منير الخطيب
موسيقى ميلادية خلابة من عاصمة الأنوار، تنقلك إلى منزل بالغ الفخامة. مسرح جاهز تقنياً لحوار مباشر. شاشات تلفزيونيّة موزّعة بعناية على الجدران، وعلى الطاولة كومبيوتر لوحي. مربعات ومستطيلات، تتلاءم مع إطارات صور ولوحات معلّقة في أرجاء مسرح الحوار، والقاعة المجاورة له. طاولة مستديرة في الوسط بين كرسيين جلديين بنيين مع قوائم بنية أغمق قليلاً، تتناسب مع لون الستائر الذهبي المتدرج بين فاتح وغامق في القاعتين. يكسر اعتدال الألوان ثريا سوداء ضخمة، خارجة تماماً عن سياق التصميم المتواضع الأحجام، على الرغم من ترفه الواضح.
مسرح شبه مثالي للتصوير، سقف عال ومساحات جاهزة ترتاح إليها عدسة الكاميرا، وتتيح لقطات متنوعة تكسر إطار الحوار بين شخصين، خصوصاً أنّ الإضاءة كانت هادئة وكاشفة في الوقت ذاته، وتفادت الكاميرا أيّ ظلال تعكّر المشهد. بدا وجه المقدّم والضيف أشد بروزاً وأقلّ لمعاناً، حتى شَعرُ دولة الرئيس السابق لم يشاغب ببريقه على العدسة المتنقلة بين اللونين الأحمر والأبيض المتماثلين بين ربطة عنق سعد الحريري وقميصه والعلم اللبناني المزروع خلفه.
اللقاء المنتظر مع سعد الحريري، أُعدّ بشكل ممتاز. لقطات واسعة من الخارج تضيق في الداخل، وقبل جلوس دولة الرئيس السابق إلى طاولة مرسال غانم، أخذنا المقدّم، إلى لقاء، عبر &laqascii117o;سكايب"، جرى بين الحريري وأركان فريقه الاقتصادي: ذروة مبكّرة للحوار التلفزيوني. أحمد الحريري يقدّم عرضاً لهبة العشرين مليون دولار المخصّصة لدعم طرابلس، على أن يدفع جزء من المبلغ لترميم ألف منزل متضرّر جراء الأحداث الأخيرة. يردّ سعد الحريري: ارفع العدد إلى ألفين. لم يتمكن أحمد الحريري من إخفاء دهشته مع علمه المسبق أنّ اللقاء مصوّر. تعهد أن يلتزم &laqascii117o;توجيهات" ابن خاله، والشروع بالتحضير لدراسة وافية. صاحب شركة &laqascii117o;أوجيه" الأكبر من نوعها في مجال البناء، يرفض الدراسات، يريد الإعمار فوراً، &laqascii117o;أهلنا عانوا كثيراً، والحفاظ على الاعتدال بالحفاظ على الكرامات". كرامة بلا دراسةّ!
بعد المدخل الإنساني لأهلنا في طرابلس، ومن قبيل اقتران &laqascii117o;القول بالفعل"، بدأ الحوار المنتظر. العناوين المطروحة ساخنة. نجوم السوشِل ميديا متأهبون لبث الرسائل، والتغريدات. المريدون استنفروا أصابعهم لـ"اللايك" و"التفضيل". بدأ العرض، كلّ تغريدة يعاد تغريدها عشرات المرات. العناوين السياسية المطروحة، بالغة الدقة: الحوار مع &laqascii117o;حزب الله"، التمديد، الانتخابات الرئاسية، الهبة السعودية للقوى الأمنية اللبنانية، الانتخابات الرئاسية، الحرب على سوريا، والموقف من إيران.
