نور أبو فرّاج
يردِّد كثيرون أن ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعبّر عن صورة الواقع. قولهم ذلك لا يحول دون مراكمتهم لمشاعر الغيرة والإحباط، وهم يقلّبون صور أصدقاءٍ يمضون إجازة صيفية، أو يمارسون رياضة الركمجة والغوص. تصبح تلك اللحظات الاستثنائية من الإثارة أو المتعة الوجه الأوحد لحياة &laqascii117o;الآخرين السعداء". في مواقع التواصل الاجتماعي، لا مكان لثياب النوم والشعر المبعثر، لا مكان للعيون المحمرّة من البكاء، أو لحظات الانكسار. لكن ماذا إن قررت واحدة من أشهر أولئك &laqascii117o;الغرباء السعداء"، صاحبة الحياة &laqascii117o;المثالية"، المخاطرة بالنزول من برج &laqascii117o;السوشل ميديا" إلى أرض الواقع؟
الأستراليّة إيسينا أونيل (19 عاماً) إحدى نجمات &laqascii117o;إنستغرام"، وعارضة أزياء، كان تمتلك &laqascii117o;جيشاً" من المتابعين وصل عددهم إلى ما يقارب نصف المليون. قبل أيّام، قرّرت فجأة &laqascii117o;اعتزال حياة مواقع التواصل الاجتماعي" (2/11). كانت البداية بتغير اسمها على إنستغرام ليصبح &laqascii117o;السوشل ميديا ليست حياة حقيقية". بادرت بعد ذلك لحذف الكثير من صورها. أوقفت قناتها على &laqascii117o;يوتيوب"، لتطلق بعد ذلك شريطاً تسجيلياً مصوراً (17 د.) يشرح أسباب اعتزالها.
تزامن تحميل التسجيل مع إطلاق موقعها الخاص الذي تدعو فيه إلى &laqascii117o;تغيير قواعد اللعبة"، على أن تنشر فيه تسجيلات &laqascii117o;مُلهمة ومُحفّزة" حول الطعام النباتي وحماية البيئة والمساواة بين الجنسين. إلى جانب ذلك، ستقوم أونيل بنشر الكثير من الصور الفوتوغرافية التي أكسبتها شهرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن ترفقها بخلفية مقتضبة &laqascii117o;حول حقيقة التقاط تلك الصور وظروفها".
على &laqascii117o;يوتيوب"، تهدي أونيل شريط الاعتزال لـ &laqascii117o;نفسها حين كانت في الثانية عشرة من العمر". وفيه تحاول، باكيةً، كشف ما تسمّيه &laqascii117o;زيف مواقع التواصل الاجتماعي". تعترف أونيل أنها شيّدت مهنة كاملة، تدر الكثير من الأرباح بناءً على شعبيتها في مواقع التواصل الاجتماعي. تريد الشابة أن يكون تركها لمواقع التواصل الاجتماعي بمثابة &laqascii117o;نداء صحوة" لمتابعيها. ترسم في الهواء إشارات التنصيص للتشكيك بمصطلحات مثل &laqascii117o;الشهرة"، و &laqascii117o;الحياة المثالية" و &laqascii117o;امتلاك كل ما يحلم به المرء". تكشف بعد ذلك أن حياة السوشل ميديا مجرد &laqascii117o;بزنس"، قامت خلالها بالترويج للكثير من العلامات التجارية والمنتجات التي دُسّت في صورها، بعدما حدَّدت شركات التسويق بدقة مواعيد عرض تلك الصور وكيفية الإمساك بالمنتجات وعرضها في الصورة.
الجزء الأبرز في الشريط ربما، استعادة أونيل لعقيلة البنت التي كانتها في الثانية عشرة، حين كانت تلاحقها مشاعر عدم الرضا وتراجع تقدير الذات مقارنة بالفتيات النحيلات والجميلات الشهيرات في مواقع التواصل. لم تكن لتصدق حجم الشهرة التي ستنالها بعد عدة سنوات، لكن طعمها الآن مختلف ومخيّب للآمال. وفي نهاية التسجيل، تطلب عارضة الأزياء دعم الراغبين بنشر موقعها وتسجيلاتها، وتعلن بأنها &laqascii117o;لا تملك أجرة منزلها".
بالرغم من دموع أونيل، يمكن استشعار بعض التصنّع في انفعالاتها المقصود بها التظاهر بالعفوية وخوض تجربة &laqascii117o;سبر أغوار الذات". تميل أونيل لسرد الكثير من المواعظ والنصائح حول ماهية الحياة الحقيقيَّة. تصوّر في بعض الأحيان نفسها كضحية لمواقع التواصل بالرغم من أن نمط الحياة الذي اختارته، كان قرارها بدرجة كبيرة. فهناك الكثيرات اللواتي يرفضن توظيف مظهرهنّ الخارجي للترويج لمنتجات أو نمط حياة محدّد عبر تلك المواقع.
في الوقت التي كسبت فيه إيسينا أونيل تعاطف الكثيرين حول العالم، رأى البعض في مبادرتها محاولةً لجذب الأنظار بطريقة معكوسة وغير متوقعة. دوافعها للقيام بما فعلته تحتمل التشكيك، لكنها ليست القضية الأهم هنا، مقابل السؤال عن السبب وراء هذا القدر من التفاعل والتعاطف مع ما قلته، ما فتح نقاشاً واسعاً وصل صداه إلى صحف مثل &laqascii117o;ذا غارديان" و &laqascii117o;ذي إندبندنت". فما كشفته أونيل عن استخدام مواقع التواصل للتسويق لمنتجات معيّنة، ونمط حياة محدّد، إلا أنّ ما اعترفت به، لا يمكن تصنيفه في خانة &laqascii117o;السريّ للغاية"، بل هو متوقّع بحدّ كبير. لكنّ جرأتها على الاعتراف، ربما تكون أعجبت كثيرين، وأثّرت بهم. الكثير من الناس يدركون أنّ معظم الصور على &laqascii117o;فايسبوك" و &laqascii117o;إنستغرام" هي في الحقيقة &laqascii117o;مزيّفة" و &laqascii117o;مصطنعة"، إلا أنّه كان من المجدي ربما أن يسمعوا ذلك من عارضة أزياء، بدلاً من عالم اجتماع يتحدث عن تأثير مواقع التواصل في زيادة العزلة والاكتئاب.
ربمّا كفّت إيسينا أونيل عن الترويج لمعايير الجمال المفصّلة على مقاس عارضات الأزياء، وقررت التوقّف عن الإعلان الخفي للمنتجات التجارية عبر السوشل ميديا. لكنها الآن انتقلت إلى مرحلة قد تكون أكثر &laqascii117o;خطورة": الترويج للأفكار عن نمط حياة تراه الأفضل. من خلال تسجيل أونيل على &laqascii117o;يوتيوب" يتبيّن أنّ مفهومها حول التواصل الحقيقي والعميق مع الآخرين، يمكن تلخيصه بالخروج إلى المنتزه أو الشاطئ وفتح الأحاديث مع العابرين.
المصدر: صحيفة السفير