «تويتريّة» محتكرة
بعد تسريب اعترافات كوستولو، أجرت قناة «سي أن أن» مقابلة مع إحدى ضحايا الاستهدافات الممنهجة على «تويتر»، وهي لوري بيني، كاتبة وصحافية بريطانية تقيم في الولايات المتحدة. ركّزت بيني على أنّ «هذا أمر يطال كثيرًا من الكتّاب والصحافيّين النساء تحديدًا، اللواتي ينشطن على الإنترنت.. فقد تعرّضت لتهديدات بالاغتصاب وبتفجير مكان إقامتي، وتعرضت عائلتي بسببي للرصد والملاحقة والاستفزاز». وأكدت بيني أنّ «كثـرًا يحاولون ردعي ـ وردع كثيرات غيري ـ لمجرّد أني امرأة أحمل أفكارًا أتشاركها مع متابعيّ (على تويتر)». ولم تغفل بيني عن أنّ «الأمر ينسحب كذلك على الاستهداف العرقيّ الذي يحقّر ذوي البشرة غير البيضاء، وجميع من ينظر إليهم عامّة بنحو دونيّ، فيرفضون من الوسط «الحضاري» بمنصات التواصل الاجتماعي»؛ ملمّحة إلى أزمة في التسامح وممارسة الديموقراطية في المجتمع الغربي، بوجهيه البريطاني والأميركي.
وثمّنت التفات القيّمين على «تويتر» إلى «هذا التمييز المجحف، والسعي لتبديده»؛ مبخّسة دور «الجهات القضائيّة والتشريعيّة المتوانية في سنّ قوانين تردع المرتكبين». واستنكرت بيني الازدواجية الغربيّة المجحفة، في التعاطي مع «منصات التواصل الاجتماعي، المعهودة منبرًا لحريّة التعبير..». فامتعضت ممّا «يبدو ممارسة انتقائية لهذه الحرية. فكأن ثمّة مَن يحتكر أنماط الحرية، ويحظرها على غيره» بدون رادع أخلاقي أو قانونيّ.
عشر سنوات من التحرّش
مع نهاية العام الماضي، اضطرت الناشطة الاجتماعية البريطانية، سارة باين، إلى إغلاق حسابها على «تويتر»؛ تجنّبا للتحرشات والاستفزازات التي استمرت 10 سنوات، على الموقع ذي الـ15 مليون مستخدم في بريطانيا اليوم. تعنيف معنويّ ممنهج، استهدفها في قضية مقتل ابنتها سارة (سـمِيّتها)، ذات 8 سنوات، على يد مهووس جنسيّاً العام 2000؛ ضجّ بها المجتمع البريطاني وقتها. وكابدت باين سـنوات سعيًا لتثبيت سريان قانون، سمّي بـ «قانون سارة»، لحماية الأطفال، العام 2011، يسمح لأولياء الأمور بالطلب رسميّا من السلطات المعنية، تزويدهم بمعلومات حول السجل العدلي لشخص يخافون احتمال اعتدائه جنسياً على الأطفال، في مناطق سكنهم ببريطانيا.
وصفت «سكاي نيوز» آنذاك خروق «تويتر» بأنها «حملة متواصلة من التعنيف الإلكتروني»، لا حضور لقوانين تردعها.. حتى أغلقت باين حسابها. ونقلت صحيفة «لندن إيفـنينغ ستاندرد» أنّ باين قاست «معاناة كبيرة نتيجة التهديدات التي وجهها إليها متهمون بالتحرش الجنسي، عبر «تويتر»، غاضبين من نجاحها في سَنّ «قانون سارة» الذي يحدّ من مقدرتهم على التعرض للأطفال وإيذائهم».
ديموقراطية أميركية منكوسة
لم تكن الكاتبة والناشطة لوري بيني، تتحدث من فراغ، إذاً، على «سي أن أن»؛ عندما ذمّت الاستهداف «التويتريّ» الممنهج لفئة معيّنة بغية تصنيفها وإقصائها. وقد انعكس ذلك بوضوح في السجال على «تويتر» إثر الاحتجاجات في مدينة فيرغسون الأميركيّة، حيث انعكس وقتها الغليان الميداني الاحتجاجي سيلًا من التغريدات عبر وسم «حياة السود لها قيمة».
فلعلّ نكسة «تويتر» الأخيرة نذير بمزيد من الخضّات المجتمعية الغربية، لا سيما في بريطانيا والولايات المتحدة؛ نتيجة ألوان شاحبة من الاستهدافات الممنهجة للمدنيين، الراكبة متون التغريدات الافتراضية تارةً، والمفضوحة على منابر المغرّدين الافتراضيين، تاة أخرى أخرى! وصار «تويتر» ساحة لعرض أنماط التطرّف العرقيّ والجنسيّ الغربيّ؛ ومنبرًا لاسـتنجادات مستضعـفي الديموقراطية المزعومة... باعتراف «المغرّد الأول»، ديك كوستولو.
المصدر: جريدة السفير