فجأة استفاقت نقابة محرري الصحافة اللبنانية من سباتها الطويل. الخطر داهمٌ وواجب الجميع، تحديداً الإعلام، أن يتصدّى له: الدعارة! ولمن لا يعرف فالدعارة، وفق الندوة &laqascii117o;النادرة" التي نظمتها نقابة المحررين أمس، باتت &laqascii117o;تهدد الأمن الاجتماعي وتدمر الأسرة"، ربما أكثر من &laqascii117o;الغلاء" و&laqascii117o;الدين العام" و&laqascii117o;داعش" و&laqascii117o;العنف ضد المرأة"
إيفا الشوفي
تناست نقابة المحررين كل شيء: لا مكان اليوم لقمع الحريات الذي تمارسه السلطة، لا مكان للضغط من أجل تحسين الوضع المعيشي والمطالبة بضمانٍ صحي يشمل الجميع… على الإعلام أن يستنفر، كما تدعوه النقابة، لوقف &laqascii117o;الانحطاط الأخلاقي" المتمثل بالدعارة. لم يتجاوز عدد الحضور الـ 10 أشخاص من ضمنهم النقيب، 5 إعلاميين والأطباء الثلاثة (إيلي كركجي، محمد الشيخلي، رائف رضا) الذين حاضروا في الندوة؛ نعم، فالندوة &laqascii117o;طبية" وهي بعنوان &laqascii117o;الدعارة الجنسية: أسبابها، نتائجها، علاجها".
قد تكون صفة &laqascii117o;طبية" بعيدة كل البعد عمّا قيل في هذه الندوة وسط المغالطات الكبرى التي جرى تداولها. يبدأ الدكتور رائف رضا مداخلته بأن &laqascii117o;الدعارة هي أقدم مهنة في العالم وأخطرها لأنها تهدد الأمن الاجتماعي وتدمر الأسرة". يُكمل أنها - أي الدعارة - &laqascii117o;تنشر الرذيلة وتضرب التعاليم الدينية وتشكل مصدراً للجرائم والأمراض الفتاكة من دون أن ننسى أنها مصدر مالي ضخم للمال الحرام عند البعض". يستحضر الطبيب كلاً من &laqascii117o;عفاف وماريكا اللتين اشتهرتا في مجال الدعارة الشرعية في لبنان في الخمسينيات"، ليؤكّد نظرية المال الحرام! بالطبع لم ينسَ &laqascii117o;فتيات الطريق والأوتوستوب في وضح النهار"، إلاّ أن &laqascii117o;أصوات رجال الدين المسيحيين والمسلمين التي تنادت لوضع حد لهذا الفلتان لا تكفي". أمّا عن أسباب الدعارة، فهي كثيرة منها &laqascii117o;الانحطاط الأخلاقي، قلة الوازع الديني، زنا المحارم، الإعلام الخليع…"، ليحلّ الاتجار بالبشر في المرتبة التاسعة. يمر القوّاد ضمن الندوة مروراً خاطفاً، فهو &laqascii117o;صاحب مصلحة الدعارة، وليس سوياً من الناحية النفسية، ومصاب بشذوذ جنسي يقدّم النساء للدعارة فيرتاح نفسياً وكأنه يشبع رغبته الجنسية".
بعد الانتهاء من الأسباب، ينتقل الجميع إلى النتائج، &laqascii117o;فالدعارة تجلب المال الحرام بسرعة، لكن لها نتائجها السلبية على الداعرة والزبون والمجتمع". لتجنّب هذه النتائج والقضاء على الدعارة - التي نذكّر دائماً بأنها خطر قومي- هناك حلول كثيرة، فلا تخافوا (19 حلاً طُرحت، وهذه عيّنة): &laqascii117o;علاج الشذوذ الجنسي، إزالة أسباب الدعارة عبر عقوبات صارمة وقوانين رادعة، الوازع الديني والرجوع إلى الله عبر رجال الدين". أما أخيراً - والكلام هنا حرفي - &laqascii117o;تزويج القاصرات، وخاصة في ظل فقدان أحد الأبوين، أو في ظل وضع معيشي عائلي خانق"! اطمئنوا، تُختتم الندوة بأنه &laqascii117o;يمكن إصلاح العاهرة الداعرة، لكن يتطلب هذا إحداث مراكز متطورة للعلاج تسمى مراكز علاج ضحايا الجنس".
من المعيب أن تدعو نقابة المحررين إلى ندوة كهذه، وهي تبنّت ما قيل عبر الإشادة بكلام الأطباء. عالجت النقابة هذا الموضوع، الذي وصفته بالـ"تابو"، بطريقة خاطئة ومهينة للإعلاميين والأطباء على السواء، وكان من الأفضل أن تبقى غارقة في سباتها عوض أن تلصق صفتي العلم والطب بندوة كهذه. تعاملت مع الدعارة باعتبارها مرضاً يحتاج إلى علاجٍ طبي! كرّر الجميع أن &laqascii117o;الدعارة هي أقدم مهنة"، من دون أن ينتبهوا إلى أنها أول شكل من أشكال الاستغلال، وبالتالي يجب مكافحة الإتجار بالبشر لا الحرية الجنسية. تركّز الكلام على النساء ليصبّ المجتمع الذكوري كبته على المرأة، داعياً إلى إنزال أشد العقوبات بها، أي بالضحية. نعم &laqascii117o;فالفتاة التي تمضي يومين في المخفر ثم تخرج لا يمكنها أن تمتنع عن الرذيلة"، يقول أحد الأطباء. أمّا القواد الذي يجني الملايين جراء استغلال النساء فلا علاقة له بما يجري. فعلاً، هناك أمور أخطر بكثير على المجتمع والأمن القومي من الدعارة، مثل نقابة محرري الصحافة اللبنانية.
المصدر: صحيفة الاخبار