أخبار لبنان » الحريري يستنهض 14 آذار.. بالقبلات: لهذه الأسباب اخترنا فرنجيّة

لينا فخر الدين

منذ أن بدأ الآتون إلى البيال يأخذون مقاعدهم، والصوت يصدح داخل القاعة: سعد.. سعد.. سعد. ومع ذلك، بدا الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري غير كلّ الأعوام السابقة. المفاجأة الصباحيّة بوصول الشيخ سعد أعطت دفعاً جماهيرياً في الشوارع عبر إقامة حواجز محبة وإطلاق النّار ابتهاجاً، إلا أنّ العدوى لم تنتقل إلى البيال.
كان الحضور هذه المرّة باهتاً وبارداً. القاعة كانت أصغر من ذي قبل وبأقلّ عدد من المشاركين غلبت عليهم الشخصيات السياسيّة والـ«V.I.P». اللّهفة موجودة للرجل الذي يكاد حضوره إلى لبنان يصبح مرتبطاً بإحياء الذكرى السنويّة لوالده، إلا أنّ المعتادين عليها يعلمون أن هناك شيئاً قد تغيّر وأن هناك شيئاً مفقوداً. ومن هنا يمكن قياس المزاج الشعبي لـ «التيّار الأزرق» الذي بدا مختلفاً بالاستقبال والحضور والانفعال.
الشعارات أيضاً كانت غير السنوات السابقة. «الحق معك.. واليوم أكثر» غير مفهوم تماماً كارتباط الموسيقى الأجنبيّة التي يعلو صوتها داخل القاعة بالاحتفال، بالإضافة إلى اللون الأزرق الذي غيّر ملامح الموجودين!
هذه المرّة لم يتكبّد «المستقبل»، الغارق بأزمته الماديّة، عناء الغرق بتفاصيل الاحتفال وشعاراته وموسيقاه. البساطة كانت أفضل من التكلّف.
إلا أن هذه البساطة انسحبت على كلّ ما داخل القاعة. وقلّة من المشاركين قرروا التصفيق وإطلاق الهتافات، وحتى من تمّ تكليفه بهذه المهمّة بدا وكأنّه يفعلها «من غير نفس». فجميع قيادات «14 آذار» عبرت الباب الأمامي بهدوء. معظم الموجودين هنا كان «مستقبلياً قح» ولا يريد أن يهتف إلا لـ «الشيخ سعد».
وحده الياس بوصعب استطاع أن يخترق «الحظر»، فما إن دخل حتى بدأ المشاركون يهللون لمن وصفوه بـ«وزير العطلة». وعلى طريقتهم راح «الكشافة» يصرخون «بكرا عطلة وبكرا عطلة». فرح الوزير الذي يمثّل وزيراً آخر (جبران باسيل) بهذا الاستقبال، وإن لم يكن نال فخر تمثيل رئيس «التكتّل» بل تكفّل زميله إدغار معلوف بذلك، أما النائب سليمان فرنجية، فقد مثّله وزير الثقافة روني عريجي، بينما مثّل تيمور جنبلاط والده النائب وليد جنبلاط..
وما هي إلا دقائق حتى ظهر ظلّ وزير العدل أشرف ريفي. علا صوت التّصفيق داخل القاعة. ظنّ البعض أنّه سعد وإذ به ريفي، إلا أن الهتافات جاءت عكس ما اشتهى «معاليه» بعدما بدأ الحاضرون بالهتاف: «سعد.. سعد.. سعد.. سعد»، حتى همس أحدهم: «هل وصلت الرسالة؟». فكاد الرّجل أن يصل إلى مقعده بخطوة واحدة، تماماً كسمير وستريدا جعجع اللذين بالكاد فرحا للتصفيق الذي لم يدم لأكثر من دقيقة واحدة!
عند الساعة الخامسة، كان النّصاب قد اكتمل, وبضحكته المعهودة، دخل «الشيخ سعد». انتفض الحاضرون. أضواء التلفونات لالتقاط الصور والفيديوهات غطّت على ما عداها. الهتافات بلغت حدّها، واسم سعد على كلّ لسان.
حيّا الرّجل العائد حديثاً إلى بلاده جمهوره، وبدأ بزرع القبل. أكثر من ربع ساعة قضاها الحريري وهو «يبوّس» ضارباً عرض الحائط بـ «توصيات» الوزير وائل أبو فاعور. من استطاع أن يقترب ويقبّل وجه «الشيخ» فعل ما يتمنّى، ومن هو معتاد على تأدية التحيّة العسكريّة لرئيس الحكومة السابق، اكتفى بذلك.
المشهد كان درامياً، وكأنّ الحريري أراد أن يحيي عظام «14 آذار» بالقبل والغمرات. ريفي الذي اتهمه بأنّه مزايد قبل أيّامٍ قليلة، أخذه الحريري بالأحضان. خالد الضّاهر الذي أخرج من كتلة «المستقبل» لم يرض رئيس «التيّار» إلا أن يقترب منه وهو جالس في الصفّ الثاني ليشدّه إلى ناحيته ويطبع على خدّه قبلتين تماماً كما فعل مع زميله الذي يغرّد خارج «السرب الأزرق» معين المرعبي.
أمّا المشهد الدرامي الأهمّ فكان حينما حان وقت العناق بين الرجلين المفترقين: الحريري وسمير جعجع، وقبلة على «ثلاث دفعات» وابتسامات جعلت من الحاضرين يصفقون لـ «الحكيم» كما لم يفعلوا لدى دخوله.
هكذا تجلّى «عيد العشّاق» وإن تفرّقوا، فيما لم يستطع الحريري أن يحمل بيديه «الهدايا» لموظفي مؤسسات «التيّار» التي ينتظرونها.
النشيد الوطني، صوت رفيق الحريري. في هذا الوقت، قرّر جميع المشايخ الانسحاب دفعة واحدة لتأدية صلاة المغرب، حتى أن مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشّعار قرّر الصلاة خلف مفتي الجمهوريّة عبد اللطيف دريان. وحده مفتي البقاع الشيخ خليل الميس أراد الصلاة وحيداً داخل القاعة.
البعض فهم من انسحاب المفتين من القاعة أنّه ليس للصلاة فحسب، بل لعدم إحراجهم كما حصل السنة الماضية بتأدية الأغاني والرقص بالقرب منهم. انتهت الصلاة وعاد المشايخ، ما عدا «سماحته» الذي دخل متأخراً.
كان البرنامج أمس سريعاً، فالهدف هو الصّورة التي التقطها قادة «14 آذار» في نهاية الاحتفال. بالصورة وبالخطاب أراد الحريري أن يحيي العظام وهي رميم.
هكذا، حاول «الشيخ سعد» ترطيب الأجواء، هو الآتي للتوّ لتبرير ترشيح سليمان فرنجيّة. فقد كانت كلمته أشبه برجل «ضُبط بالجرم المشهود»، وهو الآن يبرّر «خيانته الزوجيّة». أكثر من ربع الكلمة قضاها الحريري يبرّر الترشيح وكيف أن الظروف أملت عليه الذّهاب نحو هذا الخيار «لمصلحة لبنان».
كان البعض ينتظر من رئيس «التيّار الأزرق» أن يعلن ترشيح فرنجيّة علنياً أو يتحدّث عن تحالف جديد خارج إطار «8 و14 آذار»، غير أن الحريري لم يفعل بل تقصّد في إطلالته الأولى بعد «لقاء باريس» أن يدافع عن نفسه بأن يقول لشارعه ولشارع «14 آذار»: لهذه الأسباب اخترنا رئيس «المردة».
