إعلام جديد » أنماط التحول في الإعلام الجهادي من القاعدة إلى داعش

 

isis_300

 

أحمد الشورى(*)
أضحى الإنترنت والإعلام الجديد محفزًا بصورة رئيسية لدورة حياة التطرف، فعمليات التطرف التي كانت تستغرق شهورًا، باتت تستغرق أسابيع وأيامًا، لذا تحول الإعلام الجديد إلى 'شريان الحياة' للإرهابيين، ووعاء لنشر المواقف والآراء المتطرفة، بل وتعبئة واستقطاب أفراد جدد، كما انتقلت معسكرات التدريب من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، فلم يعد يشترط تدريب الأفراد في معسكر إرهابي على أرض الواقع، بل يكفيه أن يحصل على تلك المعلومات من شبكة الإنترنت، فانتشر ما يعرف بالجهاد الشخصي، كما باتت صفحات التواصل الاجتماعي ميدانًا للحرب النفسية والدعائية من قبل تلك الجماعات.

تطور الإعلام الجهادي:
سعى الإرهاب الجهادي سعيًا حثيثًا لأن تكون له منصات إعلاميه منذ البداية، لنشر رسالته لحشد أنصاره، وقد مرت العلاقة بين الإرهاب الجهادي والإعلام بأربع مراحل زمنية:

1- المرحلة الجهادية في أفغانستان: حيث بدأت هذه المرحلة في الثمانينات و كانت تتميز بمحدودية تواصل التنظيمات الجهادية مع مناصريها والأشخاص عبر الوسائل التقليدية، مثل: منابر المساجد، والخطب، والمنشورات، والمجلات الورقية، والأنشطة الاجتماعية، مع المجتمعات المحلية.

2- اقتصر الوجود الإعلامي لتلك الجماعات خلال مرحلة التسعينات على إرسال شرائط فيديو خطب قياديي تنظيم القاعدة لكي يُبث بإحدى المحطات الفضائية العربية.

3- عقب 'أحداث 11 سبتمبر'، والتي تزامنت مع بدء انتشار الإنترنت حول العالم؛ بدأت هذه الجماعات بإنشاء آلاف المواقع الإلكترونية للتواصل مع الأشخاص، وكذلك عبر المنتديات الإلكترونية المغلقة.

4- بعد الحرب على العراق 2003، حيث بدأت القاعدة وفروعها في العراق في توظيف تلك المواقع تزامنًا مع بدايات ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وتعتبر صفحة 'جهاد الأمة' من أهم الصفحات الإرهابية على الفيسبوك، وترتبط تلك الصفحة بروابط لعددٍ من المنتديات والمواقع، مثل: منتدى 'شموخ الإسلام'، وهو مركز يحتوي على العديد من المواد الجهادية، وتوزع على المواقع الإرهابية، ويعتبر حلقة وصل بين مستخدمي الفيسبوك.

وفي هذا السياق، حدث تحول مهم في الاستراتيجية الإعلامية والجهادية للإرهابيين من خلال ما قدمه أحد أعضاء القاعدة -واسمه أبو مصعب السوري- في مؤلف عنوانه 'الاستراتيجية اللا مركزية للجماعات الجهادية' في 1600 صفحة على الإنترنت، يهدف إلى إثارة انتفاضة عالمية من خلال قيادات وخلايا عنقودية وفردية، مشيرًا إلى أن التقاليد السابقة المتمثلة في التنظيم الهرمي للجماعة الإرهابية كانت عائقًا لاستمرار أنشطة تلك الجماعات.

