أخبار لبنان » مؤسسة سعادة وجمعية إنماء تستردّان آثاراً فلسطينية


معركة حضارية ضد تزوير الصهاينة للتاريخ

اسكندر حبش

يُروى أن موشي دايان، لم يكن وزير حرب فقط، بل عُرف عنه أيضاً هوايته الكبيرة لجمع الآثار والتحف. بعد سقوط ما تبقى من فلسطين العام 1967، استطاع ومن خلال منصبه &laqascii117o;كحاكم عسكري"، أن يجمع الكثير من القطع الأثرية، عبر عمليات النبش والتنقيب غير الشرعية التي قام بها مستفيداً من الرواية التي كان يُنادي بها الإسرائيليون: &laqascii117o;حقهم التاريخي في فلسطين".
كثيرون من مناطق الـ67 ما زالوا يتذكرون لغاية اليوم نشاط دايان في هذا المجال، الاهتمام بالآثار وما يعكسه ذلك ـ بعيداً عن المنفعة الشخصية ـ على تثبيت الأيديولوجيا الصهيونية، لهذا قام بجمع أعداد كبيرة من هذه الآثارات والمقتنيات، كما اشترى أعداداً أخرى لمصلحة دائرة الآثار الإسرائيلية. بيد أن ثمة قطعاً، لم تدخل في حسابات &laqascii117o;الدولة الإسرائيلية" بل احتفظ بها دايان لنفسه، حتى أنه أهدى البعض منها لأصدقاء في العالم عُرف عنهم دعمهم الكامل لإسرائيل.
تمرّ عقود طويلة على ذاك الزمن. تغير العالم فيه كثيرا، ليُقام في العام 2012 مزاد علني في &laqascii117o;صالة كريستيز" لبيع بعض من هذه القطع التي كان دايان قد وقع عليها بخط يده، وهي قطع أهداها إلى بول وهيلين زوكرمان كما إلى إيرفن برنشتاين. وتشاء الصدف أن يكون هناك في القاعة بعض المتابعين من &laqascii117o;مؤسسة سعادة للثقافة" و &laqascii117o;جمعية إنماء" الذين رصدوا عربية هذه الآثار، ولتبدأ معها رحلة شاقة في الكشف عن ادِّعاءات الإسرائيليين وإثبات أنها قطع أثرية فلسطينية تمت سرقتها. يقول سليمان بختي (الكاتب والناشر وعضو الهيئة الإدارية في مؤسسة سعادة) إن &laqascii117o;المتابعة جاءت على مراحل وبهدوء وحذر حتى لا يؤثر ذلك على عملية إثبات أحقيتنا في هذه الآثارات، وبخاصة أن موضوع الآثار ملف مفتوح منذ عشرات السنين".
من جهته يرى حمدان طه (باحث في الآثار ووكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية السابق) أن هناك عشرات الآلاف من القطع ومن الآثارات تمت سرقتها بعد حرب 67 وبخاصة تلك التي كانت موجودة في الضفة الغربية. ويؤكد بدوره على الدور الذي لعبه موشي دايان في استغلال نفوذه العسكري في التجاره غير المشروع بالقطع الأثرية على الرغم &laqascii117o;من أن القانون الدولي يمنع التنقيب غير المشروع، إلا أن ما حصل هو النموذج الذي يؤكد دور المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في هذه التجارة".
هذا التنقيب غير المشروع، برأي بختي كان له هدف أساسي يكمن في التوظيف الأيديولوجي للآثار لخدمة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي وبالتأكيد كان دايان أحد أركان هذه الأيديولوجيا لتبرير الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.. هي أيضاً محاولة لإعادة كتابة التاريخ، على قول حمدان طه، &laqascii117o;أي إعادة كتابة التاريخ عبر الآثار من أجل خدمة المشروع الاستيطاني الذي يتمثل في رواية أحادية الجانب أي التي تنفي التاريخ الفلسطيني الفعلي".
الآثار المستردة
اليوم وبفضل جهود &laqascii117o;مؤسسة سعادة.." و &laqascii117o;جمعية إنماء"، تحلّ هذه القطع ـ وعددها 39 قطعة ـ في قصر الأونيسكو في بيروت، في معرض يحمل اسم &laqascii117o;الآثار الفلسطينية المستردة" بالتعاون مع وزارة الثقافة في لبنان (مديرية الآثار) لتكشف لنا جانباً آخر من هذا الصراع، كما تكشف أيضاً الحقبات الفلسطينية المختلفة، إذ إن القطع هذه لا تنتمي إلى عصر واحد بل هي تمتد من العصر الحديدي والبرونزي والبيزنطي والفارسي والروماني.. أي بمعنى آخر تكشف عن كل تلك الحقب والحضارات التي مرت على أرض فلسطين.
ويضيف سليمان بختي &laqascii117o;هي معركة حضارية وغير حكومية، أردنا من خلالها أن نفضح التزوير: تزوير التاريخ، إذ إنها تشكل لنا نموذجاً لإعادة كتابة التاريخ". إعادة كتابة التاريخ هو جزء من المعركة مع إسرائيل كما يرى حمدان طه إذ &laqascii117o;تأسست في العام 1994 دائرة الآثار الفلسطينية التي اعتبرت نفسها امتداداً تلقائياً لهيئة الآثار التي تشكلت العام 1921 في ظل الانتداب البريطاني والتي توقفت عن العمل في العام 1948. من هنا أعتقد أن مسألة الاعتراف التاريخي أصعب وأكثر تعقيداً من مسألة الاعتراف السياسي. لقد مررنا خلال عقود في ظروف غير متوازنة، لهذا يكمن جهدنا اليوم في رسم ملامح تاريخ يستند إلى الحقائق الموضوعية لا أن يكون انعكاساً للرواية الصهيونية. أذ نعتبر أن كل ما جرى على أرض فلسطين بمراحله كافة وطبقاته كافة جزء من التاريخ العام لفلسطين".
هذه المكونات الإثنية والدينية والثقافية بما في ذلك المُكوّن اليهودي والمسيحي والإسلامي تبدو واضحة من خلال هذه القطع التي برأي حمدان طه: &laqascii117o;تتصدى لهذه الرواية الأحادية الجانب، إذ تقدم الدلائل الحضارية عن الثقافات المتعددة التي وُجدت على أرض فلسطين".
المعرض الذي ينتهي اليوم (بدأ أول من أمس) سيستعاد لاحقاً في إحدى الصالات البيروتية التي يعلن عنها في حينه، قبل أن يبدأ معرض جوال في بعض الدول العربية. قد يكون اللافت في هذا المعرض، هذا الجهد الاستثنائي الذي رغب في أن يسترجع تاريخاً وآثاراً في وقت تشهد فيه العديد من الدول العربية هجمات شرسة على آثارها التي تُحطَّم وتُهرَّب وتباع إلى الخارج. وربما تجوز الإشارة إلى أن مؤسسة سعادة للثقافة وجمعية إنماء استطاعتا مؤخراً توقيف عملية بيع بالمزاد لقطعة أثرية مهربة من سوريا.
معرض هو أكثر من تاريخ. إنه معرض يحمل كل مستقبلنا، فهل من يسمع؟
المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد