دوللي بشعلاني
إذا كان المطلوب من لبنان اليوم التوقيع على وثيقة الوفاء للسعودية، على ما طالب رئيس تيّار المستقبل النائب سعد الحريري، حتى بعد صدور البيان عن مجلس الوزراء الذي أكّد على الإجماع العربي، كما على أهمية الوحدة الوطنية، وعدم تقديم أي شيء آخر عليها، فما الذي يضمن للبنان أن تبقى المملكة وفية له، تسأل مصادر متابعة، لا سيما بعد أن سحبت الهبة العسكرية للجيش التي سبق وأن وعدت بتقديمها له منذ سنوات، من دون أن يحصل على أي دولار منها حتى الآن، لمجرد تطبيق لبنان لسياسة حكومته التي تنص على النأي بالنفس عن صراعات المنطقة؟
صحيح أنّ لبنان لا يعيش ويستمر على المساعدات والهبات من أي جهة أتت، على ما تقول أوساط ديبلوماسية، لكنه لا يريد أن يوتّر علاقاته مع الدول العربية ومن بينها السعودية، وفي الوقت نفسه، لا يمكنه أن يتدخّل في شؤون الدول الأخرى كأن يدين دولة مثل إيران تمثّل مرجعية لشريحة كبيرة من اللبنانيين، الأمر الذي يزعزع الوحدة الوطنية، هذه الوحدة الذي عليه التمسّك بها خصوصاً في المرحلة الحالية التي يجب فيها صونها والحفاظ عليها من أجل بقاء الوطن.
أمّا أن يتمّ إحراج لبنان القائم على التعددية الدينية والطائفية، وهذا ما يُميّزه عن سواه من الدول العربية، والطلب منه الإنحياز الى دولة (وإن كانت عربية) ضد دولة أخرى (غير عربية) فلا يُمكن للحكومة أن تقبل به، على ما شدّدت الأوساط نفسها، إنطلاقاً من حفاظها على عروبة لبنان من جهة، كما على علاقاتها المميزة مع جميع دول العالم (باستثناء إسرائيل بالطبع) من جهة ثانية. وليس من حقّ لبنان بالتالي أن يقول لهذه الدولة ما عليها أن تفعل وما ليس عليها فعله، ما دامت القوانين والمواثيق الدولية هي التي تحكم العلاقات بين الدول.
ولكن بعد أن قرّرت السعودية سحب الهبة أو إيقافها، دعت رعاياها لمغادرة لبنان في خطوة تصعيدية، بدلاً من تفهّم موقف لبنان، وخصوصيته التي تجعله يختلف عن أي دولة عربية أخرى. علماً أنّ رئيس الحكومة الحالية تمام سلام قرّر تشكيل وفد وزاري وزيارة المملكة لشرح موقف الحكومة الفعلي وعدم إمكانية تخطّيه لا سيما في هذا الوقت بالذات الذي يفتقر فيه لبنان الى رئيس للجمهورية.
غير أنّ المواقف السعودية الأخيرة، والتي جارتها فيها الإمارات (كما البحرين ببعضها إذ دعت مواطنيها الى عدم السفر الى لبنان نهائياً)، والتي قد تتطوّر الى سحب سفرائها منه، والطلب من السفراء اللبنانيين لديها العودة الى بلادهم وسوى ذلك من إجراءات ديبلوماسية قد تتخذها، ستخلق حتماً المزيد من البلبلة، على ما رأت الأوساط ذاتها، ليس فقط في صفوف اللبنانيين العاملين في السعودية وسواها من دول الخليج والعكس بالعكس، بل أيضاّ توتّراً كبيراً في العلاقات بين لبنان ودول الخليج هي بغنى عنه.
وما حصل لا يستدعي، بحسب رأيها، مثل هذا التصعيد &laqascii117o;المتأخّر" من قبل دول الخليج، وتتساءل لماذا ترافق عدم التفهّم من قبلها لموقف لبنان مع عودة رئيس &laqascii117o;تيار المستقبل" النائب سعد الحريري الى البلاد؟ علماً أنّ وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل كان سبق وأن لمس تفهٌماً من قبل نظرائه العرب بعد اجتماع القاهرة، وتحدّث عن أنّ الحملة على الموقف اللبناني تحصل من قبل البعض من الداخل اللبناني، وليس من الدول العربية نفسها. فما الذي استجدّ حتى &laqascii117o;قامت قيامة" الدول الخليجية، ولا سيما المملكة على لبنان؟
وتقول الاوساط، إنّه مهما صعّدت هذه الدول، ومهما بلغ السوء الذي قد يلحق بالجاليات اللبنانية فيها ومن خراب بيوت أبنائها، إلا أنّ لبنان لا يمكنه أن يقف مع محور ضد محور آخر في المنطقة، لأنّ مثل هذا الموقف سيجعله يدفع الثمن وحده لا سيما في الداخل اللبناني. كما أنّه بالتالي لم يخطىء لكي يعتذر على مواقفه في المؤتمرات العربية، بدءاً من اجتماع القاهرة مروراً باجتماع منظمة التعاون العربي- الاسلامي وصولاً الى الاجتماع العربي- الهندي في البحرين، والدليل على ذلك هو البيان الأخير الذي أجمعت عليه الحكومة من قبل وزرائها كافة (8 آذار و14 آذار والمستقلّون) والذي يُشكّل نسخة طبق الأصل عن مواقف وزير الخارجية في المؤتمرات العربية.
واللافت أنّ وزراء 14 آذار الذين كانوا يعترضون خارج الحكومة على مواقف الوزير باسيل، وافقوا داخلها على البيان الوزاري الذي التزم بنأي لبنان بنفسه عن الأزمات المجاورة بكلّ ما لها من انعكاسات عليه تؤدّي الى إصابته بمشاكل وانقسامات داخلية. ولم يقيموا الدنيا ولم يقعدوها، على ما كانوا يفعلون خارجها على مدى أكثر من شهر.
من هنا، فإنّ خيار الحكومة هو إعلاء الوحدة الوطنية الداخلية على أي أمر آخر، وهي لن تبدّل ما اتفقت عليه أخيراً مهما حصل، لأنّ هذه الوحدة هي التي تضمن بقاء لبنان وليس أي شيء آخر.
وذكرت الاوساط بأنّ الهبات العربية الموعودة على مدار عقود ماضية، والتي لم تصل الى لبنان، لم تؤخّر أو تقدّم في شيء في ازدهار البلد أو تراجعه، لا سيما وأنّها بقيت حبراً على ورق أو كلاماً في الهواء. وهي بالتالي مقبولة من قبل الحكومة أجاءت من الدول العربية أو الغربية، على أنّها غير مشروطة، ولحاجة الجيش اللبناني الى معدات وأجهزة عسكرية تساعده في معاركه ضد الارهابيين فقط لا غير.
ولكن يبقى السؤال: لماذا رفضت الحكومة البحث في الهبة الايرانية التي كانت جاهزة في طهران لتشحن الى لبنان، وألم تكن تخشى من كونها مشروطة ولهذا أجّلت مناقشة أمرها رغم حاجة الجيش الماسة الى مثل هذه المساعدات؟!
المصدر: جريدة الديار