فاطمة سلامة
لم تبدّل السنوات العشر والظروف الاستثنائية التي مرّ بها لبنان من متانة التفاهم الذي وقّعه حزب الله و"التيار الوطني الحر". أعوام على اللقاء الاستثنائي الذي شهدته كنيسة مار مخايل تقاسم خلالها الحزبان السراء والضراء. كُثر حاولوا دق إسفين الخلافات بين "رفقاء الدرب" وحماة المقاومة لكنّ الفشل كان حليفهم. لا حارة حريك نكثت بالعهود ولا الرابية بدّلت مواقفها. بقي السيد صادق الوعد والجنرال صامداً لإيمانه بصوابية التفاهم الإستراتيجي. عشرُ سنوات سمان شهدتها العلاقة الثنائية التي لم ينل منها المصطادون في الماء العكر. كُثر حاولوا التشكيك بها، فبقيت "شوكة" في عيون الحاسدين والهاوين لسياسة "نقل البارودة من كتف الى كتف". العلاقة بين الحزبين أكبر من كل المتربصين كما يؤكّد رئیس تکتل "التغییر والإصلاح" الجنرال ميشال عون في مقابلة مع موقع "العهد" الإخباري. وفق حساباته، الثقة كبيرة جداً بين الطرفين. الشك لا يتسلل عندما نتحدّث عن قائد استثنائي كسماحة السيد. أساساً لا يتصوّر الجنرال هذه الفكرة مطلقاً. الاثنان في شركة واحدة. إنها شركة التضحيات.
وهنا نص المقابلة:
س. كيف تجدون لبنان بعد عشر سنوات على التفاهم بينكم وبين حزب الله؟
لا يمكن أن نرى لبنان بعد عشر سنوات الا من خلال المرحلة التي عاشها. المرحلة لم تكن هينة أبداً. كانت مفعمة بالصعاب. عام ٢٠٠٦ اندلعت حرب تموز وكانت نتيجتها طبعاً الانتصار. وفي قراءة تحليلية عند اندلاع الحرب، ألحّ عليّ السؤال عن الغاية منها لدى الإسرائيليين، فإسرائيل تركت لبنان عام 2000 ولا يمكن أن يكون هدفها بعد ست سنوات العودة إليه، وتوصلت الى الاستنتاج التالي: غاية إسرائيل عام 2006 لم تكن احتلال الارض، وإلا لبقيت فيها، غايتها هي إحداث مشاكل داخلية بين اللبنانيين لضرب المجتمع اللبناني من الداخل، من هنا أصدرنا موقفنا السريع وحذرنا الشعب اللبناني خطر أي خلل في الداخل. وأطلقت النداء الشهير وهو "سنين من الحروب مع الخارج ولا ساعات من حرب في الداخل"، فتنبه اللبنانيون وأطلقنا في اليوم التالي باسم التكتل نداء آخر في نفس المضمون، وبالفعل حدثت موجة وعي للجميع وابتعدوا عن المشاكل وأضحت اهتماماتنا كيف سنؤوي الناس ونساعدهم لتجاوز الظرف الاستثنائي، هذا في مرحلة الحرب.
وفي مرحلة أخرى سابقة، كانت موجة التكفير الخطيرة جدا قد بدأت في العراق في أواخر عام 2005. حينها قاد أبو مصعب الزرقاوي هذه الحركة ضد الشيعة. التكفير يعني السكين، ونحن مجتمع ننفعل أو نتفاعل مع الشرق الاوسط. سلبية هذه المسألة تخلق انفعالات. كان علينا دائماً أن نحاول حتى ولو طلعت الحرارة في لبنان أن لا تندلع النار. بالفعل بعدما قطعت هذه المرحلة، وبدأت اليوم نهايات الحرب في سوريا، أعتقد أننا نجحنا رغم أن الأوضاع الاقتصاية تأثرت كثيراً حتى باتت أزمة خصوصاً خلال السنتين الأخيرتين. استطعنا ان نحافظ على لبنان نسبياً رغم بعض الخسائر التي أتت عبر السيارات المفخخة. الحمد لله الحرب تنتهي ولا زلنا نعالج بقاياها. اكيد المراحل القاسية والتجربة والموقف المنسجم مئة بالمئة مع موقف المقاومة خلق لحمة قوية وكبيرة بين الشيعة والمسيحيين.
س. لماذا لم ينضم الى هذا التحالف أي فريق آخر خاصةً أنكم فتحتم الباب أمام الجميع؟
مع الأسف عندما وضعنا التفاهم على الطاولة في 6 شباط دعونا الجميع لكي يقرأوه ويطلعوا عليه وإضافة التعديلات اذا استلزم الأمر. سعينا الى اتفاق لبناني بين كافة المكونات. ولكن للأسف رفضته الأطراف الأخرى حينها. الامتعاض من التفاهم حدا ببعض المتربصين الى نعته بالاتفاق الشيعي -الماروني ضد السنة في بعض الصحف. حكمَ فوراً أن الغاية منه العدائية، والحقيقة عكس ذلك تماماً، كانت هناك عدة مواضيع لبنانية يمكن أن نتفاهم حولها. وبالفعل، معظم بنود هذا التفاهم طُرحت على طاولة الحوار واتفقنا عليها. بقي هناك بعض القضايا لم ينفذ مثل البند الرابع وهو بناء الدولة والسير باتجاه المواطنة. ليس المهم كيف نفكر اتجاه الآخر، المهم أن يتجاوب الآخر مع تفكيرنا أيضاً ولكنه لم يتجاوب للأسف.
س. ما هي ميزة هذا العام بعد عشر سنوات على الذكرى وفي ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان؟ بمعنى هل نستطيع القول إن أفضل تجليات التفاهم تبلور هذا العام وسنرى ثماره قريباً؟
أكيد هذه العلاقة أقوى من التشكيك، لأنها مرت باختبارات قاسية جداً. خيرت بين الرئاسة وفك الارتباط مع حزب الله. حينها قلت "الوحدة الوطنية أهم من رئاسة الجمهورية"، وهذا الكلام لم يعد سراً. هذا الموضوع بالنسبة لي محسوم. هناك قصايا وطنية تسمو كالوحدة الوطنية، وأمن الوطن كما حصل عام 2006. هذه الامور مرتكزات وطنية لا لعب فيها. أمن الوطن ووحدة الشعب اللبناني. لا يستطيع لأي شخص أن يرى الجنوب يُقصف وهو في مكان آمن. هذا الوطن جسم واحد، إذا ضُرب الشمال يجب أن يتوجع الجنوب وإذا ضرب الجنوب يجب أن يتوجع الشمال وكل المناطق. إما أن نكون مواطنين متضامنين أو أن نكون سكاناً وليس مواطنين.
س. ما هي أهم ثمار هذا التفاهم؟
الأمن من أهم ثمار هذا التفاهم. الوطن يحتاج الى الأمن والاستقلالية وحرية القرار. الأخيرة ليست متوفرة عند البعض،. هم يشعرون بالتزامات مع الآخرين أما نحن فحررتنا من ضغط اسرائيل واميركا التي كانت ضدنا. بقينا صامدين على استقلاليتنا وواقفين لمصلحة وطننا.
الى أي مدى كرّس التفاهم نموذجاً للحوار يحتذى به كأفضل علاقة ثنائية بين حزبين في السياسة اللبنانية؟ تفاهمكم مع القوات يأتي في هذا السياق.
مع الوقت، بدأ بناء الثقة بيننا وبين القوات. أُجريت الاحصاءات مؤخراً وعبّر خلالها 86 % من المسيحيين عن ترحيبهم بهذا التفاهم. أيضا الإحصاء اعطى ارجحية لرئيس الجمهورية العتيد. بما معناه أن هذا النموذج مستحب من جميع اللبنانيين التواقين الى التفاهم، الا طبعاً من يسعى الى السيطرة على الفريق الآخر إذا توافرت له بعض القوى. أعتقد أنّ هذه القوى أصيبت بعجز شامل لدى محاولتها تهميش فئة أخرى.
س. البعض انتقد وصفك للعلاقة التي تجمعك بسماحة السيد بـ " انا والسيد واحد وهناك تكامل وجودي بيننا" معتبرين أنها تفقدك من رصيدك الشعبي. ما ردكم؟
كمواطنين نعم، أنا والسيد واحد. في الايام الصعبة نتصرف أحيانا بنفس الطريقة، حتى دون أن نتكلم مع بعضنا البعض. نؤمن بنفس المضمون حول معاني سيادة الشعب والوطن، وحرية الرأي والموقف. أين العيب فيما أقوله "أنا والسيد واحد"؟
س. ما هي الكلمة التي توجهها للأمين العام لحزب الله سماحة السيد نصر الله في هذه الذكرى؟
كانت ساعة مباركة عندما التقينا، وأمنت أموراً إيجابية جداً للبنانيين. أهم أمر أمنهم وحياتهم في هذه المرحلة الصعبة. نقدّر تضحيات الشباب الذين قاتلوا سواء على الأرض اللبنانية أو الحدود والذين أوقفوا الارهاب، وإن شاء الله قريباً نرى السلام في دول الجوار وشعوبنا.
