دوللي بشعلاني
تتجه التحالفات بين بعض الدول الإقليمية والكبرى نحو فتح صفحة جديدة في ظلّ استمرار أزمات المنطقة وعدم إيجاد حلول لها وسط الستاتيكو القائم على مختلف الصعد. فقمة بطرسبرغ التي جمعت القيصر الروسي والسلطان التركي والتي تلت الإتفاق النووي بين إيران ومجموعة الخمس زائد واحد، وما قد يحصل أيضاً من تقاربات جديدة، وإن دلّت على شيء، فعلى أنّ الآحادية والتفرّد بالقرارات والسياسات الدولية لا يعطي ثماراً ولا يحلّ أزمات.
ففي الوقت الذي تتبدّل فيه خارطة منطقة الشرق الأوسط، تجد أوساط ديبلوماسية متابعة، أنّ التغيير الحاصل يجب أن يصبّ في مصلحة شعوب المنطقة وتقدّم دولها وازدهارها، وليس أن يعيدها سنوات الى الوراء، الأمر الذي يؤثّر سلباً على الدول الكبرى أيضاً المهتمة بشأنها والداعمة لها. فأن يتفق الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه المرحلة بالذات، التي يدعم فيها الأول بقاء النظام السوري الحالي، فيما يُطالب ويسعى الثاني لإسقاطه، دليل على أنّ كلّ شيء وارد، ولم يعد أي أمر مستحيل.
وتضيف الاوساط بأنّ الرئيس التركي الذي شعر بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة عليه أنّ الولايات المتحدة قد تخلّت عنه كليّاً، لا سيما وأنّها عقدت الإتفاق النووي مع إيران قبل ذلك (وإن كان هذا الأخير يُواجه بعض الإنتقادات من طهران لواشنطن بنقضه أكثر من خمسين مرّة)، قد وجد بأنّ ما يُناسبه اليوم هو إقامة تحالف جديد مع خصمها السياسي.
كذلك فإنّ الإتفاق النووي الذي بدا تحالفاً جديداً لأميركا مع إيران أتى بالتزامن مع الغليان والمعارك الدائرة في بعض دول المنطقة، حمل معه التفاؤل، على ما شدّدت الاوساط، بأنّ أزمات المنطقة ستُحلّ تدريجاً انطلاقاً من التزام طهران، بحسب الإتفاق، بعدم تهديد دول المنطقة، وتحديداً إسرائيل، باستخدام القنبلة النووية ضدّها. الأمر الذي يؤمّن أمنها وأمن دول المنطقة ممّا تعتقده هي والدول الحليفة لها أنّه يُشكّل التهديد الأخطر والأكبر لوجودها.
ولكن فإنّه حتى الآن، وبعد مرور أكثر من سنة وأربعة أشهر على توقيع الإتفاق النووي الإيراني- الغربي، فإنّ أي أزمة لم تُحلّ في دول المنطقة، من اليمن الى العراق وليبيا، فسوريا ولبنان. الأمور بقيت على حالها، على ما لاحظت الاوساط، حتى أنّ بعضها ازداد تفاقماً، وكأنّ هذا الإتفاق كان حبراً على ورق، أنهى فقط حالة الصراع التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة وإيران في الشكلّ.
وبالنسبة للبنان، فإنّ ما انتظره من هذا الإتفاق بدا كثيراً، وإن كان على علم أنّه لن يأتي بحلول سحرية، بل سيقرّب في وجهات النظر بين فريقي 8 و14 آذار فيما يتعلّق بملفات خلافية عدّة، أوّلها رئاسة الجمهورية والقانون الإنتخابي الجديد وصولاً الى الملفات الحياتية والمعيشية ومطالب الإتحادات والعمّال والمواطنين. غير أنّ ما جرى هو تفكّك هذين الفريقين، إذ أصبح الكثيرون يعتقدون بأنّه لم يعد هناك 8 و14 آذار بل أطراف سياسية متنازعة تتفق على ملف وتختلف على آخر.
واللافت هنا، على ما أوضحت الاوساط، أنّ الجانب الإسرائيلي الرافض الأول والأخير لاتفاق الولايات المتحدة مع إيران، قد أقرّ بانّ طهران التزمت ببنوده ولم تقم بنقض أي منها. علماً أنّه أكثر ما كان يخشاه هو أن تقوم بخداع الدول الغربية وتستكمل مشاريعها في تخصيب مادة اليورانيوم وتستخدمها في صناعة الأسلحة النووية، الأمر الذي يُهدّد بقاء إسرائيل في المنطقة خصوصاً إذا ما قرّرت إيران استخدام سلاحها النووي ضدّها.
فبعد أن وقّع رئيس تكتّل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، ورئيس القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع &laqascii117o;إعلان النواياَ"، وكلّ منهما من فريق سياسي خصم، وتبنّى جعجع ترشيح عون للرئاسة، ثمّ رشّح رئيس تيّار المستقبل النائب سعد الحريري رئيس &laqascii117o;تيّار المردة" النائب سليمان فرنجية للرئاسة كذلك، خُلطت الأوراق، على ما أكّدت الاوساط، فبات جعجع يدعم وصول خصمه السياسي المسيحي العماد عون الى قصر بعبدا، ويوافق عِماد تيّار المستقبل على إيصال صديق وحليف خصمه الإقليمي أي الرئيس السوري بشّار الأسد الى رأس السلطة.
هذه الخلطة الغريبة العجيبة التي شهدها لبنان ولا يزال، كادت لتؤدّي الى انتخاب رئيس للجمهورية، على ما ذكرت الأوساط ذاتها، لو أنّها نتجت عن دعم خارجي، واستُكملت بهدف تحقيق مصلحة البلاد، غير أنّ تردّد دول الخارج كان سيّد الموقف، فلو شاءت كلّ من أميركا وروسيا انتخاب الرئيس اللبناني، لكانت رضخت لها كلّ من السعودية وإيران، وبالتالي جرى انتخابه فوراً من قبل حلفائها في الداخل.
أمّا قمة بطرسبرغ فيؤمل منها أن تؤدّي الى توافق بين الجانبين التركي والروسي حول سوريا، لكي لا تكون تركيا عرضة للتقسيم في المستقبل القريب، ومثل هذا التوافق، على ما ترى الاوساط، من الممكن أن ينعكس إيجاباً على الوضع في لبنان الذي يتحمّل تداعيات الأزمة السورية عليه منذ سنوات. وتشرح بأنّه في حال تعاون أردوغان مع بوتين ووافق على إبقاء الأسد، مقابل مساعدة هذا الأخير له للصمود على رأس السلطة، فإنّ لبنان سوف يستفيد من هذا التقارب وخصوصاً إذا ما حمل معه مفتاح الحلّ في سوريا، لا سيما وأنّه بلد ليس فقط &laqascii117o;متعدّد الطوائف"، بل و&laqascii117o;متعدّد التحالفات"، ما يمنحه ميزة الاستفادة من الاتفاقات كافة.
كما أنّ أردوغان سيجدّ حلا لمسألة النازحين السوريين في بلاده، كما في دول الجوار، وقد يحيي اتفاقه مع الدول الأوروبية في هذا الشأن ويبدأ بتنفيذه. غير أنّ إسرائيل لن تكون راضية بالطبع عن التوافق الروسي- التركي وستعتبره يُهدّد وجودها، مثله مثل أي تفاهم أو اتفاق لا يلحظ &laqascii117o;حفظ أمنها".
فكلّ تقارب من الممكن أن يستفيد منه لبنان، على ما عقّبت الاوساط نفسها، خصوصاً إذا ما شمل دول الشرق الأوسط، شرط ألا تحصل أي تسوية على حسابه، ومن دون موافقة المسؤولين السياسيين فيه عليها. كما أنّ حلّ الأزمة السورية من شأنه أن يُفرج دول الجوار لا سيما تلك التي تعاني من مشكلة النازحين السوريين من خلال وجودهم ومتطلّباتهم اليومية والمعيشية، فضلاً عن مشكلة تسلّل الإرهابيين في صفوف هؤلاء النازحين.
المصدر: جريدة الديار