أخبار لبنان » جريمة بيصور: المأساة والنكتة

- صحيفة 'السفير' 
جوي سليم

لا يجهل القيّمون على الإعلام المرئي والمسموع في لبنان، أنّهم يساهمون في تشكيل الرأي العام بمعناه العريض... لكنّهم يصرّون على التعاطي مع الأمر بخفّة. آخر فصول تلك الخفة كان تغطية نشرات الأخبار المحلية للجريمة التي شهدتها بلدة بيصور في قضاء عاليه أمس الأول، حين اعتدت مجموعة من البلدة بالضرب على شاب، وقطعت عضوه التناسلي، للتعبير عن رفضهم زواج الشاب من قريبتهم لأسباب طائفيّة.
لم يمسّ غرف التحرير والمراسلين في الخبر المذكور سوى عبارة &laqascii117o;العضو التناسلي"... فتعاطت نشرات الأخبار مع الحدث وكأنه نكتة كتلك النكات السوقيّة الرائجة في برامج الكوميديا. لم يستطع بعض المذيعين والمذيعات كتم ضحكتهم أثناء قراءة الخبر،كما فعلت مذيعة تلفزيون &laqascii117o;أم تي في" ديانا فاخوري في نشرة الأخبار الليلية. وتلتها زميلتها هنادي رحمة معدة التقرير عن الجريمة التي استهلت تقريرها جازمةً بأن خبر الجريمة &laqascii117o;مضحك مبكٍ". ما المضحك يا ترى في أن تقع جريمة كهذه ونحن في العام 2013؟
قناة &laqascii117o;الجديد" وجدت في الحدث مطلبها الدائم: الإثارة. فأدرجت الخبر في عناوين النشرة تحت عنوان &laqascii117o;من الحب ما قطع"، مظهرةً الضحية في العناوين يحكي تحديداً عن البتر الذي تعرض له. كما تحدّثت مع الطبيب عن حالة المريض بجانب هذا الأخير، من دون أي مراعاة لمشاعر الضحية.
أمّا &laqascii117o;المؤسسة اللبنانية للإرسال" المنهمكة في حصد &laqascii117o;رايتنغ" مسلسلات رمضان على موقعها الالكتروني، فجاء خيارها في تصنيف الخبر مستفزاً. بكل بساطة، أدرجت خبر الجريمة ضمن خانة &laqascii117o;غرائب وطرائف"، على الموقع نفسه (!). هكذا تصبح جريمة قبلية، يمكن وصفها بأنها أبشع من القتل نفسه، طرفة ونكتة في عُرف المحطات اللبنانية.
إفساد مستقبل شاب بهذا الأسلوب الهمجي فقط &laqascii117o;لتجرّئه" على الزواج من فتاة من خارج الطائفة، لا يستحق الجدية من قبل إعلامنا &laqascii117o;المحترم". لا تستحق العلاقات الإنسانية المهددة باسم القبلية والتخلف الوحشي رصانة مذيعي الأخبار. عندما يقع القتل باسم &laqascii117o;القضايا الكبرى"، عندها يقطّب المذيع جبينه. أما أن يتم الاعتداء على شابٍ لأنه اختار الحب على التعصّب، فتلك نكتة مضحكة للغاية، لا بل من &laqascii117o;طرائف وغرائب" الدنيا!
لم يفكّر معدّو النشرات ولا المذيعون، أن أهل الضحية قد يشاهدون معاناة ابنهم تتحول إلى نكتة تتقاذفها الشاشات. لم يفكروا في أن العائلة المعتدية سترتاح عقب مشاهدتها تغطيةً إعلامية تصوّر جريمتها كأنّها عمل كوميدي يستحق التهنئة. لم يرَ إعلامنا المأساة خلف الخبر، لم يرَ إلا العضو التناسلي ــ لم ندرك بالمناسبة لماذا يكون سبباً للضحك أصلاً؟ قد يكمن الجواب عن ذلك كله في السؤال الآتي: كيف لإعلام يمتهن التحريض وتغذية التعصب الأعمى للجماعة، أن يستنكر جريمة تصبّ في الخانة نفسها؟
عوضاً عن تحويل الجريمة إلى طرفة، كان من الأفضل أن يتمّ تحويلها إلى مناسبة لإعادة إثارة قضيّة الزواج المختلط، والتي ما زالت تعدّ من المحرّمات، أو على الأقلّ مقاربة الحدث بجديّة.. كلّ تلك الخفّة دليل على وجود خلل كبير في أولويات المحطات التلفزيونيّة، ومعاييرها الأخلاقيّة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد