ساندي الحايك
أثار مشهد الجرافات والآليات التي أقفلت العقار الرقم 4285 في منطقة الرملة البيضاء أمس، مزيلة بعض الأكواخ التي يعتاش منها فقراء في بيروت، ورادمة الدرج الذي يستخدمه المواطنون للولوج إلى الشاطئ، مخاوف لدى سكان بيروت من أن تكون مقدمة لإقفال المسبح الشعبي الوحيد في العاصمة.
وبموازاة تأكيد المدير العام لوزارة النقل عبد الحفيظ القيسي لـ &laqascii117o;السفير" أن &laqascii117o;لا منشآت ستقام فوق أراضي المسبح الشعبي"، مشيراً إلى أن &laqascii117o;تلك المنطقة ستبقى ملكاً للناس وكل ما أثير حول الموضوع مبالغ فيه"، فما حدث، بالنسبة إليه، &laqascii117o;لا يتعدى كونه إزالة لمخالفة واحدة على الشاطئ وهدم الدرج المرتبط بها"، تريثت جمعيات المجتمع المدني المعنية بالحفاظ على الأملاك البحرية والمساحات العامة في اتخاذ موقف بانتظار إصدارها بياناً موحداً اليوم.
في هذا الوقت، علمت &laqascii117o;السفير" أن تعديلاً أساسياً أدخل على الهوية العقارية للعقار 4285 الذي يملكه فهد وهند الحريري، من ورثة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ففيما تقول الإفادة العقارية الخاصة بالعقار نفسه في العام 1998 إنه مصنف ضمن عقارات المنطقة العاشرة في بيروت حيث يمنع البناء عليه بأي شكل من الأشكال وكذلك تأجيره واستثماره كإنشاء منشآت اسمنتية وغيرها، فجأة وعلى حين غفلة من المواطنين، تفاجأ المهتمون بالأملاك البحرية في بيروت بتغيُّر التوصيف العقاري للعقار 4285، لتخلو إفادته من المنع، وبالتالي صار بإمكان مالكيه التصرف به استثمارياً. وهذا يعني، نظراً لوضع آل الحريري المالي والخلافات المستشرية بين الورثة، أن هناك نية على الأرجح لبيعه. وكان آل الحريري قد ضمّوا العقار المذكور للعقارات 4011 و2231 و2233 حيث اعتُبرت ملكية عقارية واحدة بمواصفات استثمارية موحدة، بالإضافة إلى وجود مرسوم لنقل هذه العقارات من القسم الخامس في المنطقة العاشرة لواجهة بيروت إلى القسم السادس المسموح الاستثمار فيه.
وكان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، في إطار الترويج لـ &laqascii117o;لائحة البيارتة" خلال الانتخابات البلدية، أكد أن &laqascii117o;الرملة البيضاء ستبقى ملكاً لأهل بيروت". إلا أن الحريري، في حينه، لم يُعرّف من هم أهل بيروت. هل هم المتمولون اللاهثون لإحكام قبضتهم على الأملاك العامة بغية استثمارها وطرد الفقراء منها، أم هم المواطنون الأصليون المنتمون للحيز العام في مدينتهم ولهم كامل الحق بالاستمتاع به؟
لم يشأ الحريري، ومعه ممثله في المجلس البلدي لبيروت، الفائز بالرئاسة جمال عيتاني، أن تطول فترة انتظار أهل بيروت، فقدموا لهم أمس جواباً. إذ اجتاحت جرّافة شاطئ الرملة البيضاء وعملت على هدم الدرج الذي يستخدمه أبناء المنطقة للولوج الحرّ إلى البحر وجرف الرمل وتحطيم وهدم عدد من الخيم والمظلات الشمسية التي نصبها رواد المنطقة والصيادون على الشاطئ. وذلك بمؤازرة من عناصر قوى الأمن الداخلي وشرطة بلدية بيروت، ما أثار مخافة البعض من سعي &laqascii117o;أصحاب" الأراضي، الذين حصلوا عليها أساساً بطرق عليها الكثير من الملاحظات حول شرعيتها، إلى إنشاء مشاريع استثمارية عليها أو بيعها لاستثمارها، وبالتالي حرمان أهالي بيروت من متنفسهم الوحيد.
ما الذي يحدث في الرملة البيضاء؟
ولفّ الغموض ما حدث أمس في الرملة البيضاء، فيما أكد محافظ بيروت زياد شبيب لـ &laqascii117o;السفير" أنه لم يتخذ قراراً بإقفال المسبح الشعبي، نافياً علمه بما يحدث. في المقابل، تسلحت بلدية بيروت بصمتها، بينما أوضح مصدر &laqascii117o;بلدي" مطلع على الملف لـ &laqascii117o;السفير" أن &laqascii117o;العقار الذي يتم تنظيفه حالياً يقع بين العقارات الثلاثة التي تشكل المسبح الشعبي في الرملة البيضاء ومساحتها حوالي 28 ألف متر مربع، ومشروع &laqascii117o;الإيدن روك"، وتحديداً على زاوية المسبح لناحية الجنوب. وكانت البلدية السابقة قد أصدرت قراراً بإعادة استملاك العقارات بطريقة طرحت تساؤلات عدة حول الكلفة المرتفعة التي لامست الـ120 مليون دولار لعقار من غير المسموح أصلاً البناء عليه وفق القانون. وأشار المصدر عينه إلى أن &laqascii117o;العقار 4285 ملك خاص ويحق لمالكيه، وهم ورثة الرئيس الراحل رفيق الحريري، البناء عليه وإشغاله. وهم يسعون حالياً إلى بيعه".
وأكد المحافظ شبيب أنه رفع في شهر نيسان الماضي كتاباً إلى وزارة الأشغال العامة والنقل للمطالبة &laqascii117o;بإنشاء اللجنة القانونية المعنية بتحديد حدود الأملاك العامة البحرية انطلاقاً من الرملة البيضاء حتى آخر حدود مدينة بيروت، استناداً إلى قانون سنة 1925 الذي وضع آلية تحديدها"، مطالباً بالتحقق من &laqascii117o;كيفية نشوء سندات الملكية والصحائف العينية للعقارات موضوع الشراء وإلى معرفة متى وكيف أصبحت ملكاً خاصاً لأن القانون المذكور لم يعط حقوقاً مكتسبة على الأملاك العامة إلا إذا وجدت قبل تاريخه".
الجمعيات الأهلية تعترض لا تعترض!
ترافق المشهد المستفز على شاطئ الرملة البيضاء مع اعتراضات واسعة سجلها أبناء المنطقة ومن كان حاضراً على الكورنيش، لا سيما أنه يأتي بعد أقل من أسبوع على مباشرة أعمال بناء المستشفى الميداني المصري في الأملاك العامة وسط حرج بيروت، الذي أثار موجة استياء عارمة أيضاً لدى أهالي المنطقة. التقط المارة العديد من الصور لأعمال الهدم والتحطيم على الشاطئ ونشروها على مواقع التواصل الاجتماعي. فيما فضلت الجمعيات الأهلية والمدنية المعنية بمواصلة النضال في سبيل المحافظة على الأملاك العامة، وعلى رأسها شاطئ الرملة البيضاء ودالية الروشة، لاعتبارهما المتنفس الحرّ والأخير لأهالي بيروت، التريّث قبل القيام بأي تحرك والاكتفاء بإصدار بيان غداً (اليوم)، بعدما توقفت الأعمال في المكان.
ويوضح رئيس جمعية &laqascii117o;الخط الأخضر" علي درويش لـ &laqascii117o;السفير" أن &laqascii117o;الأعمال على الشاطئ توقفت بعدما تم هدم عدد من الخيم من دون توجيه إنذار مسبق لأصحابها، لذلك فضلنا خلال الاجتماع الذي حضره ممثلون عن عدد كبير من الجمعيات والمنظمات المعنية، الانتظار للتحقق مما جرى والبحث في إمكانية تسجيل شكوى قانونية".
من جهته، يؤكد رئيس جمعية &laqascii117o;نحن" محمد أيوب أن &laqascii117o;ما حدث على شاطئ الرملة البيضاء هو خرق للقرار الرقم 144 الصادر عن قانون 1925 الذي ينص على الحق بالوصول إلى الموارد الطبيعية بحُرّية وعلى أن الأملاك العمومية لا تباع ولا تشترى ولا تكتسب ملكيتها بمرور الزمن. وبالتالي فرغم تحوّلها إلى أملاك خاصة لا أحد يكتسب سلطة وشرعية وحقوقاً عليها"، مشددا على أن &laqascii117o;لا أحد يقدم على شراء هذه العقارات اليوم لو لم يكن واثقاً من قدرته على استثمارها".
أما &laqascii117o;حركة الشعب" فأصدرت بياناً أكدت فيه أن &laqascii117o;ما يجري هو انتهاك لكل القوانين التي تحفظ حقوق المواطنين بالأملاك العامة البحرية وغيرها"، محمّلةً &laqascii117o;السلطة السياسية المتمثلة ببلدية بيروت المسؤولية الكاملة عن هذه السرقة التي يجب التصدي لها بكل الوسائل القانونية والشعبية المتاحة".
ودعت &laqascii117o;الحركة" كل القوى السياسية والشعبية والأهلية إلى &laqascii117o;التلاقي السريع والتنسيق في ما بينها لمواجهة هذا الاعتداء الممنهج على شاطئ الرملة البيضاء".
المصدر: صحيفة السفير