فاتن حموي
بدأت جوزفين ديب مسيرتها المهنيّة في الصحافة المكتوبة، ثمّ انضمّت مراسلةً إلى فريق أخبار قناة &laqascii117o;الجديد" في العام 2007. أمضت في القناة عامين صنعت خلالهما خبرة لا بأس بها في العمل الميداني، ثمّ انتقلت إلى &laqascii117o;أو تي في" حيث تواصل عملها كمراسلة، إلى جانب تقديم البرنامج الحواري السياسي الصباحي &laqascii117o;حوار اليوم".
في حديث مع &laqascii117o;السفير" تقول ديب إنّها لم تبتعد بالكامل عن الكتابة الصحافيّة، لكنّها لم تعد تجد الوقت الكافي لذلك، بسبب دوام العمل الطويل في التلفزيون. &laqascii117o;لا أجد متسعاً من الوقت للكتابة، وفي الوقت الحالي ما زلت غير مؤهلة لكتابة التحليل السياسي، وأرى أنّه ينقصني الكثير للوصول إلى هذه المرحلة. العمل في التلفزيون أسهل وأسرع".
في مجال العمل التلفزيوني، تخوض ديب تحديّاً من نوع آخر. &laqascii117o;أريد أن أثبت أنّ لا شيء مستحيلاً. عشت طفولة صعبة بفعل التهجير، وكان أحد أحلامي أن أعمل في التلفزيون، لم أكن متفوّقة في المدرسة، وكان أفراد العائلة يقولون لي عليك أن تنجحي في الدراسة لتحققي حلمك، لكنّني حقّقت حلمي، وأسعى لأترك بصمة مختلفة، من خلال تقديم نموذج مغاير لما نراه عبر الشاشات، لناحية الحضور والمضمون".
كالكثير من العاملات في مجال الإعلام في لبنان والعالم، تجد ديب نفسها دوماً أمام تحدّي إثبات الذات، بعيداً عن التركيز على المظهر الخارجي. &laqascii117o;لا أريد أن ألغي أهمية العنصر الجمالي للصورة التلفزيونيّة، ولكن يجب أن يرى الناس ما هو مختلف عن جمال الشكل، وأعتقد أنني بدأت في تحقيق ما أصبو إليه، إذ أنّ معظم التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على حلقاتي، تكون حول طريقة إدارة الحوار والمضمون، وليس على مظهري. صحيح أنّ هناك تعليقات على شكلي أيضاً، لكنّها لا تزعجني أبداً، بل تسعدني. ما يزعجني هو التركيز على الشكل فقط، من دون الالتفات للمضمون والجهد المقدّم على صعيد الأسئلة". تضيف: &laqascii117o;أحبّ كوني جميلة، هو شعور أنثوي، ولست ضد عمليات التجميل، ولا ضد الاهتمام بالمظهر الخارجي، لكن الأساس هو أن يرى الناس ما هو مختلف، أو أن يشاهدوا أبعد من الجمال في عملنا".
على صعيد آخر، لا تفكّر ديب بالتخلّي عن عملها كمراسلة. &laqascii117o;أجد أن معمودية الإعلام المرئي هي في عمل المراسل، ومع احترامي للجميع فإن المحاور لا يصل إلى نضج حقيقي إذا لم يعش ويختبر العمل على الأرض، عملت مراسلة ست سنوات ومستمرة في عملي الذي أراه أساساً لا يمكن الاستغناء عنه في عالم الأخبار السياسية". لكنّ ألا يحدّ ذلك من تطوّرها المهني، خصوصاً أنّ الإعلام اللبناني يعطي لبرامج الحوار السياسي أو لإذاعة الأخبار مساحة أكبر من الأضواء؟ تردّ: &laqascii117o;هناك موضة سائدة في إعلامنا بأن المراسل يتحوّل بعد فترة لمذيع أخبار، برأيي تلك ليست ترقية، بل انتقال إلى عمل مختلف. من جهتي، أجد أن المراسل هو صورة المحطة والنجم الحقيقي، إذ أنّه صانع الخبر والباحث عن الحدث، بينما مذيع الأخبار يكون قارئاً في أكثر الأحيان. لدينا معايير مشوّهة في الإعلام. وهناك خيارات شخصيّة أيضاً، كثيرون مستمرون في عملهم كمراسلين منذ سنوات وآخرون أصبحوا مذيعي أخبار. أرى أنّ مراسلاً قوياً بوجود مذيع عادي يمنح قوة لنشرة الأخبار، أمّا العكس لا يؤثّر على النشرة. مشروعي الدائم هو أن أبقى مراسلة لا أن أكون قارئة، أمّا مشروعي الثاني فهو تقديم حوار غير تقليدي ضمن برنامج مسائي مختلف عمّا يعرض عبر الشاشات".
بعد سنوات في مقعد المحاورة، تقول إنّ تجربة الحوار مملّة في أكثر الأوقات، &laqascii117o;خصوصاً حين تتكرّر المواضيع في ظلّ الاصطفاف السياسي الحالي، لكنّ الوضع يختلف حين أناقش ضيفاً في الإيديولوجيات على سبيل المثال في عمق الخطاب المذهبي وارتباطه بالدين، ومفاهيم &laqascii117o;داعش" وارتباطها بالنص القرآني، علينا التعمّق في المواضيع لا مناقشتها من خلال القشور". تضيف: &laqascii117o;سبق وقلت إنّ واقع الإعلام هو كالورق الملوّن للهدايا، لا يعكس ما يخفى تحته، وما تحته شديد البشاعة، والبعض يلمّع الصورة من خلال الحوار، وأنا أرفض أن أكون ورقة هدية، وهذا ليس سهلاً لا سيما حين يكون الخطاب المذهبي مرتفع النبرة وعالي السقف، وعلينا أن نهرب من التكرار بشتى الطرق لنناقش لب المشاكل ولنبني استمرارية قائمة على النضج والعمق".
تعترف ديب أنّ عالم الإعلام سيء لا بل &laqascii117o;وسخ". لكنّها تجد أنّها كانت محظوظة للقائها بزملاء &laqascii117o;ممتازين"، دفعوها إلى الأمام. &laqascii117o;في مجال الإعلام ألغام كثيرة، وقد يتورّط الصحافيون بمصائب على غفلة منهم، وهناك ظلم في بعض المقارنات. أجهد وأتعب لأؤدي عملي بكل أمانة من دون الغوص في وحول هذه المهنة". تضيف: &laqascii117o;ما زلنا في وسائل إعلامنا نعالج القضايا بطريقة سطحية وسخيفة أحياناً، وذلك بسبب أزمة النظام السياسي والمحاصصة الإعلامية القائمة، ولكن المشكلة أيضاَ هي في الجسم الإعلامي نفسه، فلا يخفيّن على أحد وجود إعلاميين يشوهون هذه المهنة. لعبة التلفزيون خبيثة إذ تلمّع الصورة، وتظلم بشكل ينحرف عن أسس العمل وأخلاقياته ونضالات الكثيرين في هذا المجال".
خلال الفترة الماضية، ومع فتح القنوات اللبنانيّة هواءها لساعات طويلة من أجل تغطية الحراك، سألت ديب نفسها عن السبب، وسألت أيضاً بعض القيّمين في مجال الإعلام. &laqascii117o;اتضح لي أنّ البثّ المباشر في حالات كهذه هو أقلّ كلفة من البرمجة المقرّرة للشاشات، ومعظم القنوات تعيش أزمات مادية". تجد ديب أن نتائج الحراك الشعبي الراهن ستكون جيدة نسبياً، &laqascii117o;على الأقل لناحية تعاطي السلطة السياسية مع الملفات الحياتية، إذ أنّها أدركت أنّ هناك رقابة إلى حد ما على عملها، الأمر الذي يدفعها للتفكير مرتين قبل إقرار أي موضوع يتناول الناس بصورة مباشرة. لا أرى أنّ هذا الحراك سيُسقِط النظام، ولكنّه سيُعرقِل عمل الفساد في ملفات مهمّة مثل النفايات. أهمّ ما في الحــــراك أنّه أوضح صورة مهمّة، عن انّنا كلبنانيين لسنا مجرّد قطعان تساق وفق أهواء البعض".
تقول ديب لـ &laqascii117o;السفير" إنّ أسعد يوم في حياتها المهنيّة سيكون حين تغطي الانتخابات النيابية على أساس النسبية مع اعتماد لبنان دائرة واحدة. وتختم اللقاء بالحديث عن زوجها الصحافي رياض قبيسي قائلةً إنّه يدعم عملها بشكل كبير، ويحفزها على التفكير الإيجابي، والتحلّي بنفس طويل والمضي قدماً. &laqascii117o;صحيح أنّه لا يتابعني بشكل يومي ولا يعرف على سبيل المثال أسماء ضيوفي، لكنّنا نناقش قضايا عدّة وننمّي الحس النقدي المتبادل تجاه عملينا، من دون أن نراقب التفاصيل اليومية في عمل كل منا. يقول لي دائماً الجمهور ليس سخيفاً كما يحلو للبعض التوصيف، والناس تفرّق بين الصح والخطأ".
المصدر: صحيفة السفير