أدلى الرئيس فؤاد السنيورة بتصريح ليس قليل الاهمية، سارع بعد وقت قصير الى الاعتذار عنه ــــ وليس نفيه ــــ بذريعة سوء فهم مقصده. لم يكن الاعتذار مهماً مقدار الموقف نفسه، ومقدار المصوَّب عليهما فيه. كان اقرب الى &laqascii117o;بق بحصة"
نقولا ناصيف
ليس موقف الرئيس فؤاد السنيورة، بعيد الاعلان عن عدم اكتمال نصاب الجلسة 43 لانتخاب رئيس الجمهورية (8 آب)، البحصة الاولى. قبله، لـ11 سنة خلت في حزيران 2005، قال سعد الحريري ــــ وكان اصبح لتوه نائباً في انتخابات عامذاك ــــ للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كلاماً مماثلاً.
لعلها مفارقة ان الكلام متطابق، بل هو نفسه، ما دلّ ربما على الأب الاول لصاحب الفكرة وليس قائله فحسب. ما قاله الحريري حينذاك ردّده السنيورة البارحة.
في ذلك اللقاء بين نصرالله والحريري الذي قصد حارة حريك، مطلب بدا لنائب بيروت انه من البساطة وسهولة الابتلاع ما يكفي، كي يتوجه به الى الامين العام للحزب.
قبل ايام قليلة، كانت اجريت انتخابات دائرة بعبدا ــــ عاليه منح فيها حزب الله، بتكليف من نصرالله، اصوات ناخبيه في مقاعد بعبدا للائحة ائتلاف تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط وحلفائهما في قوى 14 آذار. فاذا الائتلاف العريض يحوز الغالبية النيابية في البرلمان، بفارق اصوات مقاعد ذلك القضاء، حينما فضّل نصرالله اعطاءها للحريري على اعطائها للرئيس ميشال عون، وكان لا يزال يتوجس منه في ذلك الحين. في تقديره يثبّت بذلك الائتلاف الرباعي لقيادة حكم البلاد، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ثم جلاء الجيش السوري من لبنان عامذاك، وإن آلت الاكثرية النيابية الى الفريق الخصم.
اياماً قليلة على نتائج انتخابات بعبدا ــــ عاليه، جلس الحريري مع نصرالله، في محاولة استكمال التفاوض على المرحلة الجديدة التي تتوخى وضع حكم الدولة بين يدي الفريقين ضمناً. كلاهما يطمئن الآخر: حزب الله بأن لا يستخدم سلاحه ضد الشريك الجديد الذي يتولى بدوره حماية شرعيته، وتيار المستقبل بأن لن يجعل الاكثرية النيابية تثأر من خصومه لاغتيال الحريري الاب.
قال الحريري لنصرالله: اي أحد لرئاسة مجلس النواب (بعد انتخابات 2005) الا نبيه بري. تريد محمد رعد نأتي به رئيساً لمجلس النواب، لكن ليس نبيه بري. ثم اكمل كأنه يقدّم له الحجة المقنعة ويستدر العطف: ما فينا نحملو... تعّب بيّي كتير.
بالتأكيد لم يكن الحريري الوافد حديثاً الى السياسة في لبنان، وكان قبل اقل من شهرين في 20 نيسان 2005، حصل على تفويض من العائلة بقرار من المملكة العربية السعودية وغطائها بأن يتولى هو القيادة السياسية فيها بدلاً من شقيقه بهاء الذي انصرف الى الاعمال والمقاولات... لم يكن الحريري الشاب حينذاك يعرف الكثير في سياسات هذا البلد. لم يكن يعرف بري حتى، ولا خبر علاقة معه. وقد لا يكون صافحه يوماً قبل اغتيال والده، سوى ما يمكن ان يكون قيل له عنه. بل اكثر المجرّبين الى جانبه آنذاك، قبل ان يصير رئيساً لحكومة ما بعد انتخابات 2005، السنيورة، الملمّ بطبيعة علاقة رئيس المجلس بالحريري الاب منذ وصلا معاً الى السلطة تزامناً: بري رئيساً للبرلمان في 20 حزيران 1992 والحريري رئيساً للحكومة في 31 تشرين الاول 1992.
بعدما اصغى نصرالله الى عرض الحريري، اكتفى بالقول: نبيه، ثم نبيه، ثم نبيه... صمت لثوان ثم قال: ثم نبيه.
كان ذلك اشعاراً بختم الحديث، وقد تنبه نصرالله الى فحوى المطلب: مشروع خلاف وفتنة شيعية ــــ شيعية بين الحليفين.
ما قاله السنيورة بعد 11 عاماً هو نفسه، في صيغة رمت الى التصويب على عون، فإذا هي تصوّب مباشرة وعلناً على الهدف نفسه: رعد لا بري رئيساً للمجلس.
لم يكن ثمة رصاص طائش في موقف السنيورة، بل توجيه الاصابع ايضاً الى الرئيس تمام سلام كي يوحي بأنه ليس في المكان المناسب، شأن ما اعتبر بري كذلك، كما لو انهما لا يمثلان الشرعية الشعبية.
قال السنيورة: &laqascii117o;منذ اكثر من عامين قمت بزيارة الصرح البطريركي، ومن هناك ذكرت بوضوح ان مسألة انتخاب رئيس للجمهورية كمسألة انتخاب رئيس للحكومة ورئيس مجلس النواب. رئيس الجمهورية هو القادر على ان يجمع اللبنانيين استنادا الى خبرته وقيادته واحترامه للدستور. الاجدر أن يتولى رئاسة الحكومة النائب سعد الحريري، والاجدر ان يتولى رئاسة مجلس النواب النائب محمد رعد".
لاحقاً لم ينف السنيورة كلامه، بل اعتذر من رئيسي المجلس والحكومة معاً واطراهما. تردد ان الحريري استاء هو الآخر من كلام رئيس كتلته النيابية، وخابر بري. في اعتذاره منهما &laqascii117o;ان كلامي فُسّر او فهم خارج سياقه، وانتهز المناسبة لأعبر عن تقديري ومحبتي الشخصية لهما، وتثميني الرفيع للدور الوطني الكبير الذي يقوم به الرئيس الاخ العزيز نبيه بري والرئيس الاخ العزيز تمام سلام".
كان يمكن القول انها زلة لسان وسوء تعبير لو لم تكن للعبارة جذور جدية تعود الى عام 2005، ولو لم يكن السنيورة آنذاك الاب السياسي للحريري الابن الداخل الى عالم غامض يتحكم به محترفون يبتلعونه. ذلك ما عنته العبارة حينذاك، كما اليوم، بأنها بنت عقل مجرّب.
لم يكن كلام الحريري عام 2005 زلة لسان، بل تعمّد قوله في رحلة تفاوض مع نصرالله على مرحلة ما بعد الغالبية النيابية بين يديه وحلفائه. كذلك لم يكن كلام السنيورة زلة لسان ــــ وهو لم يقل انه كذلك ــــ عندما يكرر الموقف نفسه، وكان الرجل في قلب الحدث عام 2005 كما هو اليوم.
لعل الاعتذار زلة لسان.
المصدر: صحيفة الأخبار