ميريام سلامة
يجري العالم بسرعة هائلة، وأصبح التطوّر حاجة ملحّة وضرورية للشعوب كافة. ومثلما استُخدم هذا التطوّر جيداً، للأسف، في الحروب وصناعة الأسلحة والطاقة النووية، أكسَبَ الميدان الثقافي تقدّماً ملحوظاً، وخصوصاً في التعليم والإعلام. فبمناسبة شهر الفرنكوفونية نَظّم المعهد الفرنسي محاضرة نقاشية بعنوان 'الفرنكوفونية بكلّ مواردها'، استقبل خلالها المدير العام للقناة التلفزيونية العالمية TV5 Monde، إيف بيغو، الذي يزور لبنان للمرة الأولى والتي كان لـ'الجمهورية' فرصة لقائه لتسليط الضوء على الإعلام الرقمي وتأثيره في مجتمعاتنا كافة.
من الواضح أننا اليوم في خضمّ عملية التحوّل الرقمي، فبدأت القنوات التفزيونية تتحوّل من التقليدي إلى الرقمي، لِما يسمح لها هذا العالم بتوسيع ميدان عملها.
ومثلما كانت TV5 Monde القناة الأولى التي تبثّ عالمياً باللغة الفرنسية، أكملت اليوم تحوّلها الكامل من التقليدي إلى الرقمي، فيقول بيغو إنّ هذه الخطوة مهمة جداً لأنه 'علينا أن ننجح في التفكير بانتظام في كلِّ خطوة نقوم بها، إن كان على صعيد القنوات التلفزيونية التقليدية أو على صعيد القنوات الرقمية أي مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي'.
وإذا أردنا الغوص في العالم الرقمي، فإنّ القناة العالمية أضافَت، بعد دخولها العالم الرقمي، خدمات خاصة تتعلّق بتعليم اللغة الفرنسية. فيشير بيغو إلى أنّ 'إضافة هذه الميزات سببها التطوّر الذي يحتّم استخدام التلفزيون بهذا الشكل، ولأننا تلفزيون عالمي، يبثّ إلى العالم كلّه وخصوصاً إلى شعوب تختلف من حيث ثقافاتها. فالشعوب الآسيوية مثلاً، مُعتادة على هذا النوع من التطوّر ولا تفهم لماذا لا يمكن إعادة عرض برنامج بُثّ قبل أيام. فإذا لم نواكب هذا التطوّر سنخسر المشاهدين الآسيويين'.
وقد أبدى بيغو تفاجؤه أحياناً عندما يكتشف أنّ بعض الخدمات التي تقدّمها القناة، تُعطى أهمية أكبر من المتوقع. فيعطي مثلاً قائلاً: 'أطلقنا منذ أشهر قليلة مكتبة رقمية مجانية تحتوي على أكثر من 200 عمل أدبي كلاسيكي لـ بالزاك وفيكتور هوغو وغيرهما. ولكن لم نتوقّع أن تنجح الفكرة وتلقى أصداءً إعلامية هامّة. وقد تركّز زائرو المكتبة الرقمية والمستفيدون منها من منطقتين هما إفريقيا والولايات المتحدة الأميركية'.
ويضيف أنّ المستخدمين الإفريقيين عبّروا عن حماسهم للمشروع كونهم لا يملكون كُتباً فرنسية كلاسيكية، فبكبسة زر واحدة يمكنهم تنزيل كلاسيكيات الأدب الفرنسي في أي وقت يريدون مجاناً. وشكّلت المكتبة الرقمية للمستخدمين الأميركيين فرصة للحصول على الكتب الكلاسيكية الفرنسية التي لا يمكنهم إيجادها في كلّ الولايات'.
وقد سمح العالم الرقمي، وَضع دورات تعليمية على الانترنت، تستفيد منها الشعوب الإفريقية التي لا تأخذ تعليماً جيداً وثقافة فرنسية. وتتضمّن الدورات برامج لفهم الفرنسية وتكلّمها بسهولة، وقد طوّرت بالتعاون مع المعهد الفرنسي.
ولكن مع كل هذه الإيجابيات للعالم الرقمي، لا بدّ من مواجهة صعوبات، فيشير بيغو أنّ أكبرها هو 'حقوق النشر. فعندما ندخل الفضاء الرقمي، نخسر السيطرة على ما نُشر، فيصبح من السهل نَسخ البرامج أو الكتب الرقمية وإعادة نشرها من دون حقوق نشر.
ونواجه أيضاً صعوبات يحتّمها علينا المسؤولون الحقوقيون، في مجال الموسيقى كما في مجال التلفزيون، عندما يرفضون إعطاءنا حق النشر خوفاً من خسارة الرقابة والسيطرة وعدم تحقيق أرباح من المنشورات الرقمية'.
مع توجّه الشباب أكثر فأكثر نحو الموارد الرقمية في التعليم والثقافة، من واجب المؤسسات الإعلامية التوجّه أيضاً إلى الرقمي. فنحن اليوم أمام جيل جديد لا يشاهد التلفزيون، ولكنه يتابع كل ما يقدّمه من برامج من دون مشاهدته مباشرةً. وذلك عبر مشاهدته البرامج عندما تصبح متوافرة على المواقع الإلكترونية.
ومن الناحية التعليمية والتثقيفية يقول بيغو إنّ 'عرض برامجنا في الفرنسية هو تعليم بحدِّ ذاته، لأن كلّ مَن يشاهدها يكتسب بطريقة غير مباشرة اللغة الفرنسية المحكية، وخصوصاً إذا توافرت الترجمة ضمن البرنامج. فهذا يساعد المشاهد الفرنكوفوني على تطوير لغته أو تعلّمها من الأساس بطريقة سهلة وفطرية'.
ولكن تعليم اللغة الفرنسية الرسمي يتمّ عبر برامج TV5 التعليمية التي نحاول تطويرها بطرق كثيرة تقليدية وأكاديمية، مثل الدورات التدريبية، أو بطرق مرحة ومسلية تُصيب الهدف أكثر. وتتمثّل هذه الطرق بترجمة كلمات الأغاني الفرنسية مثلاً، التي يتعلّم منها المشاهد أكثر من تعلّمه عن طريق المحاضرات والنقاشات. وكل ذلك يحصل في الفضاء الرقمي، حيث يجتمع الجيل الجديد بكامله.
وقبل أن يختم، قال بيغو: 'مثلما تحدّث الرئيس جاك شيراك في السابق عن الفجوة الاجتماعية، نتحدّث حالياً عن الفجوة الرقمية التي لا تسمح لشعوب كثيرة الإفادة من الوسائل الرقمية، فتُهمَّش في المجتمع.
فالفكرة التي يجب العمل عليها هي ملء الفجوة الرقمية، لأنه من المهم أن يتمتّع كل فرد على الأرض، مهما كانت حاله الاقتصادية، بفرصة دخول هذا العالم الرقمي حيث غالبية الخدمات مجانية. وهذه الميزة في العالم الرقمي هي ثورة بحد ذاتها في الاقتصاد والثقافة، قادرة على تغيير العالم إيجابياً'.
وختم بيغو اللقاء طارحاً تساؤلات عن مستقبل الوسائل الإعلامية التقليدية، في ظل الانتقال إلى الرقمي. 'فبين الوسائل التقليدية والرقمية، نستقرّ حالياً في الوسط، ويسمّي الروس هذا الموقع بـ'الأرملة الحامل'، والفكرة من وراء التسمية هي أننا بين عالمَين، أحدهما توفي والآخر لم يولد بعد'.
المصدر: صحيفة الجمهورية