بيروت - دانا مهاجري
لم يعد خافياً دور مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير في الرأي العام وفي نشر أفكار الأفراد والمجموعات، حتى أصبحت ركناً أساسياً في الحملات الإعلانية والترويجية والتوعوية وحتى السياسية.
ما شهده العالم العربي من ثورات وانتفاضات أثبت أيضاً دور مواقع التواصل في الحشد للتظاهرات والاعتصامات والإضرابات، وفي لفت الانتباه إلى حقوق الناس ومطالبهم وقضاياهم، ومكّنت الشعوب المنتفضة من إيصال صوتها إلى العالم من دون الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية التي هي غالباً في يد السلطة.
في لبنان، كما في معظم الدول العربية، هناك تركيز دائم على تلميع صورة الأجهزة الأمنية والعسكرية وتجميلها حتى القداسة، وهناك حملات مستمرة تعمل على ترسيخ عقيدة وطنية زائفة في أذهان اللبنانيين، تختصر بأن حب الوطن لا ينفصل عن حب القوى الأمنية.
لكن الحراك اللبناني أظهر وجهاً آخر للأجهزة الأمنية والعسكرية، صدم الكثير من اللبنانيين، في حين ما زال بعضهم مقتنعاً بالصورة الجميلة التي رسمتها الدعاية، ولا يريد التخلي عنها.
تغريدات قوى الأمن الداخلي ومنشوراتها كشفت أن هذا الوجه القمعيّ لم يعد يقتصر على الشارع، ففي أول يوم من الحراك (22 آب - أغسطس) اكتفت قوى الأمن، عبر حسابها على &laqascii117o;تويتر"، بالإعلان عن 35 إصابة من عناصرها وإصابة &laqascii117o;عدد من المتظاهرين" عند تفريق تظاهرة حاولت دخول المنطقة الأمنية في محيط السراي ومجلس النواب، كما أعلنت أنها أُعطيت أوامر مشـــدّدة بعدم إطلاق النار. لكن الحقيقة على الأرض كانت غير ذلك، ففي هذا اليوم استخدمت القوى الأمنية خراطيم المياه وقنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاص المطاطي والخطاط، وسجل عدد كبير من الإصابات والإغماءات بين المتظاهرين.
وفي اليوم نفسه، عادت قوى الأمن وغرّدت أنها قد أطلقت المحتجزين لديها خلال التظاهرة، بناءً على تعليمات وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق، لكن الحقيقة أن بعضاً من هؤلاء المحــتجزين أطلقوا بعد شهر كامل على احتجازهم.
في اليوم الثاني، اعتمدت قوى الأمن الداخلي في تغريداتها تسمية &laqascii117o;مندسين" للمتظاهرين، واتهمتهم برمي &laqascii117o;زجاجات المولوتوف الحارقة"، وهو الأمر الذي لم يحصل حتى الساعة. كما أعادت نشر كل تغريدات المستخدمين التي دعت القوى الأمنية إلى &laqascii117o;الضرب بيد من حديد" و&laqascii117o;فك رقبة المشاغبين والزعران".
ونشرت مساء اليوم نفسه صور عناصرها المصابين نتيجة رشق الحجارة من قبل المتظاهرين لاستدرار العطف والتضامن، فيما لم تذكر أي شيء عن كل العدد الكبير من المتظاهرين الذين تعرضوا للإغماء والاختناق وأصيبوا بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع، كما لم تذكر الشاب محمد قصير الذي أصابته رصاصة في وجهه وما زال في غيبوبة حتى الآن بسببها.
في 26 آب، استخدمت القوى الأمنية وسيلة أخرى لاستدرار العطف عندما نشرت عبر حسابها مجموعة صور تظهر طفلاً واقفاً وسط مجموعة من عناصر مكافحة الشغب وهو يحمل العصا السوداء الخاصة بهم ويلهو بها، تحت عنوان &laqascii117o;نكافح الشغب لنحميك". بشاعة فكرة أن يحمل الطفل أداة عنفية تكفي لاعتبار هذه الصور مؤذية ولا تلائم الشعار التي نشرت تحته، إضافة إلى أن التظاهرات التي سبقت كان فيها عشرات الأطفال الذين تنشقّوا الغاز وسمعوا أصوات الرصاص من دون أن تأبه قوى الأمن لحمايتهم.
في الأول من أيلول (سبتمبر)، نفّذت مجموعة من حملة &laqascii117o;طلعت ريحتكم" اعتصاماً داخل مبنى وزارة البيئة للمطالبة باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق. رغم سلمية الاعتصام، قرّرت القوى الأمنية فضّه بالقوة وأجبرت وسائل الإعلام على الخروج من المبنى لترغم المعتصمين الذين لم يقدموا على أي عمل عنفيّ على الخروج. في هذه الأثناء كان &laqascii117o;تويتر" قوى الأمن الداخلي يضجّ بتغريدات عن أن عناصرها توزّع المياه على المعتصمين.
تحوّل المندسون إلى &laqascii117o;داعش"، في 15 أيلول، وفق بيان قوى الأمن التي أعلنت توقيف عصابة تنتمي إلى &laqascii117o;داعش"، كانت تخطّط لتفجيرات تستهدف مراكز وآليات وعناصر الجيش اللبناني والقوى الأمنية، وهذه العصابة هي نفسها التي أرسلت &laqascii117o;المندسّين" إلى التظاهرات ليشتموا المسؤولين وليكتبوا عبارات مسيئة ونابية على ضريح الرئيس رفيق الحريري وذلك بهدف إثارة الفتنة والنعرات الطائفية.
في 16 أيلول تمّ الاعتداء على المضربين عن الطعام الذين نصبوا خيم الاعتصام أمام وزارة البيئة للمطالبة باستقالة وزير البيئة، فتعرّضوا للضرب على أيدي مجموعة شبان، في حين كانت عناصر قوى الأمن تنظر من بعيد إلى ما يحصل من دون أي تدخل، وتغرّد: &laqascii117o;قوى الأمن الداخلي تعمل على حماية المضربين عن الطعام وخيمهم وعلى التحقق من هويّات المعتدين وتوقيفهم".
وفي 19 أيلول، أعاد حساب قوى الأمن تغريد صورة لعناصر نسائية من الدرك يقدّمنَ الماء لمتظاهرة، كان قد تمّ قبل وقت قليل من التقاط الصورة ضربها وسحلها على الأرض مع صديقها على أيدي العناصر الأمنية.
المصدر: صحيفة الحياة