صحيفة السفير ـ غسان ريفي
تنتظر طرابلس نتائج التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية في شأن ملابسات إحراق مكتبة السائح، ومن ثم توقيف المتورطين بفارغ الصبر، لا سيما أن ما ستكشفه هذه التحقيقات من شأنه أن يظهر الحقائق في شأن الأسباب الكامنة خلف الاعتداء على هذا الصرح الثقافي، وعمّا إذا كانت طائفية أم عقارية.
وإذا كان إحراق مكتبة الأب إبراهيم سروج قد وحّد المدينة بمسلميها ومسيحييها على الاستنكار والتمسك بصيغة العيش المشترك، فانه أضاء أيضاً على المبنى الأثري الذي تشكل المكتبة قسماً صغيراً منه، وهو يتطلب اليوم موقفاً طرابلسياً موحداً للحفاظ عليه لا يقل عن الموقف الذي صدر تجاه الاعتداء على المكتبة.
واللافت أن وزير الثقافة غابي ليون الذي تفقد مكتبة السائح، أمس، لم يتطرق في تصريحه أو في البيان الصادر عنه إلى المبنى الأثري الذي هو من صلب مسؤوليات وزارته، للمساعدة على استملاكه وإعادة ترميمه حفاظاً على تاريخ طرابلس الذي يندثر شيئاً فشيئا بمؤامرات وفبركات تصب في مصلحة إنشاء الأبنية التجارية الحديثة.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس لجنة الآثار في بلدية طرابلس خالد تدمري لـ«السفير» إن «هذا المبنى يعود إلى العام 1873، وقد أنشأه الأميركيون كمدرسة للبنات، وذلك قبل إنشاء «الجامعة الأميركية في بيروت»، وهو لا يزال أضخم بناء أثري متكاملاً في وسط طرابلس القديمة، ويتميز ببرج كسائر الأبنية التعليمية التي بناها الأميركيون في لبنان.
يضيف تدمري انه «مع انتقال مدرسة الأميركان إلى مكانها الحالي في الزاهرية، تم بيع هذا العقار إلى عائلة صليبا من زغرتا، وتم استئجاره وتحويله إلى مدرسة، وفي «ثورة 1958» استخدمه الدرك كمقر عام لهم، ومن ثم استخدم مجدداً كمدرسة، قبل أن يتعرض للقصف والتصدع خلال المعارك التي شهدتها طرابلس خلال الحرب الأهلية».
ويرى تدمري ان المبنى يتعرض لانهيارات متتالية تساهم فيها الاعتداءات المتكررة عليه، حيث تمت فكفكة الأبواب والنوافد والقناطر وبيعها، لافتاً إلى أنه تقدم باقتراح لاستملاكه وتحويله إلى مقر لاتحاد بلديات الفيحاء قبل سنوات، لكن اقتراحه لم يلق آذانا صاغية. «كما سعينا مع السفارة الأميركية لترميمه لكنها لم تستجب».
ويقترح تدمري في هذا الصدد أمرين: أولاً أن يصار إلى استملاك المبنى وترميمه وتحويله إلى متحف للعلم والعلماء والإفادة من بيئته العامرة بالمكتبات وأهمها مكتبة السائح. وثانياً، إجبار المالك على إعادة ترميمه على أن تؤمن وزارة الثقافة تعويضاً له كون المبنى سجل على لائحة الجرد العام.
ويؤكد تدمري أن هدم المبنى يشكل جريمة كبرى جديدة بحق طرابلس التي شهدت خلال السنوات الماضية هدم أكثر من معلم أثري تاريخي.
وكان ليون والمدير العام لوزارة الثقافة فيصل طالب تفقدا مكتبة السائح، واستقبلهما الأب سروج، واطلعهما على ما آلت إليه المكتبة بعد إحراقها.
وهنأ ليون سروج بالسلامة، معتبراً أن «ما أبداه المجتمع المدني والفاعليات المحلية، من ثقافية واجتماعية وسياسية في طرابلس من تضامن، هو فعل إيمان بدور المدينة الثقافي والذي كانت عليه عبر تاريخها الطويل».
وقدم ليون الى سروج هبة من وزارة الثقافة، قوامها ألف كتاب لدعم المكتبة، كجزء من تعويض ما لحق بها من خسارة لا تقدر بثمن.
وأعقب الزيارة صدور بيان عن وزارة الثقافة أعربت فيه عن استنكارها الشديد وأسفها البالغ لإحراق المكتبة. وجاء في البيان إن «تاريخ طرابلس، مدينة العلم والعلماء، يأبى تشويهه والإساءة إليه بمثل ما حصل مع الأب سروج ومكتبته العامرة، وستبقى طرابلس زاهية بما قدمته للثقافة من إسهامات في مختلف الميادين».