 فالقبض على عضو واحد يُمكن أن يُعرّض التنظيم بأكمله للانهيار، ولذا اقترح ما يعرف 'الجهاد الفردي' في إطار خلايا عنقودية ليست متصلة بالقيادة الأم، مؤكدًا أن تحقيق ذلك يتطلب التركيز على خلق مشاعر مشتركة'، وهذا ما دفعه إلى التأكيد على دعم الأيديولوجية الإسلامية الجهادية والهوية المشتركة تجاه قضية واحدة، وبالتالي وحدة الهدف والقضية دون أن نكون هناك أي صلات تنظيمية. كما اقترح التركيز على الجهاد في بلدانهم المقيمين فيها. هذا الأمر ساهم في ظهور ما يُعرف بـ'الجهاد بلا قيادة'، وبالتالي أصبحت هناك خلايا تقوم بعمليات دون أخذ أوامر من القيادة المركزية للقاعدة. وبالتالي بدا وكأن الإنترنت بمثابة 'جامعة إرهابية' تقوم بتلقين المتطرفين التقنيات والمعلومات والأفكار المتطرفة والطرق الإرهابية الجديدة، مثل 'دليل سموم المجاهدين' الذي يحتوي على وصفات محلية لتصنيع مواد وغازات سامة، وموسوعة الجهاد، ومجلة 'Inspire' التي تتضمن كيفية صناعة الأسلحة والمتفجرات في أماكن بسيطة، ومثال على ذلك، التقارير والتحريات الأمنية عن تفجير ماراثون بوسطن في عام 2013، حيث أكدت التقارير والتحريات أنهم استفادوا من مجلة 'inspire' في تنفيذ تلك العملية الإرهابية.

isisa_300

أبعاد صناعة الصورة لدى داعش:
تحتل شبكات التواصل الاجتماعي أهمية كبيرة في مجال نشر الأفكار، والدعاية الإعلامي، وصناعة الصورة الذهنية، من خلال صفحات الفيسبوك وتويتر وموقع الإنستجرام، حيث يتم نشر صور ومقاطع فيديوهات لتحقيق عدة غايات تتمثل في:

1- استعراض القوة: فمن السذاجة اختزال ما يقوم به داعش من ذبح وحرق على أنه مجرد تصرف عشوائي وهمجي، ولكنه يأتي في إطار استراتيجية صناعة صورة ذهنية للترويج لنفسه إعلاميًّا، وتجنيد مقاتلين، تستند إلى رسالتين، الأولى جاذبية القوة التي تقوم على إرسال رسالة للجماهير بأنه قوي وشرس وقادر على الإيذاء وتحقيق الانتصارات. والثانية جاذبية الانتقام التي تقوم على مبدأ الثأر من العدو، وهو ما يُسهّل عملية التجنيد والتعبئة.

فجاذبية القوة تُخاطب الأشخاص الذين لديهم هوس بالقوة والسيطرة، وجاذبية الانتقام تخاطب الأشخاص الذين يشعرون بالقهر والإحباط، وفي الأغلب يمكن تفسير ذلك كأحد المداخل النفسية لانضمام المقاتلين الأجانب لداعش، استنادًا لجاذبية القوة وجاذبية الانتقام.

2- توظيف جاذبية 'الخلافة': وهي الفكرة الأساسية لدى كل التنظيمات الإسلامية. هذه الفكرة 'المثالية' كانت محور تركيز استراتيجية داعش الإرهابي كرابطة عاطفية ودينية وتاريخية تمكنها من كسب تعاطف الشباب وتجنيدهم، فهي في المفهوم الجمعي للجهاديين رمز للتقدم والسيطرة، وبالتالي ربط هذا المفهوم بما قامت به من إزالة الحدود بين سوريا والعراق تبرره فكره الخلافة. بل لم تكتفِ بذلك، وتم الترويج للصورة الأولية للخلافة من خلال استخدام المصطلحات التاريخية المستخدمة في عقود ظهور الإسلام، وتصميم جوازات سفر وعملات معدنية، والتأكيد على تطبيق الشريعة كإطار حاكم لكل المسلمين، وسعت إلى ضخ هذا الأمر عبر صفحاتها على شبكات التواصل الاجتماعي، كما طرحت عروضًا للعمل بمبالغ مغرية في عدد من المجالات تحت مسمى 'دولة الخلافة'، وفي الوقت نفسه سعت إلى الترويج لأنها المدافع عن الإسلام المُعرِّض لحرب عالمية من الغرب والشيعة والنظام السوري، وأنها (داعش) نذرت نفسها لمهمة الدفاع عن الإسلام. فالغرض إظهار درجة من التماهي بين فكرة الخلافة وبين داعش التنظيم.

فضلا عن إبراز أنه تنظيم متعدد القوى والأعراق والأجناس، وتجلى ذلك من ضخ كميات كبيرة من الأخبار والمعلومات عن هذا التنظيم، وتكوين انطباع بأن لديه قاعدة وحاضنة شعبية.

3- جذب الاهتمام: حيث يسعى نشطاء التنظيم إلى وضع أخبار داعش على الأجندة الإعلامية الدولية من أجل أن تحصل على مزيدٍ من الاهتمام والانتباه والترويج، وتصبح دائمًا في قلب الحدث، وتحت بؤرة الاهتمام. فداعش ليس لديه قناة أو محطة فضائية، ولكن شبكات التواصل الاجتماعي واليوتيوب مكنته من أن تكون لديه منصات إعلامية، ولا يكتفي بهذا، بل صار ما ينشره من أخبار ومعلومات مادة خصبة لوسائل الإعلام الدولية، وكأنهم يلعبون دور المروج أو الوكيل الإعلامي بدون تكلفة، مما يُساهم في نشر أفكار التنظيم.

4- ترويج 'الجهاد السياحي': فالترويج للجهاد لم يعد يركز على المفهوم الكلاسيكي (التقشف والزهد) الذي كان يركز عليه الجيل الأول من مقاتلي القاعدة الذين كانوا يعيشون في كهوف جبال 'تورا بورا'، في صورة زاهدة، من أجل خدمة قضية 'الجهاد' وفق رؤيتهم، بل صار تنظيم داعش يركز على غنائم الحرب؛ حيث يقتني مقاتلوه المركبات والسيارات الفخمة، ويتزوجون من المعتقلات والسبايا قسرًا، كما حدث في العراق مع الإيزيديات والمسيحيات، وهو ما أعاد العالم إلى سوق الرق والنخاسة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل سعى أفراد التنظيم إلى نشر صور وهم يقومون بأنشطة يومية عادية وكأنهم يريدون إيصال رسالة مفادها أن هذا التنظيم غير منعزل عن العالم المعاصر، وأنه لا يرفض كل ما هو غربي، وأن الحياة مع تنظيم داعش التي حظرت الموسيقى والفن والرياضة لا تختلف عن الحياة التي يعيشها الغربيون.

5- صناعة البطل: حيث سعى تنظيم داعش إلى نشر عدد من الصور لما يعرف 'بالجهادي جون' وهو محمد جاسم إموازي (بريطاني الجنسية كويتي الأصل)، حيث يظهر هذا الشخص بصورة دائمة في كل فيديوهات داعش عند إعدام الرهائن الأجانب، واشتُهر جون بحمل سكين لنحر الرهينة أمام الكاميرا وفصل رأسه عن جسده، وهو يجيد التحدث باللغة الإنجليزية. كما قام التنظيم بنشر فيديو لشخص ذي بنية جسمانية قوية حاملا سلاحًا، وأطلق عليه 'ملاك الموت.. رامبو العراق'، فهذا مشهد هوليودي يستقطب جموح الشباب المتأثر بالأفلام الأمريكية التي تميل إلى العنف والقوة.

كما صدر عن التنظيم مجلة عالية الحرفية من حيث التقنيات الحديثة والإخراج وتوظيف الصور وجودتها، أطلق عليها اسم 'دابق'، وصدرت باللغتين العربية والإنجليزية، وتوزع نسخها المطبوعة في المناطق التي يُسيطر عليها في سوريا والعراق، فيما أُرسلت نسخ منها عبر البريد الإلكتروني، وأعاد نشرها عدد من المواقع الداعم للتنظيم.

كما أصدر 'داعش' سلسلة من الأفلام الأشبه بالوثائقية، تصوّر عمليات للتنظيم أُطلق عليها سلسلة 'صليل السيوف'، كما أنتج داعش لعبة إلكترونية قتالية تحاكي استراتيجية التنظيم في عمليات القتال، ومشاهد كرتونية تحاكي عملياته التي صدّرها في فيلمه 'صليل الصوارم'.

isisb_500

الوظائف التواصلية للإعلام الجهادي
تتمثل الأهداف الأساسية لاستخدام الإنترنت لأغراض إرهابية في الاتصالات التي تساعد التنظيمات الإرهابية من خلال شبكة الإنترنت، مثل اتصال داعش بأعضاء التنظيم والتنسيق فيما بينهم، نظرًا لقلة تكاليف الاتصال مقارنةً بالوسائل الأخرى، ووفرة المعلومات التي يُمكن تبادلها؛ حيث يلجأ التنظيم لمواقع: فيسبوك، وأسك.أم، ويوتيوب، كما يُعتبر موقع 'تويتر' من أبرز شبكات التواصل الاجتماعي التي اعتمدها تنظيم 'داعش' وما يزال في حربه الإلكترونية، وبث أفكاره وأخباره وفيديوهاته.