عناوين تستفز المتكلّمين والجمهور، أتاحت لمرسال غانم ممارسة هوايته المفضلة عبر تمرير كرات سهلة لضيفه، ومغلّفة بالجدية حيناً وبالنكتة أحياناً أخرى، ويستطيع عبرها سعد الحريري أن يطلق مواقفه من قضايا الساعة. الجمهور كان يتوقّع أن يفتح الحوار نوافذ على الآخرين، هذا على الأقلّ ما حملته إلى المشاهدين اللقطات الترويجية التي سبقت عرض الحوار. لكن الحريري ذهب بخلاف التوقعات، لم يفتح أيّ نافذة. كلامه جاء كقاعة الحوار: ستائر كثيرة، مفتوحة على جدران مزيّنة، ليس فيها أيّ نافذة. غريب هذا الأمر في بيت باريسي وسط الحدائق وقرب ضفة السين وبرج إيفل.
الحوار الذي لم يقل فيه الحريري أيّ جديد، رسخ عناوين معروفة: إيران أساس الداء، و"حزب الله" هو العلّة. ومع ذلك هو مستعدّ للحوار معه، و"إن كان من المبكّر الكلام عن لقاء مع السيد حسن نصرالله". وبناء على نصيحة الهام فريحة سيتأنى دولة الرئيس في الحوار المذكور وسيأخذ حذره. وردّاً على تمريرة مباشرة من مرسال غانم، كرّر مقولة: &laqascii117o;حزب الله" جلب الحرب السوريَّة إلى لبنان، و"إلا كيف ينعم الأردن وتركيا بهدوء كبير على الرغم من ملايين اللاجئين السوريين". وهذا الكلام كلّه في مصلحة تنفيس الاحتقان السني ــ الشيعي!
التمريرات الغانمية استنفدت مفعولها ولم يخرج من سعد الحريري طوال الساعتين أيّ جديد، نجح بألّا يقول شيئاً، حوار بمثابة صمت، خرقه رصاص بعض المبتهجين بإطلالته، طبعاً الرصاص المهدور يبقى أقلّ من الذي يهدر عند إطلالة السيد، ولهذا ربما بدا كموسيقى رتيبة مرافقة للحوار.
الحديث بين الضيف والمقّدم الصديقين اللذين أغرقا مواقع التواصل بصور سيلفي دار حول كلمة اعتدال. سعد الحريري هو الاعتدال بنظر مضيفه، وهو يريد القضاء على &laqascii117o;داعش" وبشار الأسد غير الموجود بنظره. مهمّة ينيطها الحريري باعتداله. والولايات المتحدة والأطلسي يظهران تواضعاً أكبر عند التصدي للمهمتين المذكورتين. اعتدال يلغي خمسة مرشحين موارنة للرئاسة: كميشال عون وسمير جعجع وسليمان فرنجية وأمين الجميل وبطرس حرب، علماً أن بكركي رشّحتهم. طبعاً هنا لم يفطن مرسال غانم للاعتدال الفائق، ممّنناً نفسه بالحصول على اسم مرشّح سادس. الطريق للتعبير عن الاعتدال مرّرها الحريري وغانم ببثّ لقطات ترويجيةّ بين الفواصل الإعلانيّة لمشروع موسيقي عن الترانيم في كنائس وسط بيروت.
وعلى عادة حواراتهما السابقة، قبيل نهاية الحلقة &laqascii117o;المتخمة بالإعلانات التي جابت فلوس للمحطة"، تقترب الكاميرا من سعد الحريري، تتغيّر نبرة صوته في خطاب عاطفي إلى اللبنانيين المغتربين والشباب &laqascii117o;هم الأمل ولأجلهم" يعمل من باريس والرياض، وربما يعود عما قريب إلى بيروت. ولا ينتهي الحوار إلا بدمعة، تخرج بشكل عفوي، لاقتراب مرور الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري.
أيهما أسوأ: مقدم لا يسأل شيئاً؟ أم رئيس حكومة شاب، يُمثل ركناً من ثلاثة أركان يقوم عليها البلد، ولا يقول شيئاً؟ ساعتان من الصمت الكامل في &laqascii117o;كلام الناس".
المصدر: صحيفة السفير