ابتسام شديد
يتطلع اللبنانيون سياسيون ورأي عام دائماً الى زيارات المسؤولين الفرنسيين اما بسسب تلك العلاقة الخاصة والروابط مع الفرنسيين التي تعود الى حقبات تاريخية واما لأن جزءاً من المكون اللبناني وخصوصاً المسيحي يتطلع دائماً الى دور معين لفرنسا التي يعتبرها جزءاً من هذا المكون &laqascii117o;الام الحنون". في هذا السياق اتت زيارة جان مارك ايرولت التي اعطيت الكثير من التحليلات والتفسيرات واكثر من حجمها الطبيعي في الوسط السياسي ولدى الرأي العام اللبناني ليتضح فيما بعد ان وزير الخارجية الفرنسي عاد الى بلاده كما حضر بدون تحقيق اي اختراق في الملف الرئاسي او حتى بعث اجواء ايجابية وطمأنينة في الموضوع الرئاسي، وحيث تكاد تكون زيارة ايرولت نسخة عن زيارة الرئيس فرنسوا هولاند في نيسان الماضي التي تميزت بانفتاحه وتعاطفه مع مخيمات النازحين وجولاته على تلك المخيمات.
وبحسب ما رشح عن زيارة وزير الخارجية فان القليل من التفاؤل يشمل الموضوع الرئاسي في حين تم التركيز على ملفات اخرى امنية وذات طابع خاص يتعلق بموضوع النفط وتلزيماته، فالواضح ان فرنسا تبحث عن اي دور فقدته على الساحة اللبنانية وهي التي اصبحت خارج التنسيق الروسي والاميركي في سوريا ولم يعد لديها الا الساحة اللبنانية للتحرك فيها، ووفق المعلومات فان موضوع النفط احتل هامشاً من مباحثات وزير الخارجية لجهة اشراك شركة &laqascii117o;توتال" الفرنسية في البلوكات النفطية في الشمال او الجنوب اللبناني الى جانب الموضوع الامني حيث تشكل عودة الفرنسيين الذين شاركوا في الحرب السورية الى جانب تنظيم &laqascii117o;داعش" عبر مطار بيروت عبئاً وهاجساً على الفرنسيين حيث يهتم الجانب الفرنسي للتنسيق مع الاجهزة الامنية في لبنان للاطلاع على بيانات مغادرتهم.
وعلى هامش تلك الزيارة ترى اوساط سياسية ان زيارة الموفدين الى لبنان اوروبيين او فرنسيين غالباً ما لا تحقق اهدافاً محددة او اساسية بل تكون للاطلاع والتمهيد لاجواء معينة في مراحل مقبلة، وفي كل الاحوال فان الدور الفرنسي لـ&laqascii117o;الأم الحنون" مؤخراً يبدو مغيباً، إذ يشعر مسيحيّو الشرق وخصوصاً لبنان بان الاهتمام الفرنسي لم يعد يشبه نفسه في الأزمات السابقة وتبدل كثيراً عن المرحلة الماضية، فالرئاسة الفرنسية انغمست بالحرب على سوريا وفق حساباتها الخاصة ومصالحها الدولية بدون النظر او الالتفات الى تداعيات المشاركة في الحرب السورية على الوجود المسيحي في سوريا ولبنان، وحيث يبدو ان الرئيس هولاند متشدد في قراراته في التعاطي مع الحرب السورية، وحيث ان القيادات السياسية اللبنانية تشكو دائماً بان ثمة غض نظر فرنسي ولا مبالاة في مصير المسيحيين في المشرق المتروكين للمجهول مع تزايد خطر الأصوليات والجماعات التكفيرية، فالعبارة التي تتردد دائماً بان وزارة الخارجية الفرنسية تتمسك بالوجود المسيحي في المشرق لم تعد لها تأثيراتها ومفاعيلها وتبقى مجرد تكرار كلام، ولا يحصل في الواقع اقتران الكلام الفرنسي بالفعل حيال موضوع المسيحيين وحماية المسيحيين في الشرق، وتتذكر القيادات الكلام المنسوب الى الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي عند لقائه البطريرك الراعي عندما طرح عليه فكرة انتقال المسيحيين اللبنانيين والسوريين الى أوروبا، حيث باعتقاد الفرنسيين ان صراع الحضارات في الشرق يجعل الوجود المسيحي صعباً.
الموقف الفرنسي سواء من حقبة ساركوزي او لخلفه هولاند أصاب المسيحيين وفق الأوساط بالخيبة والاحباط، خصوصاً ان المسيحيين في لبنان في مواجهة الخطر الداهم حولهم يتطلعون الى موقعين يؤمنان لهما الدعم والاستمرار هما فرنسا ومن بعدها الفاتيكان، فالدولتان داعمتان عبر الحقبات والتجارب للوجود المسيحي في الشرق. اما اليوم فيبدو ان ثمة تردداً او تناقضاً او ربما تقصيراً من قبل الطرفين. واكثر ما يصدر عن فرنسا هو ابداء الموقف من موضوع النازحين السوريين وتقدير الموقف اللبناني القادر على استيعاب هذا العدد من النازحين والاعباء الاقتصادية والاجتماعية والامنية التي يتكبدها لبنان من جراء ازمة النزوح وقد سجل موقف لافت لفرنسا في هذا المجال في اجتماع الدول الخمس الاعضاء في نيويورك حيث ان لبنان يرغب في الحصول على ضمانات دولية لعدم بقاء النازحين على أراضيه، لأنه غير قادر على تحمل مشاكل إضافية على مشاكله الخاصة، وبات يرزح تحت وطأة هذا الملف.
وتؤكد الأوساط ان فرنسا في حال تخلت عن جزء من ارتباطاتها الخارجية قادرة على مساعدة لبنان من خلال توفير المظلة الدولية له ومساندته على غرار الحقبات الماضية، كما في مد يد العون له في الملف الأمني ومن خلال خبراتها الأمنية والعسكرية، على الأقل بمساعدة القوى والأجهزة الأمنية ومدها بالتجهيزات اللوجستية العسكرية وبالخبرة الفرنسية في ملفات مكافحة الجريمة والقضاء على الإرهاب.
المصدر: جريدة الديار