إذاً، خرج الموقف الرسمي من فم الرئيس سعد الحريري. لم يكتف بالإشارة إلى أن مرشحه هو النائب سليمان فرنجية، بل قطع الطريق ـ عملياً ـ على من ينتظر منه تأييد العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. قال «ما بتركب على قوس قزح أن يقولوا إمّا المستقبل يعلن أن الجنرال عون مرشّحه أو أن الفراغ سيستمرّ، وليست هناك عجلة». وإذ رفض منطق معرفة النتيجة سلفاً، مؤكداً أن المطلوب أن ينزل الجميع إلى المجلس لانتخاب أحد المرشحين الثلاثة أو غيرهم، جازماً أنه لن يستعمل المقاطعة «لأنه ليس حقّي ولا حقّك الدستوري، مقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وفرض الفراغ على رأس البلاد والعباد».
وأكد الحريري أنه «لن نتأخّر عن التضحية عندما تدعونا المصلحة الوطنية، ولكن على الجميع أن يعلم أن للتضحية خطوطاً حمراء، نعرف تماماً كيف نرسمها، ومتى نرسمها وندافع عنها».
لم يغب «حزب الله» عن خطاب الحريري، لكنه لم يذكره بالاسم مطلقاً. اكتفى بـ«توصيفه» واتهامه، مستعيناً بعبارات مثل «ترهيب السلاح»، «مخالفة الدستور»، «الرؤوس الحامية»، «حماية المجرمين»، «تعطيل المؤسسات»، «الاستخفاف بدماء الشهداء»، «تجنيد آلاف الشبان للتورّط في الحرب السورية والتّباهي بتقمّص أدوار الدول العظمى»، «أحزاب تعمل للفتنة» و «لبنان لن يكون ولاية إيرانية» و«لبنان لن يحكم من دمشق أو طهران»..
ولم يوارب الحريري في الإشارة إلى الأزمة التي تعيشها «14 آذار»، لا بل جاهر بها، داعياً إلى إجراء «مراجعات نقدية داخلية، يمكن أن تتولّى الأمانة العامة تحريكها والعمل عليها، لحماية التجربة الاستثنائية في تاريخ لبنان». ولم يمرر الحريري الاحتفال من دون إشارة علنية للأزمة المستمرة مع «القوات اللبنانية»، فرحب بالمصالحة التاريخية، لكنه توجه إلى سمير جعجع بالقول «ليتها حصلت قبل زمن بعيد، كم كنتَ وفّرت على المسيحيين وعلى لبنان!».
اعتبر الرئيس سعد الحريري أنّ زمن الوصاية السورية لم يستطع أن يفبرك أشخاصاً أكبر من لبنان، وزمن الاستقواء الإيراني لن يستطيع أن يصنع قادةً أكبر من لبنان. وكرر الحريري عبارة والده الشهيرة «ما في حدا أكبر من بلده»، ليعلن أن «لا أحد سيتمكّن من السّطو على الجمهورية اللبنانية، لا بترهيب السلاح، ولا بإرهاب التطرف، ولا بمخالفة الدستور، ولا بالأحكام العسكرية الزائفة، ولا بأي وسيلةٍ من وسائل التعطيل والفوضى». أضاف: «لبنان لكل اللبنانيين، لا لفئة، ولا لطائفة، ولا لحزب، ولا لزعيم. هذا ما يجب أن يكون معلوماً لكل الرؤوس الحامية التي تعلق مصير البلاد على مصالحها السياسية والمذهبية».
ورأى الحريري أنه «عندما يجعلون من لبنان ساحةً لفلتان السلاح والفرز الطائفي، ومخالفة القوانين وحماية المجرمين والهاربين من العدالة، سيهون عليهم تعطيل المؤسسات، وتبرير الشغور في رئاسة الجمهورية وإسقاط إعلان بعبدا والاستخفاف بدماء الشهداء وتجنيد آلاف الشبان للتورّط في الحرب السورية، والتّباهي بتقمّص أدوار الدول العظمى».
وأشار إلى أن «هناك من قرّر أن يقاتل في الأماكن الخاطئة وتحت شعاراتٍ خاطئة. وإذا كانت الدولة، ومن خلفها القوى المشاركة في طاولة الحوار، قاصرةً عن وضع حدٍ لهذا الخلل، فإنّ هذا القصور يستدعي رفع مستوى الاعتراض السياسي على إقحام لبنان في الصراعات العسكرية، ومناشدة أهل العقل والحكمة والوطنية في الطائفة الشيعية، المبادرة لتفكيك أخطر الألغام التي تهدد سلامة العيش المشترك». وقال «إن لبنان يدفع يومياً من تقدّمه واستقراره، ضريبة الارتجال السياسي، والاستقواء العسكري، والتذاكي الديبلوماسي، والارتباك الاقتصادي والاجتماعي، والاندفاع غير المسؤول في تعريض مصالح لبنان للخطر، والتحامل على الدول الشقيقة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي التي لم تبادرنا يوماً بأي أذى».
وسأل: «أيّ عقلٍ متهوّر يحرّك هذه السياسات، في مقاربة العلاقات الأخوية؟ هل نحن أمام أحزابٍ تعمل لله، أم أمام أحزابٍ تعمل للفتنة؟ نحن عرب على رأس السطح. ولن نسمح لأحد بجر لبنان الى خانة العداء للسعودية ولأشقائه العرب. لن يكون لبنان تحت أي ظرفٍ من الظروف ولايةً إيرانية. نحن عرب، وعرباً سنبقى».
وتطرق الحريري للمرة الأولى إلى مسألة ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وقال: «كانت لدينا جرأة المبادرة، وتحريك المياه السياسية الراكدة، من منطلق يتجاوز المصالح الخاصة لتيار المستقبل، الى مصلحة لبنان بإنهاء الشغور الرئاسي. مصير رئاسة الجمهورية في يد اللبنانيين. الرئاسة تصنع في لبنان وعلى أيدي اللبنانيين، ونحن من جانبنا، نملك الشجاعة لاتخاذ الموقف، والإعلان بأننا لن نخشى وصول أي شريك في الوطن الى رأس السلطة، ما دام يلتزم اتفاق الطائف وحدود الدستور والقانون، وحماية العيش المشترك، وتقديم المصلحة الوطنية وسلامة لبنان على سلامة المشاريع الإقليمية».
واعتبر أنه بعد تدهور أوضاع البلد نتيجة الفراغ، وجد أن «واجبي الأول والأخير، هو وضع حدّ للفراغ في الرئاسة». وقال إنه «في هذا الوقت، أربعة من الزعماء المسيحيين، اجتمعوا في بكركي، في البطريركية المارونية، التي نكنّ لها كل احترام وتقدير، واتفقوا، في ما بينهم، وبرعاية بكركي، أنه ما من مرشّح مقبول لرئاسة الجمهورية إلا واحد من هؤلاء الأربعة. وبدأنا بمحاولة إنهاء الفراغ بالدكتور سمير جعجع، مرشّحنا ومرشح 14 آذار. نزلنا إلى الجلسة وكل جلسة، 35 مرة، من دون نتيجة، وبقي الفراغ. في هذه الأثناء، طرحت داخل 14 آذار، فكرة أنه إذا لاقى الرئيس أمين الجميل قبولا من قوى 8 آذار أو من أي طرف في 8 آذار، يسحب الدكتور جعجع ترشيحه لمصلحته. هذا الأمر لم يحصل وبقي الفراغ».
وأنكر الحريري أن يكون قد سبق أن رشح العماد ميشال عون أو وعده بتأييده، مشيراً إلى أن «نتيجة الحوار معه كانت تشكيل حكومة جديدة.. لكننا لم نتوصّل لنتيجة بملف رئاسة الجمهورية».
وعليه، أشار إلى أنه «لم يبق من الأربعة إلا الوزير سليمان فرنجية». وشرح أنه «بعد سنة ونصف من الفراغ، وبعدما رفض كل الأطراف، من حلفاء وخصوم، تبنّي مرشح توافقي من خارج الأربعة الذين تعاهدوا في ما بينهم في بكركي، فتحنا حوارا مع الوزير فرنجية. هل رأيتم متى؟ بعدما أقفل كل مجال. التقيت الوزير فرنجية في باريس، وتوصّلنا معه لتفاهم. هذا التفاهم سمعتموه منه كما هو في مقابلته التلفزيونية، كل ما قيل عندي في البيت كما هو، قاله الوزير فرنجية على التلفزيون: الهدف هو إنهاء الفراغ، ووضع حدّ للتدهور، والعمل على تحسين وضع لبنان السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والمعيشي، وحماية النظام والسلم الأهلي».
أضاف: «خطوة خلطت الأوراق؟ نعم. خطوة أرغمت الجميع على إعادة وضع إنهاء الفراغ الرئاسي، الذي كان الجميع قد نسيه، في واجهة المشهد السياسي وعلى رأس الأولويات السياسية بالبلد، نحن فخورون بهذه النتيجة. خطوة أدّت بحلفائنا القوات اللبنانية لأن يتوصلوا بعد 28 سنة، لمصالحة تاريخية مع التيار الوطني الحر، نحن كنّا أوّل الداعين وأكثر المرحبين بهذه المصالحة. خطوة أدّت بالدكتور جعجع أن يقرر الانسحاب من السباق ويعلن الجنرال عون مرشح القوات اللبنانية لرئاسة الجمهورية، هذا من حقه وحق الجنرال عون في نظامنا الديموقراطي ودستورنا».
وتابع: «الآن وصلنا إلى هنا، عظيم. أين المشكلة؟ بات لدينا ثلاثة مرشحين: الوزير فرنجية، الجنرال عون والنائب هنري حلو. ويمكن أن يكون هناك مرشّحون آخرون. لدينا دستور ونظام ديموقراطي يقول: تفضّلوا إلى مجلس النواب. تفضّلوا إلى مجلس النواب وانتخبوا رئيسا، إلا إذا كان مرشحكم الحقيقي هو الفراغ».
وأكد الحريري أنه «كما كل مرّة، من 21 شهرا، من 35 جلسة، سنكون أوّل الحاضرين، ومن ينتخب رئيساً، فسنكون أول المهنئين، وأنا سأكون أول من يقول له مبروك فخامة الرئيس، وأوّل من يقول: مبروك للبنان.. بهذه البساطة. أمّا أن يحمّلونا مسؤولية الفراغ، بعد 21 شهر تعطيل جلسات انتخاب، ويقولوا إمّا المستقبل يعلن أن الجنرال عون مرشّحه أو أن الفراغ سيستمرّ، وليست هناك عجلة؟ إيه هيدي ما بتركب عا قوس قزح، ولا تنطلي على أحد. تقاطعون كل جلسة، وتمنعون النصاب، ولا تقبلون إلا أن تعرفوا النتيجة سلفا، وتريدون تحميلنا نحن المسؤولية؟ ليس حقّي ولا حقّك الدستوري مقاطعة جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وفرض الفراغ على رأس البلاد والعباد. واجبي وواجبك الدستوري، أن ننزل إلى المجلس وننتخب رئيساً ونتخلص من الفراغ. أما أن يغطّوا السموات بالقبوات، ويعطونا دروساً بالوفاء للحلفاء! نعم، الوفاء للحلفاء جميل، لكن ما نفع الوفاء إذا كان على حساب مصلحة لبنان، وإذا كان هدفه استمرار الفراغ؟ الوفاء الأصلي هو الوفاء للبنان».
وعلى خلفية «المناخات غير المستقرة بين قوى 14 آذار» و «تقدم التباينات في وجهات النظر، على الثوابت»، دعا الحريري حلفاءه، «وفي طليعتهم تيار المستقبل، للقيام بمراجعاتٍ نقدية داخلية، يمكن أن تتولّى الأمانة العامة تحريكها والعمل عليها، لتتناول كل جوانب العلاقة بين قوى انتفاضة الاستقلال، بهدف حماية هذه التجربة الاستثنائية في حياة لبنان. مصير لبنان في يدنا نحن، ولبنان سيُحكم من لبنان، ولن يحكم من دمشق أو طهران أو أي مكانٍ آخر».
وأعلن أنه «لن نتأخّر عن التضحية عندما تدعونا المصلحة الوطنية الى التضحية. ولكن على الجميع أن يعلم أن للتضحية خطوطاً حمراء، نعرف تماماً كيف نرسمها، ومتى نرسمها وندافع عنها، في مواجهة المتطاولين على لبنان وعلى كرامة الدولة وسلامتها».

الصحافيون محتجزون في "البيال"!
كلّ شيء منظّم داخل "البيال". وعلى قاعدة "إنت ما تفكّر نحن منفكّر عنّك"، تعامل المنظّمون مع المشاركين في إحياء الذكرى الـ11 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري: موقف السيارة مؤمّن، الانتقال منه عبر سيارات أجرة إلى قاعة الاحتفال كـ"شربة المياه". الأبواب عند مداخل القاعة تدلّ الآتي إلى مقصده: "هنا مدخّل الشخصيات السياسيّة". "هنا المدعوون العاديون". و"هنا الصحافيون". "هنا المخرج".
لا عناء في كلّ ذلك. يبرز الدّاخل بطاقة الدعوة أو بطاقته الصحافيّة ويكون بعد دقائقٍ قليلة في القاعة الرئيسيّة. وحدهم المصوّرون احتجزوا في "غرفة الصّحافة" إلى حين بدء الاحتفال رسمياً. ومع ذلك، بدت الإجراءات المتّخذة مقبولة، مع محاولة المعنيين إفهام المصوّرين أنّ هذا الأمر سيكون لمصلحتهم.
لا فرق في توقيت الدّخول، "المهمّ أن ندخل". ولذلك، كان للجميع ما أراد. وقف الصحافيون والمصوّرون عند أحد المداخل على يسار القاعة. لا كراسي في المكان.  رضي الزملاء بذلك، برغم أنّهم بالكاد يستطيعون رؤية ما يحصل. وعليه بدا واضحاً أنّ لا مكان مخصصاً للصحافيين، وكأن المنظّمين لم يلحظوا أنّ هؤلاء سيتواجدون في "البيال" لتغطية الاحتفال ورؤية "الرئيس المهاجر دوماً" بـ"العين المجرّدة".
وما زاد الطّين بلّة هو اقتراب موعد دخول سعد الحريري. ارتبك القائمون على الأمن، فلم يجدوا أمامهم إلّا الصحافيين، فقرروا أن يحتجزوهم في مكان في آخر القاعة وقريب من مدخل الشخصيات، خلف عوائق حديديّة إلى جانب عشرات المرافقين للشخصيات السياسية الذين احتجزوا في المكان نفسه.
هكذا تحوّل المكان إلى "زريبة" بكلّ ما للكلمة من معنى، فيما تولّت القوة الضاربة أن تتعامل مع من رفض هذا الوضع. العناصر الأمنيّة لا تعرف كلمة "إذا بتريد"، بل بالصراخ والتهجّم أذعن الجميع وتراجعوا إلى الخلف فيما حاول المنظمون أن يتدخّلوا بمنع القوة الضاربة من التهجّم على الصحافيين والمصورين من دون أن ينفع ذلك. فالمهمّ أن تنفّذ الأوامر الأمنيّة بحذافيرها والمهمّ أن يمرّ "الشيخ سعد" من دون أن يطرق كتفه بكتفٍ أياً من المتواجدين. المهمّ أن يرتاح الرّجل وهو يدخل إلى القاعة.
ما عدا غير ذلك، ليس بالأمر الضروري. وهكذا صار التهديد أسهل: "اللي بيرجع لورا ما حدا بدقّ فيه". لم يكمل الأمنيون جملتهم، غير أن الزملاء باتوا يعلمون جيداً جزأها الثاني!
كان الوعد أن يمرّ الحريري ثمّ "يتحرّر" الصحافيون، إلا أنّ ذلك لم يحصل. وحدهم المصورون استطاعوا الخروج كلّ 5 فقط وبناءً على أوامر المنظمين الذين كانوا يرافقوهم للخروج ثم العودة من جديد!
 
المصدر: جريدة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد