أحمد زين
بعد انقضاء أكثر من سنتين على خلو سدة رئاسة الجمهورية، وتوجيه رئيس المجلس نبيه بري أكثر من 44 دعوة لعقد جلسة انتخاب الرئيس، ما تزال الأكثرية المطلوبة لاكتمال النصاب مستنكفة عن الحضور، &laqascii117o;لأن تغيّب النائب عن حضور الجلسات حق دستوري"، فيما يرى آخرون أن المشاركة في انتخاب رئيس البلاد واجب وطني ملزم دستورياً.
يمكن القول إن التوقف عند هذه الإشكالية واجب وطني أيضاً نظراً لموقع رئيس الجمهورية في الدولة والتداعيات الخطيرة التي نتجت من خلو السدة حتى اليوم، ما يستدعي التوقف عندها بقراءة دستورية.
وفي هذا المجال، يبدو أن المشترع قد ميّز، ولو بصورة غير مباشرة، بين تغيب النائب عن حضور الجلسات العادية والاستثنائية، وجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وذلك في نصوص النظام الداخلي لمجلس النواب.
أما الدستور، فلم يأت على ذكر التغيب، وهذا ما فسره المقاطعون بأن المشترع قد أجاز الغياب وتعطيل الجلسات عندما لم يشر إلى ذلك أو يضع غرماً على المتغيبين.
إلا أن المشترع الدستوري قد أولى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية خصوصية تتميّز بوضوح عن كل جلسات المجلس الأخرى فعمد إلى وصفها في فصل خاص أدرجت فيه المواد 73 و74 و75. فالمادة 73 احتاطت لإمكان حدوث خلو السدة الرئاسية بفعل تعذر انتخاب الرئيس قبل أن تنتهي ولايته، فنصّت على أن يدعو رئيس مجلس النواب لانتخاب الرئيس، قبل شهرين من انتهاء الولاية على الأكثر وشهر على الأقل، وإذا لم يدعُ رئيس المجلس، فإن مجلس النواب يكون ملزماً بالاجتماع وإجراء الانتخاب في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء الولاية.
أما المادة 74، فاحتاطت لإمكان حدوث خلو السدة أثناء استمرار الولاية وقبل المدة المحددة في المادة 73، كأن يُتوفى الرئيس أو يستقيل بعد سنتين من بدء ولايته، فعندها تسقط مفاعيل المادة 73. فلأجل انتخاب الخلف &laqascii117o;يجتمع المجلس فوراً وبحكم القانون، وإذا حصل خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية من دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية".
يتبين من المادتين 73 و74 المشار إليهما سابقاً أن المشترع قد حرّر انتخاب رئيس الجمهورية من كل الأحكام المتعلقة بجلسات الانتخاب، ويتأكد ذلك بـ &laqascii117o;الاجتماع بحكم القانون"، ومن دون دعوة من رئيسه صاحب الحق الحصري بالدعوة بموجب أحكام النظام الداخلي وإجراء انتخاب رئيس الجمهورية من دون تشكيل هيئة مكتب المجلس (الرئيس ونائبه والمفوَّضون وأمينا السر). وهذه الهيئة موجبة لإضفاء القانونية على أعمال المجلس..
وبصرف النظر عن موقع رئيس الجمهورية في النظام السياسي المعتمَد في تركيبة الدولة اللبنانية، يتبين أن المشترع قد عمد إلى تعطيل كل الأسباب والاحتمالات التي يمكن أن تمنع عقد جلسة انتخاب فخامة الرئيس، حتى أنه استنبط حلولاً لملء خلو السدة قد تكون خارجة عن القواعد والأعراف لضمان إجراء عملية الانتخاب ومنع حصول خلو سدة الرئاسة. ولم يَغِب عن باله إلا احتمال واحد لا غير هو أن يعمد نواب الأمة إلى &laqascii117o;الإضراب" عن حضور جلسة انتخاب الرئيس إنْ قبل انتهاء ولايته وإنْ بعد انتهائها، فهل يمكن اعتبار هذا التعطيل في ظل نفاذ المواد الدستورية السابق ذكرها حقاً دستورياً؟
من ضمن المعطيات المعمول بها في تفسير القوانين ومنها الدستور، ما اتفق على تسميته &laqascii117o;نية المشترع". هذا المصطلح يقونن المثل الشعبي القائل &laqascii117o;ما انشاف بالعقل انعرف". ونية المشترع في المواد المتعلقة بخلو سدة رئاسة الجمهورية واضحة يراها العقل قبل أن تراها العين، فكيف يمكن الفصل بين كل ذلك وبين مشاركة النواب في جلسة انتخاب رئيس دولتهم؟
إن المشترع عندما تجرأ حتى على موت الرئيس عندما حاول أن لا تخلو سدة الرئاسة نتيجة ذلك، فقال بالانتخاب فوراً ومن دون الحاجة إلى أي إجراء، هل كان عليه أن يقول بقصاص النواب الذين يتغيّبون عن جلسة الانتخاب؟
ربما كان ذلك أجدى، فالنائب وإن كان يمثل الشعب الذي يستمد منه حصانته إلا أن الحصانة نفسها ليست مطلقة، وفق ما جاء في المادة 40 ـ دستور فهي قابلة للاختراق من بعض الحالات فهل كان على المشترع أن يضيف إليها نصاً يستمده من واقع اليوم لمنع حصوله؟
المصدر: جريدة السفير