ربيع بركات
بعد مُقدمة مُطوّلة لرئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام على قناة العربية٬ شكر فيها المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج لـ رعايتها لبنان و تقديمها المعونات له و إنقاذه من الزوال٬ باشر الرئيس سلام بالإجابة عن سؤال المذيعة الذي يستهجن عدم اعتبار الحكومة اللبنانية حزب الله تنظيماً إرهابياً. بتدرّج حذر٬ راح سلام يشرح ظروف لبنان وحكومته٬ ليدعو٬ بعد عشر دقائق بالتمام من توجيه السؤال٬ السيد حسن نصرالله إلى عدم مهاجمة السعودية ودول الخليج.
طبعاً٬ لم يأتِ كلام سلام متطابقاً٬ من حيث النبرة٬ مع التصعيد السعودي اللاحق لوضع الرياض حزب الله على لائحتها الخاصة بالإرهاب. وكان بديهياً أن تصوغ العربية الخبر الخاص بالمقابلة على موقعها بما يتلاءم مع سياسة الحزم السعودي٬ فقالت إن سلام دعا الأمين العام لميليشيات حزب الله حسن نصر الله إلى عدم مهاجمة السعودية ودول الخليج.
في اليوم نفسه (أي بالأمس)، كتب رئيس تحرير جريدة الشرق الأوسط السعودية السابق طارق الحميد مقالة هزئ بها من موقف حركة النهضة التونسية الرافض تصنيف الحزب منظمة إرهابية. أخذ الحميد يفنّد موقف الحركة وزعيمها راشد الغنوشي، الذي كان قد برّر موقف حركته في مقابلة أجرتها معه الصحيفة إياها، قائلاً إنه لا يؤيّد الحكم بصفة مطلقة على سلوك حزب الله، حتى لو كانت مواطن الاختلاف بينهما كثيرة، علماً أن الغنوشي لم يوفّر الحزب من نقده القاسي، لناحية اتهامه بـ الوقوف مع الثورات المضادة في سوريا واليمن.
قبل ذلك بأيام، كتب رئيس التحرير السابق الآخر لـ الشرق الأوسط عبد الرحمن الراشد مقالة دعا فيها إلى الفصل بين لبنان و حزب الله. في مطلع مقالة الفصل، راح الراشد يعدّد الاغتيالات التي نفّذها حزب الله في لبنان، بحسب ما أثبت محققون دوليون. بدأ تعداده بالراحل رفيق الحريري وصولاً إلى اللواء وسام الحسن، مروراً بالنائبين بيار الجميل ووليد عيدو واللواء فرونسوا الحاج وآخرين، علماً أن بعض الجرائم التي ذكرها، بحسب تحقيقات رسمية لبنانية مُعلنة، يُرجّح أن تكون جماعات جهادية وراءها، فيما سائر القضايا ما زالت مُعلّقة. أما مسألة إثبات المحققين الدوليين (يقصد القرار الظني الخاص بـ حزب الله)، فهي معلومة جديدة يفترض أن تُضاف إلى سجلات المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري.
ما ذُكر مجرد نماذج تعكس الأداء الإعلامي السعودي المضاد لـ حزب الله. وهي تصلح في المبدأ لقياس العقلية التي تُدار بها سياسات المملكة في الإقليم. هكذا، تتوقع الرياض من الحكومة اللبنانية أن تمارس دوراً ليست بِوارِدِه ولا هي قادرة على أدائه، وتُسائلُ تونس لخروجها عن إجماع عربي صيغَ على عجل وبدأت سُبحته تكرّ بالعجالة نفسها، وتُعيد كتابة التاريخ في مقالة، أو عبر سياسة إقليمية ارتجالية، وكأن أحداً لا يملك أرشيفاً، أو كتاباً يشرح القانون أو نظريات العلاقات الدولية وتطبيقاتها..
المهم، بمعزل عن كل ما سبق، فإن الرياض على مفترق طرق. أوّلهما ينتظر نتائج التهويل الإسرائيلي الذي يدرس بحذر بالغ احتمالات شن حرب على لبنان، وثانيهما يفتح باب تسويات بانت في الأفق (ولو البعيد) إثر الحديث عن احتمال وقف إطلاق نارٍ في اليمن بعد سوريا. وفي الحالتين ثمة حاجة لرفع الصوت إعلامياً، تمهيداً لحرب مأمولة، أو، كما يُرجّح.. تعويضاً عنها!
المصدر: صحيفة السفير