س. صف لنا سماحة السيد نصرالله
هناك الكثير من الصفات التي يتميّز بها سماحة السيد، نستطيع اختصارها بعبارة "القائد الاستثنائي".
س. ما هي ردة فعلك عندما تسمع عبارات من قبيل أن حزب الله سيتخلى عن العماد عون وأن العلاقة متوترة بين الحزبين؟
لا أعطي أهمية أبداً. هذا الكلام لا يخلق لدي شكاً. هناك ثقة كبيرة جدا بين الحزبين. لا سمح الله أن يحصل ذلك، لا أتصوره أبداً مع سماحة السيد حسن. الاتفاق لم يبنَ على مصلحة بل على تضحيات مشتركة. عندما نقف الى جانب بعضنا البعض خلال الحرب والطائرات تواصل قصفها، ما هي المصلحة؟. هناك مصلحة عامة أكبر من الاثنين، هي مصلحة وطن وشعب. من هنا لا نستطيع تخيل العلاقة ضعيفة. نحن لا نختلف على أمور مادية. لسنا شركة تجارية بل شركة تضحيات.
س. ما هي الكلمة التي توجهها، جنرال، لجمهور المقاومة والتيار الوطني الحر في هذه الذكرى؟
مرت أيام صعبة على الحزبين. والظروف الصعبة جعلتنا نتكاتف وأسست لوحدة وطنية صامدة. لولا التضامن والتعاون وانسجام الحزبين بهدف واحد لما كنا واجهنا الصعوبات وللعب بعض القوى بالرأي العام. لكن لا أحد يستطيع أن يغير قناعاتنا.
س. هل من كلمة توجهونها الى اللبنانيين عموماً والى الأطراف السياسية المختلفة في هذه الذكرى؟
للبنانيين نتمنى أن يفكروا بمصلحة الوطن، والخروج من الصراعات السياسية والتفكير بمصلحة الوطن. لا نستطيع أن نقول نريد مصلحة لبنان وننتخب الفاسدين. لا نستطيع أن نسعى وراء مصلحة لبنان وننتخب المتخاذلين عن مصلحة لبنان، وهذا أضعف الايمان. يجب ان ننسجم مع أنفسنا لنبني وطناً لأن الفقر اذا عم لبنان يعم الجميع ولا يقتصر على طائفة محددة. السلام عندما يعم في الوطن، يعم على الجميع. البرهان على ذلك المثل السيئ الذي نراه في سوريا والذي لم يترك مذهباً دينياً. هذا الخطر الهمجي الذي قتل الجميع. لا يستطيع الانسان الا ان يتضامن مع وطنه من أجل وحدة الوطن والسلام في الوطن واحترام الاخر، وحرية معتقده، وحق الاختلاف الذي يولّد التقدم. لو كنا جميعنا مستنسخين لما كان لدينا تنوع في حداثة الحياة ولكانت طريقة عيشنا متشابهة مع العصر الاول في كل شيء.
وإلى الاطراف السياسيين، أدعو أن يعمَّم نموذج تفاهمنا مع حزب الله. يقال اليوم إننا نتحاور ولكننا "نتخانق". الحوار له أصوله: يبدأ بالإقرار أن هناك مشكلة، والإقرار بأن المشكلة تحتاج حلاً، وتوفر إرداة الحل. هذه الأمور الثلاثة إذا لم توجد لا يطلق على الحوار الشكلي اسم حوار ولا نصل الى حل. البعض يأتي مسبقاً الى الحوار حاملاً قضية يريد ربحها، هذا لا يجوز. من هنا، علينا جمع الافكار للوصول الى حل. السلم للجميع وليس مهماً من اشترك في تعميمه الحل يكون للجميع ولا يعود مهماً من أعطى أكثر ومن أخذ، الوطن كلّه يأخذ. حتى اليوم كل الحوارات التي شاركت فيها تضم مواجهات أكثر من حوارات. هناك اعتقادات مسبقة وهذا مرفوض. على كل فرد منا أن تكون لديه المرونة لسماع الآخر، عندها يصبح الحل مريحا للجميع.
كلمة أخيرة
كل عام وأنتم بألف خير. الحمد لله، وإن شاء الله سيكون هذا التفاهم مثالاً للأجيال القادمة ليفتخروا به عبر التاريخ، ويتعلموا كيف تكاتف هذان الحزبان لإنقاذ الوطن من مشاكله، ويكملوا الطريق باتجاه الخير
المصدر: موقع العهد الإخباري