وفي هذا الإطار صدرت دراسة عن مركز بروكينجز في مارس 2015 بعنوان: 'The ISIS Twitter censascii117s: Defining and describing the popascii117lation of ISIS sascii117pporters on Twitter، والتي قدرت أن هناك -على أقل تقدير- 45 ألف حساب على موقع تويتر مؤيد لتنظيم داعش، وأشارت الدراسة إلى ازدياد أعداد حسابات داعش على موقع تويتر من عام 2009 إلى عام 2014، كما حددت الدراسة أيضًا أكثر الدول التي يُبدي مواطنوها تعاطفًا وتأييدًا لداعش عبر 'تويتر'.

كما أن عمل 'داعش' لا يقتصر على نشر الصور في اتجاه واحد، بل يسعى لفهم حاجات جمهوره، ومعرفة ردود أفعالهم على شكل استبيان، أي إن خطابه الإعلامي يعتمد على التفاعل، فنجد أن تنظيم داعش قبل قيامه بحرق الطيار الأردني 'معاذ الكساسبة' بشهرين تقريبًا أواخر ديسمبر 2014 دشن هشتاجًا بعنوان: 'Sascii117ggest A Way To Kill The Jordanian Pilot Pig' يطلب من مؤيدي التنظيم أن يُقدموا مقترحات لكيفية قتل، حصل على أكثر من 1000 ريتويت، ومن ضمن المقترحات قطع الرأس، أو الحرق حيًّا، وفي منتصف فبراير 2015 قام بتنفيذ أحد المقترحات بحرق الكساسبة حيًّا.

وعلى مستوى آخر، أشارت التقديرات الغربية إلى أن التنظيم الذي يُقدر عدد أعضائه بحوالي 40 ألف مقاتل، استطاع خلال الفترة الماضية أن يستقطب حوالي ألفي جهادي من أوروبا ومن خارج الدول الإسلامية، واستطاع تجنيد أكثر من 80% منهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وتُشير الإحصائيات إلى أنه في مطلع العام الجاري 2015 نجح التنظيم في ضم أكثر من 3400 عنصر عبر حملات إلكترونية غاية في التنسيق. كما ذكرت شبكة NBC الإخبارية، أن هناك 25 ألف أجنبي من 100 دولة التحقوا بالتنظيم، وفقًا لتحقيق أجرته الشبكة.

آليات الاستقطاب الافتراضي
تُعد صفحاتُ التواصل الاجتماعي بمثابة 'حملة لطرق الأبواب الافتراضية'، حيث تسمح بالوصول إلى الجمهور المستهدف على عكس المواقع الإلكترونية، فأصبحت صفحات الفيسبوك سوقًا من خلاله تختار الجماعات الإرهابية من ينطبق عليه مواصفات التطرف، وفقًا لأنشطته على الصفحة، وبدأ يظهر مفهوم جديد هو 'الجهاد الإلكتروني'.

وتمثّلت استراتيجية داعش في التجنيد في الاعتماد بقوة على جيل تقني من الشباب الذي استقطبه من الدول الغربية، وهذا ما كشفته اعترافات المنشقين والمعتقلين من التنظيم بأن التنظيم لا يُدخل الأجانب في القتال الميداني، بقدر ما يستفيد منهم في الخطوط الخلفية والدعم اللوجستي، وبخاصة في الإعلام والدعاية، وهو ما يتضح أيضًا في نوعية المحتوى الذي يجري بثه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مثل الفيديوهات الخاصة بالتنظيم، والتي تتميز بالإنتاج والتصوير والوضوح الفائق، وطريقة بث المحتوى الخاص بالتنظيم على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي.

