عماد مرمل
ليس معروفاً ما إذا كانت "حقنة" الرئيس نبيه بري المضادة لفيروس التعطيل المؤسساتي ستفعل فعلها في الجسم اللبناني المريض، الذي يقيم في غرفة العناية الفائقة منذ أن ابتلي بداء الشغور الرئاسي المزمن قبل ثلاثين شهرا.
هي "حقنة" في مواجهة "الاحتقان". تبدو المعادلة صعبة والنتائج غامضة، خصوصا أن عوارض الأزمة آخذة في الاستفحال والتمدد، في الوقت الضائع، بحيث يبدو السباق غير متكافئ بين الداء المنتشر.. والدواء المفترض الذي لا يزال في طور إجراء التجارب.
حاول رئيس المجلس، عبر خطاب صور المتعدد الأبعاد، تحفيز المتحاورين على تحقيق التسوية الشاملة والصعود الى السلة المتكاملة، ملوحا بـ "الجزرة" حينا ومستخدما "الزجر" حينا آخر، كأنه يعزف على "أكورديون" سياسي.
ترك بري الأبواب الخلفية مفتوحة، وخطوط الرجعة سالكة وآمنة، أمام الذين ذهبوا بعيدا في خياراتهم ورهاناتهم حتى كادوا يلامسون نقطة اللاعودة، لا سيما أن التجارب تثبت أنه لا مفر في لبنان من العودة الحتمية الى منتصف الطريق، مهما طال الفراق واشتد الافتراق.
المهم أن يحصل ذلك بأقل ثمن وأقصر وقت، قبل أن تكبر "فاتورة" التأجيل يوما بعد يوم. وليس أدل على صوابية هذا الهاجس، ما حصل بين جلسة الحوار السابقة وتلك المنتظرة في الخامس من أيلول المقبل، إذ تكدس في تلك "الفترة المائعة" المزيد من "العشب السياسي" اليابس على ضفاف مستنقع الشغور.
حتى الامس القريب، كان جدول الأعمال الداخلي التقليدي يتمحور حول كيفية انتخاب رئيس للجمهورية ووضع قانون الانتخاب وإحياء مجلس النواب وتفعيل العمل الحكومي. فجأة، طرأ بند خلافي من خارج النص، كاد يغطي على ما عداه، حين أصبح وجود الحكومة بحد ذاته مهددا بعد مقاطعة "التيار الوطني الحر" لها، وبالتالي بات انعقاد مجلس الوزراء في جلسة عادية مسألة فيها نظر، ليتدحرج النقاش بين ليلة وضحاها من ميثاقية الرئيس الى ميثاقية الحكومة.
وحتى طاولة الحوار نفسها، تبدو عرضة لرياح سياسية قد تهزها، في ظل المؤشرات المنبعثة من الرابية حول احتمال مقاطعة "التيار الحر" له، ما سيفقدها أحد أركانها، ما يعني أن الحوار المولج بإيجاد تسوية للمأزق الداخلي سيغدو هو الآخر بحاجة الى من ينقذه من مأزقه المحتمل، إذا قرر العماد ميشال عون رفع منسوب احتجاجه ردا على تهميش مطالب تياره.
إنها الأزمات المتناسلة التي لا يمكن وقف تدفقها.. إلا بصدمة أو بصدام يعيدان خلط الاوراق ويمهدان لحل ما. لكن لا شروط الصدمة الايجابية متوافرة حتى الآن في ظل عجز الداخل المترهل وانكفاء الخارج المنشغل بملفات أخرى، ولا احتمال الصدام وارد ـ لحسن الحظ طبعا ـ وسط تهيب الأطراف المحلية منه وعدم حماسة القوى الإقليمية والدولية له بسبب تراجع وظيفة الساحة اللبنانية في الصراع الكبير من جهة، والحرص على أن تبقى خزانا للنازحين السوريين من جهة أخرى.
وإذا كان البعض يربط صعود أو هبوط فرص إنجاز التسوية بما ستؤول اليه حربا اليمن وسوريا في المدى المنظور، فإن خطاب بري في صور تضمن عبارة عابرة للحدود لم يتوقف عندها الكثيرون مع انها تختصر المشكلة والحل، إذ قال: ان الاتفاق بين السعودية وايران يساعد على تذليل العقبات السياسية في لبنان وسوريا.
وحتى ذلك الحين، تعقيد آخر أضيف الى طلاسم الازمة اللبنانية المركبة مع الترويج المتزايد و "الموجه" لفرضية ارتباط الانتخابات الرئاسية بتلك الأميركية، على قاعدة أن المقايضات الإقليمية الحاسمة، التي يُفترض ان يشكل لبنان جزءا منها، ستكون معلقة الى حين اتضاح هوية الرئيس الاميركي الجديد ومعالم استراتيجيته حيال الشرق الاوسط، ما يعني ان الانتظار اللبناني المكلف سيطول أشهرا إضافية وان عدّة التنظير له جاهزة.
المصدر: جريدة السفير