- صحيفة 'السفير'
سحر مندور
إعلانٌ يملأ شوارع لبنان بمعادلتين بالعربية، تحضران على خلفيةٍ سوداء تنشد الأناقة: &laqascii117o;بالتفاؤل تولد الفرص"، و&laqascii117o;بالمثابرة يتحقّق النجاح"، ممهوراً بشعارٍ تجاريّ يقول: &laqascii117o;نحن هنا لأجلكم". وهو إعلانٌ لشركة مصرفية عالمية ضخمة تحتفل بعيدها الستين، واختارت وجه مقدّم برنامج &laqascii117o;كلام الناس" مرسال غانم لتخاطب الناس عبره. فيحضر في صدر الصورة مبتسماً بارتياحٍ واطمئنان، ثم مقطباً حاجبيه بجديّة ومصداقية. أما النسخة الإنكليزية منه فتضيف &laqascii117o;قيمةً" اجتماعية لا تنقص المتمكنين اقتصادياً في لبنان ومستنسخي سلوكهم، تفيد بأن &laqascii117o;التفوّق" هو وضعية يعتمدها المرء في المجتمع، بعيداً عن الجهد والكفاءة.
وعلى الرغم من ترف الاستسهال الذي يفيض من رسالته، فإن الإعلان ليس تبشيراً بين مؤمنين، ليس احتفالاً بين أصدقاء الطبقة الواحدة بسنوات الاستمرارية.. وإنما هو يتوجّه منهم إلى أبناء وبنات الطبقات الأقل &laqascii117o;حظّاً"، بعبارات &laqascii117o;التحفيز الإيجابي" المتلائمة مع &laqascii117o;مناخ الاستثمار". ابتسامةٌ تنبذ الغضب والأسى المضرّين بمناخ عمل المصارف، وتعزّز قيمة المثابرة والتفاؤل في مجتمعٍ يبدو كأن كسله وتشاؤمه تسبّبا بإعاقة &laqascii117o;الفرص" و&laqascii117o;النجاح". بما يشي بأن الصعوبة الاقتصاديّة في لبنان (والعالم) هي أساساً معضلة نفسيّة. بذلك، يستخدم الإعلان أدبيّات &laqascii117o;الحلم الأميركي"، متأخراً عنها لعقود. الحلم الذي ينطلق بسذاجةٍ مغرضة من فكرةٍ برّاقة تقول بأن الفرص متساويةٌ بين ابن صاحب المصرف وابن الحارس الليلي مثلاً، فمن يتفوق بينهما على الآخر بالتفاؤل والمثابرة يفز بالفرص والنجاح. فلا تكون علاقةٌ بين الفقر والثراء، لا علاقة لملايين الفقراء بتراكم ثروات حفنةٍ من الأغنياء.
الإعلان إذاً يستعيد خطاباً أسقطته التجربة من الألسن، ولا يرفقه بعرضٍ خاص ما، يسهّل على المواطن هضم طبق النصح والإرشاد هذا: خفض الفوائد على القروض، تسهيلات فيه، تعزيز الفوائد على مبلغٍ مودع، أو أي اقتراح لصيغة جديدة تتيح اقتناء أي شيء، من بوليصة تأمين تؤرق البال إلى قرض تعليمي يراهن على تغيير الحال.. لا شيء البتة. فقط المثابرة، والتفاؤل. وليس التفاؤل قيمةً مجرّدة، ولا المثابرة هي معيار الترقّي، وإن لم تكن محظياً في وجهٍ من وجوه حياتك، فلا مدخل لك إلى الترقّي. والنظام المصرفي هو أحد أبرز الأعمدة التي يقوم عليها عالم اليوم، العالم الذي لا يكافئ المثابرة، وينهك التفاؤل. نظامٌ تدين له الدول بملايين الدولارات، ولبنان هو واحد من هذه الدول. نظامٌ شديد الدقّة في قياس نسب ربحه، وشديد الشاعرية في انتقاء عباراته عندما يتوجّه إلى المتضررين منه، واعداً إياهم بامتلاك مدخلٍ إليه يوماً ما.
في عيدها الستين إذاً، تقدّم المؤسسة ابتسامة مرسال بعلامتها التجارية الواضحة، إلى ناس البلد من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، والأماكن هذه، الأماكن كلها، صعبة. ابتسامةٌ تحلّ في الشارع كالماركة المسجّلة، دورها في الإعلان هو تجسيد روحية المصرف للناس. ومرسال غانم يمتلك نقاط قوة مهنية عديدة جعلته يشغر مساحة من حياة الناس، ويحافظ على وجوده الأسبوعي فيها لأكثر من 18 عاماً. لكن صورته كناجحٍ وصيّاد فرص تقوم أيضاً وأساساً من سعة حيلته داخل &laqascii117o;الوسط" السياسي. وهي سعة حيلة مشهورة عنه في البلد، تؤكدها أسبوعياً التآلف والشراكة مع الضيوف المسؤولين عن الحال المأساوية التي نعيشها. تآلفٌ لا يبدأ من امتلاك المواكبة الأمنية الخاصة، ولا ينتهي عند تشكّله كمركز قوة يمكن لرئيسٍ أن يهين وزيراً طلباً لرضاه. لذلك، ومن موقعه كوسيطٍ تلفزيوني بين رجال القرار وبقية الناس، سيمكّن مرسال المصرف من امتلاك &laqascii117o;وجهٍ إنساني" لا يتعارض مع &laqascii117o;اقتصاد" المؤسسة. وجهٌ إنساني يُقبل منه النصح.
كان يمكن لهذا الإعلان أن يكون خفيف الحضور ككلمتين سعيدتين عن التفاؤل وجدتا من يلقيهما في هذه الأيام، لولا أن ماري أنطوانيت، يوم نصحت الشعب بتناول الكرواسان عند نفاد الخبز، كانت قد عتّمت على الدور الذي تؤديه هي في نفاد الخبز، وتجاهلت أن الكرواسان لا ينبت إلا في حديقتها، ثم افترضت أن الناس الذين يخترعون سبلاً إلى الحياة رغم صعوبة الظرف الاقتصادي، يحتاجون منها إلى الوعظ.