وركزت استراتيجية داعش أيضًا على استقطاب وتجنيد فئة المراهقين تحديدًا، مستغلا ضعف المناعة الدينية والفكرية، من خلال الألعاب الرقمية عندما أطلق العام الجاري لعبة رقمية تحمل اسم 'صليل الصوارم' في مسعى منه لرفع معنويات عناصره، وتدريب الأطفال والمراهقين على مقاتلة قوات التحالف الغربي والإقليمي، والأفلام الكرتونية أيضًا.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، اتهام السلطات النمساوية مراهقًا عمره 14 عامًا من أصول تركية أواخر شهر مارس الماضي، بالانضمام إلى داعش، حيث كشفت التحقيقات أنه قام بتحميل عددٍ من المعلومات من على الإنترنت تحرض على صنع القنابل، والقيام بهجمات بدعم مالي من داعش، كما اعترف بأنه كانت لديه نية التوجه إلى سوريا بعد قيامه بعددٍ من الأهداف الحيوية في النمسا، ومن ضمنها تفجير محطة سكة الحديد.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل امتد إلى استقطاب الفتيات 'المراهقات' من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ودفعهن إلى السفر إلى سوريا والعراق، بل إن هناك فتيات سعين إلى الترويج لداعش، ودعوة قريناتهن للانضمام إليه، والذهاب إلى سوريا، ومن أبرزهن 'أقصى محمود' من أسكتلندا التي تزوجت من أحد مقاتلي داعش، واستخدمت حسابها على 'تمبلر' لحث النساء البريطانيات على الانضمام إلى داعش، وبعد أقل من عام، وجد الإعلام البريطاني أن جهود أقصى التي أطلقت على نفسها فيما بعد لقب 'أم ليث' لاقت رواجًا كبيرًا بين البريطانيات، وبحسب المركز الدولي لدراسة التشدد والعنف السياسي فهناك 25 فتاة بريطانية سافرن إلى سوريا، معظمهن في سن 18 إلى 24 عامًا.

على مستوى آخر، سعى التنظيم إلى مخاطبة حالة الإحباط والكبت لدى الشباب من خلال طرح فيديو يقوم على الادعاء بأن علاج الاكتئاب هو الجهاد، كما اتجه التنظيم إلى استخدام مواقع ASK.FM وTwitter، للإجابة عن كيفية الانضمام للتنظيم، وتحديد أفضل الطرق للوصول إلى المناطق الخاضعة لداعش دون أن يتم اكتشاف ذلك من قبل السلطات.

إدارة الحرب النفسية
تتركز التجربة الرئيسية لـ'داعش' في المجال الإلكتروني في الحرب النفسية لإنتاج الخوف عن طريق غمر الشبكة بمقاطع فيديو تُظهر قسوة ووحشية قطع الرؤوس والإعدامات الجماعية، إلى جانب عرض الانتصارات كجزء من حملة الردع وإنتاج وهم القوة، والذي يتجاوز القدرة الحقيقية للتنظيم.

ومن أشهر فيديوهات القتل والتعذيب التي أطلقها داعش، فيديو قتل الرهينة الأمريكي بيتر كاسيج الذي كان خطف في سوريا عام 2013، وفيديو حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة في فبراير 2015، ولم تقتصر تلك الأفعال والجرائم على التنظيم في سوريا والعراق، بل امتد إلى عدد من التنظيمات الفرعية في ليبيا، حيث تم قتل 21 مصريًّا قبطيًّا في ليبيا بفبراير 2015.

وتُشير تلك الفيديوهات إلى أنها تمت بحرفية وتقنية عالية، فأسبغت عليها 'الصورة الهوليودية والسينمائية'، على مستوى المؤثرات الصوتية، والعرض البطيء، وذلك في جرائمها التي ترتكبها بحق الرهائن، فضلا عن أن تقنيات الصورة في الفيديوهات وإضاءتها 'تحتاج إلى خبراء تقنيين' لإتقانها، فإذا كان السلاح الذي كان يظهر في فيديوهات بن لادن والظواهري يؤكد القوة والترهيب، فالقتل والذبح والوحشية نهج آخر استخدمه التنظيم لإيصال تلك الفكرة. وكل هذه الأمور تؤكد أن 'داعش' لديه قوة إعلامية كبيرة.

وختامًا.. يمكن القول إن تنظيم داعش نجح بشكل كبير في الاستفادة من التطورات التكنولوجية لخدمة غاياته عبر وظائف الدعاية والتواصل والتجنيد والحرب النفسية، مما جعل البعض يُطلق عليه أنه أذكى تنظيم إرهابي في التاريخ، فهذا التنظيم لا يواجه بالسلاح فحسب، وإنما يعتمد على أدوات فكرية وإعلامية متطورة تفوق قدرات التنظيمات الإرهابية السابقة، لا سيما فيما يتعلق بالإفادة من المجال الافتراضي كمساحة مفتوحة بعيدة عن السيطرة الأمنية.
(*) مدرس العلوم السياسية المساعد بجامعة أسيوط
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد