أخبار لبنان » انتخابات طرابلس: الحريري المحظوظ

ثمة رأي مختلف عن كثير مما قيل في نتائج انتخابات المجلس البلدي لطرابلس الاحد المنصرم، هو ان الرئيس سعد الحريري محظوظ لأنه لم يفز فيها. لم يُعطَ ان يربحها لوفرة الاخطاء والخطايا. مع ذلك لم يكن ــ لو فاز ــ ليربحها

نقولا ناصيف

يُعزى الى الرئيس سعد الحريري كمّ كبير من الاحداث والمصادفات جعلته على الدوام محظوظاً حقاً: اولها ابن الرئيس رفيق الحريري.

ثانيها انه ورث منه جزءاً من ثروته الضخمة. ثالثها انه خلفه في الزعامة السياسية كما في زعامة الطائفة، فألغى او اوشك كما فعل الاب على الغاء كل ما عداه فيها. رابعها انه اضحى بعد اغتيال والده رئيساً لاكبر كتلة نيابية على امتداد الوطن لم يُعطَ اياها الاب في ذروة قوته. خامسها تركة شبكة لا يستهان من العلاقات العربية والدولية جعلته، خلافاً لسواه في الداخل، يُستقبل في القصور الرئاسية في كل حين عندما يكون في الحكم وخارجه. سادسها ترؤسه الحكومة ثمرة الحصيلة كلها تلك.
مع ذلك، فهو محظوظ لأنه خسر انتخابات طرابلس لسبب بسيط، هو انها لن تلحق به ما فعلت انتخابات بيروت، وقد حمل وزر فوز اللائحة التي دعمها، فإذا هو انتصار بطعم الخسارة قاده الى نعت حلفائه في اللائحة بالخيانة، ثم أعادت الاوساط المحيطة به تكرار العبارة بعد انتخابات طرابلس. كذلك كانت انتخابات صيدا التي دان بربحه اياها الى ثلاثة هم رئيس بلديتها محمد السعودي وحليفاه فيها &laqascii117o;الجماعة الاسلامية" وعبدالرحمن البزري. من دونهم كان سيجبه في مسقط العائلة صعوبات لم يعتدها بصفته زعيم السنّة في لبنان في العواصم السنّية الثلاث في البلاد. لم يربح ايضاً في العاصمة الجديدة الصاعدة عرسال، ناهيك بعواصم صغيرة تنمو كالضنية.
لو ربح انتخابات طرابلس كان سيُقال فيه كلام مؤلم: ليس هو المنتصر، بل الرئيس نجيب ميقاتي اولاً، مزيداً اليه النائب محمد الصفدي والباقون بتفاوت اقل. كان سيقال: لولا التحالف مع ميقاتي ما كان في امكان الحريري منفرداً، باسمه واسم تياره، خوض انتخابات المجلس البلدي هناك. اضف ان المرشح لرئاسة البلدية سمّاه ميقاتي. اضف ايضاً ان احداً لم يبصر الماكينة الانتخابية لتيار المستقبل على الارض. لم يسع الحريري ان يفعل في طرابلس ما فعله فيها في كانون الثاني 2011، عندما حرّضها على ميقاتي ــــ عدو الامس ــــ بعد انتزاعه منه رئاسة الحكومة وما وصفه آنذاك بـ&laqascii117o;طعنة في الظهر". ما عنته انتخابات طرابلس على رأس لائحة السبعة انه من دونهم سيبدو ضعيفاً.

بيد ان المشكلة لا تكمن في ان الرئيس السابق للحكومة محظوظ فحسب. بل ما توخى تصويت طرابلس قوله هو الآتي:
1 ــــ بوتيرة اعلى حدة من بيروت التي عنى اقتراعها الضعيف نقمة على الحريري وحلفائه جميعاً، رمى اقتراع طرابلس الى رفضه هو واياهم ايضاً تماماً. ما اظهره اقتراع طرابلس بعد بيروت، وخصوصاً في التحالفات التي اقامها للمرة الاولى مع افرقاء اختلف عميقاً معهم او عارضهم او ناصبهم العداء السياسي كالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية بعد النزاع المستجد وميقاتي واخيراً رفعت عيد، ان الرجل لا يملك سرّ زعامة النائب وليد جنبلاط، القادر على ان يذهب بطائفته الى حيث يشاء، والدوران بها في كل اتجاه من دون يدوخ او تدوخ معه، ولا تنتفض عليه.
2 ــــ خلافاً لكل ما شاع عن توقع وزير العدل المستقيل اشرف ريفي فوزه الكاسح في الساعات الاولى من الاحد، فان ما افضى به في المكالمة الهاتفية التي اجراها به مدير المخابرات كميل ضاهر قرابة الرابعة يستفسر عن مسار الانتخابات، عكس واقعاً مغايراً. قال له ريفي انه يتمنى احداث خرق في اللائحة المنافسة، وفي احسن الاحوال يأمل في &laqascii117o;اثبات وجود". كانت تقارير الجيش تحدثت عن تدفق 3500 مقترع دفعة واحدة عند الخامسة بعد الظهر كي تصب في لائحة الحلفاء السبعة، وتردد انهم جميعاً من الحليف العلوي رفعت عيد. ورغم ان ريفي لم يدّعي انه ألف اللائحة، بل دعمها كونها لائحة المجتمع المدني، الا ان فوزها بأرقام اولى 18 عضواً ثم 22 عضواً قبل ان تمسي 16 عضواً فاجأه تماماً، واتاح له الاستثمار السياسي المحق لهذا الفوز.
3 ــــ في جوانب من مغازي نتائج التصويت ارتبط بريفي اساساً: الضعيف الذي يتألب عليه الحلفاء السبعة ويخوضون معاً علناً معركة كسره، في ما بدا مغالاة في تقدير قوته السياسية الفعلية، واستخفافهم في المقابل بتحريك قواعدهم. بيد ان المهم ايضاً ان ريفي تجرأ على مواجهتهم جميعاً والمضي فيها حتى اللحظات الاخيرة، فإذا اللواء المتقاعد يحصد جائزة الجرأة، مقرونة بعطف شعبي غير مسبوق من بين المقترعين الهزيلي النسبة، منح اللائحة اصوات الفوز.
4 ــــ بالتأكيد من المبكر الحديث عن زعامة ريفي ندّاً للحريري منذ الآن. ولأنه فاز بثلثي مقاعد مجلسها البلدي، من المغالاة حتماً الاعتقاد بأنه سيخلف الحريري وزعماء المدينة جميعاً من جرائها. ما حازه كان اقصى ما يمكنه الوصول اليه في ذلك الاستحقاق، مقدار ما هو ادنى ما يمكن التحالف السباعي بلوغه. الواقع ان المجلس البلدي لطرابلس لم يرسم خطوطاً حمراً بين هؤلاء جميعاً، وقدّر جدّياً احجامهم السياسية الفعلية. بل اكتفى باطلاق انذار علني.
اعطى الاقتراع ريفي حيثية شعبية ليس لأحد التقليل من اهميتها. الا انها ارتكزت على خيارات الحريري ما قبل عام 2011، صار ينطق بها اليوم الوزير المستقيل. كان تصويتاً ضد كل الخيارات الجديدة التي قررها الحريري وآخرها ترشيحه النائب سليمان فرنجيه. لم يكن التصويت لحالة خاصة جديدة يمثلها الوزير المستقيل، بل لخيارات الفريق الذي ينتمي اليه، الا انه تخلى عنها بذهابه في تسويات لا يسهل هضمها. كان تصويتاً سياسياً لا صلة له بشعارات الانماء على وفرة ما قيل فيها. لعل الثمن الذي دفعه المسيحيون والعلويون في استبعادهم عن الفوز، انهم كانوا ضحية &laqascii117o;رصاص طائش" بين لائحتين تقاتلتا بكل الوسائل المتاحة بينهما من اجل ان تكسر احداهما الاخرى.
 
المصدر: صحيفة الأخبار

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد