أخبار لبنان » على مواقع التواصل: اللبنانيون يستعيرون مفردات شاشاتهم

بيسان طي
لا داعي كي ينتظر المشاهد حلول المساء ليتابع على الشاشات اللبنانيّة خبر مداهمات الجيش لمخيمات النازحين السوريين في عرسال، في نسخه أو رواياته المختلفة، حيث كلّ نسخة/ رواية تعكس سياسة المحطة التي تبثّها، لا تفاصيل الخبر بحدّ ذاته.
لا داعي للانتظار، فتلك النسخ سبقت الشاشات إلى صفحات المواقع الاجتماعية. هي في &laqascii117o;ستاتوسات" بعضهم تأكيد على أنّ &laqascii117o;الجيش قام بواجبه ضدّ الإرهابيين الذين يأويهم النازحون"، أو أنّ &laqascii117o;النازحين هم أصلاً إرهابيون"، وهي في تعليقات بعضهم الآخر، تأكيد على أنّ &laqascii117o;الجيش ذراع النظام العسكري"، أو حليف &laqascii117o;الممانعين" رجال &laqascii117o;كتائب الأسد"، وهذا الجيش &laqascii117o;يهين كرامات النازحين"، و&laqascii117o;لا وجود للمتطرّفين في المخيّمات". حتّى أنّ بعضهم بثّ شريط فيديو لعدد من المتظاهرين، وعلّق بأنّهم من عرسال، ويردّدون شعار &laqascii117o;الشعب يريد الدولة الإسلاميَّة".
هذه النسخ من قراءة لخبر واحد، احتلّت الصفحات الالكترونيّة خلال دقائق، كما احتلّها في يوم سابق خبر متعلّق بحجز جواز سفر المغنية السورية أصالة، وتم تقديمه على مواقع التواصل الاجتماعي (وليلاً على الشاشات)، وفق قراءات الانقسام اللبناني. وهذان المثالان يتكرَّران بشكل يومي وفق ما يشهده لبنان من أحداث، ينقسم اللبنانيون في رفضها أو تبنيها، تبعاً لأهوائهم السياسية والمذهبية في الأغلب.
لكنَّ البحث في ما نقرأه على مواقع التواصل الاجتماعي، يأخذنا نحو قراءات أبعد من المستوى السياسي الأولي. لا تكمن القضيّة فقط في سطوة الانقسام وتأثيره على الأداء الإعلامي، ما دام القانون الذي أقرّ العام 1997 يمهّد الطريق لتقاسم أمراء الطوائف للفضاء الإعلامي اللبناني. بل يمكن الجزم بأنّ الإعلام المرئي الذي يشكل المرجع المعرفي لنسبة لا يُستهان بها من اللبنانيين، صارت له سطوة تتخطَّى حدود المعرفة الخبرية.
يمكننا أن نعطي مثالاً عما يواجهه عاملون في صناعة الأفلام الوثائقية مثلاً. بالنسبة للجمهور اللبناني، الفيلم الوثائقي ليس سوى ريبورتاج تلفزيوني طويل على غرار ما نشاهده على شاشاتنا، ولا يمكن إقناع المتلقّين بأن ما تقدّمه المحطات اللبنانية، هو محض عمل صحافي لا يمتّ للسينما الوثائقية بصلة. بل أبعد من ذلك، حين يجري معدّ فيلم وثائقي مقابلة مع أي شخص لبناني (سياسي أو فنان أو باحث أو غيرهم)، سيسمع ضيفه يتحدّث بصيغة اللغة التلفزيونيّة، بمفرداته وبالاختصار الذي يردّ الأمور إلى عمومياتها، بجمل نسمعها كلّ يوم وكلّ ساعة على الشاشات.
يمكننا سوق الكثير من الأمثلة حول التأثير التلفزيوني في خطابنا الحياتي واليومي، ولكنّ مواقع التواصل الاجتماعي تبقى المثال الأبرز والأكثر حضوراً. يتفاعل اللبنانيون مع الأحداث التي تجري على أرضهم أولاً، من خلال التعبير عن الرأي أو نشر &laqascii117o;الخبر" على &laqascii117o;تويتر" و&laqascii117o;فايسبوك"، بل الأصح القول إنهم ينشرون الخبر بصيغة رأي وبلا التدقيق فيه، ويقعون في هفوات الإعلام التلفزيوني نفسها، ويكرّرون نشر صور من العراق على أنّها في سوريا (كما فعلت بعض التلفزيونات)، ويتبنّون شائعات يرصدون لها التحليلات كما تفعل محطات تلفزيونيَّة (قضية نفق مخيم برج البراجنة مثالاً)، بل إنّهم يستعيرون مفردات تلفزيونات طوائفهم.
هذه العلاقة العضوية بين التلفزيونات اللبنانية ومشاهديها، هذا التأثر المبالغ فيه من قبل المشاهدين بكل ما ينتجه لهم &laqascii117o;تلفزيونهم"، هو ما يجعل المحطات حرّة في أدائها، تقع في هفوات وأخطاء مهنيَّة من دون أن تقوم إداراتها بمحاسبة المخطئين. ليس فقط لأنّها تعرف أن جمهورها مرتبط بها لأسباب طائفية، بل لأنّها تستشعر التأثير الذي تمارسه على هذا الجمهور، فهي من النوافذ الأساسية للمعرفة لدى اللبنانيين، بعد تراجع مستوى القراءة وارتفاع &laqascii117o;الحواجز" النفسية بين أبناء البلد الواحد، فباتوا يتابعون أخبار بعضهم البعض من خلال تلفزيوناتهم، ويطورون قاموسهم اللغوي والحواري من خلال ما يأتي على ألسنة المذيعين والمراسلين.
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد