أخبار لبنان » ’صَوْفِر وروق‘: الطرافة قبل السلامة

119553_430- صحيفة 'السفير'
امل كعوش

ما ان تنطلق الشابة بسيارتها على الطريق المشجر، حتى يبدأ هاتفها الخلوي بالرنين معلناً وصول رسالة نصيّة. تقاوم السائقة رنين الهاتف المتواصل، وتخاطبه مغنّية بثقة 'ما رح ردّ عليك! السواقة آمن بَلاك'. هذه هي ببساطة الرسالة المقصودة في الإعلان المصوّر الجديد لشركة toascii117ch للاتصالات، ضمن المرحلة الثانية من حملة 'ما تكتب وتسوق'، المشتركة مع جمعيّة يازا.
تهدف الحملة إلى التحذير من مخاطر استعمال الهاتف الخلوي أثناء القيادة. إلا انّ الاهتمام المفرط بالناحية الفنيّة للإعلان، جعل الكفة فيه ترجح لمصلحة الصورة الترفيهية الطريفة، على حساب الهدف التوعوي من الحملة. النتيجة مادة إعلانية أقرب إلى الفيديو الغنائي منه إلى الفيديو التحذيري. يحمل الإعلان عنوان 'صَوفر وروق'، وتغنّي الشابة من خلف مقود سياراتها 'بدّي صَوفر وروق، أحسن ما اكتب أنا وعم سوق'. المفارقة أن عبارة 'صَوفر وروق' تظهر مكتوبة في اللوحة المعلّقة على مؤخّرة السيارة، في حين خطّت عبارة 'ما تكتب وتسوق' بخط رفيع خجول (الأمر نفسه ينسحب على لوحات الحملة الطرقيّة). كأنّ الحملة تهدف للترويج للأغنية أو للصفير، وليس التوعية من مخاطر استخدام الهاتف أثناء القيادة.

تحتسب كلمات الأغنية نقطة قوة لمصلحة الإعلان، إذ انّها ابتعدت عن نبرة الوعظ المباشر، لتصاغ بصوت المتكلِّم ما يسهّل على المستمع تبنّيها. لكن الجهد الموضوع في كتابة الأغنية ذهب ضحية اختيار غير موفق للتأليف الموسيقي حيث انّه يصعّب تلقي الكلمات بسهولة. كما أنّ اختيار لحن يحاكي أغاني البوب الأميركية في الخمسينيات، تماشياً مع الصورة المقدّمة في الفيديو، ساهم في تغريب الأغنية اجتماعياً عن بلد كلبنان.

نبرة الابتهاج والثقة المفرطة في الأغنية، قد تكون مناسبة للترويج لسلعة توفّر الراحة للمستهلك (الفوط الصحية أو مساحيق التنظيف مثلاً)، لكنّها ليست النغمة الأنسب في إعلان تحذيري. الصخب البصري، حال دون وصول رسالة الإعلان بأمان. تتشارك السائقة ذات الشعر الأحمر والرداء الأصفر الغناء، مع ثلاثة شباب، يرقصون في المقعد الخلفي للسيارة المكشوفة. وعلى وقع الموسيقى، تدبّ الحياة في أغراض السيارة، (المجلّة، حمّالة المفاتيح..) إلى أن يصمت الهاتف محبطاً. كثرة العناصر المتحركة والانفجار اللوني المراد به خلقا صورة كارتونية محببة لأبطال الإعلان، وساهما أكثر في تشتيت نظر المشاهد.

في سبيل الطرافة أيضاً، أكثر صانعو الفيديو من استخدام إطارات التقريب (close ascii117p) على الإكسسوار المتحرّك في السيارة، فحظيت بحصة أكبر من الهاتف، وهو عنصر أساسي في إعلان كهذا. من غير المفهوم أيضاً سبب إسناد البطولة في الإعلان لامرأة، بينما حظي الشباب بدور ثانوي، كأنّ الرجال غير معنيين بقيادة آمنة. ربما كان من الأفضل تنفيذ سلسلة من إعلانات لحملة 'ما تكتب وتسوق'، تأخذ بعين الاعتبار التنوع الاجتماعي من ناحية الجندر والعمر والاهتمامات الموسيقية، ما يضمن استهداف دائرة أوسع من السائقين في لبنان من دون تمييز.

كلّ ما تقدّم، يبقى ثانوياً، أمام الخطأ الفادح الذي وقع فيه صانعو إعلان 'صَوفر وروق'. فبينما انصبّ كل التركيز على فكرة عدم التلهّي بالهاتف أثناء القيادة، اغفل صانعو الإعلان تماماً دور حزام الأمان. فالسائقة لا تضع حزام الأمان نهائياً طيلة الإعلان، حتى أنّ السيارة لا تشمل حزاماً للأمان بالأساس. لا يمكن تبرير ذلك الخطأ الفادح حتى بالعودة لتاريخ استخدام حزام الأمان، إذ انّه لم يصر إلزامياً، إلا في الستينيات من القرن الماضي. لكن إن سلمنا جدلاً بأن ذلك النوع من السيارات في الخمسينيات لم يكن يتضمّن حزاماً للأمان، فما الذي يعلّل وجود هاتف خلوي في تلك الحقبة إذاً؟ هذا عدا عن أن نظر السائقة في الفيديو يحيد عن الطريق عدّة مرات في سبيل خدمة العنصر الدرامي في الإعلان، كما أن رفاقها يرقصون في المقعد الخلفي، بطريقة غير آمنة تماشياً مع إيقاع الأغنية.

من غير المقبول أن يتم تعزيز الصورة الترفيهية لمادة إعلانية مقابل إهمال الهدف الأساسي من الحملة، وهو التحذير من مخاطر التهور في القيادة. لا تشفع الرؤية الفنية لصانعي الإعلان ولا لجمعية 'يازا' تحديداً، فلا شيء ينقذ إعلاناً تحذيرياً من هفوات مماثلة، حتى بعد تذييله بعبارة 'تمّ تصوير هذا الإعلان بالكامل في استوديو والرجاء التقيد بقوانين السير'.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد