محمود زيات
شكلت الجولة الميدانية التي قامت بها ممثلة الامين العام للامم المتحدة في لبنان سيغريد كاخ، رسالة من نوع خاص، دلّت على انهاء الحظر الدبلوماسي المفروض من قبل الهيئات الدبلوماسبة العاملة في لبنان، سيما الهيئات التي تتبع للامم المتحدة، الجهة الدولية الاعلى التي ترعى شؤون اللاجئين الفلسطينيين منذ عام النكبة 1948.
ولعل ابرز ما حملته الجولة الاممية الى "عاصمة" الشتات الفلسطيني، وان كانت بجعبة فارغة من المساعدات والتقديمات التي انخفضت، مع وصول الافواج الاولى للنازحين السوريين الهاربين من الحرب في سوريا، بعض فتات الوعود التي غرق بها الفلسطينيون على مر العقود السابقة، ويلفت مصدر قيادي فلسطيني..الى ان التراجع الملفت للخدمات التي كانت تقدمها هيئات الامم المتحدة، وفي المقدمة منها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الانروا"، جاء ليزيد من حجم الاعباء المعيشية والحياتية والصحية التي يتكبدها جمهور اللاجئين الفلسطينيين الذين يفوق عددهم النصف مليون لاجىء، وهذ التراجع تمثل ببرامج الاجحاف التي باتت معتمدة في وكالة "الانروا" بعد تغيُّر بوصلة الدول المانحة حتى باتت وجهتها مخيمات وتجمعات النازحين السوريين المنتشرة على امتداد الاراضي اللبنانية.
الفلسطينيون الخارجون للتو من حملة احتجاجية على سياسات تقليص الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية والمعيشية، التي تنتهجها وكالة "الانروا" التي كلفت من الامم المتحدة برعاية اوضاع اللاجئين الفلسطينيين، استقبلوا ممثلة امين عام الامم المتحدة، كـ "مستكشفة"! للاوضاع الحياتية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في اكبر مخيم يحوي كتلة بشرية تفوق المئة ألف شخص، وهي سمعت من الفلسطينيين الذين التقتهم عن هموم ومعاناة سكان المخيم، وان التحركات الاحتجاجية التي جرت، دفعت بالادارة العامة للوكالة في نيويورك الى اعفاء مدير الوكالة في لبنان ماتيوس شمالي من مهامه، في محاولة لامتصاص النقمة الفلسطينية على برامجه التي انعكست سلبا على حياة الفلسطينيين.
وبرأي المصدر القيادي، فان عودة الزيارات التي بدأ يقوم بها دبلوماسيو الدول المانحة والجهات التابعة للامم المتحدة، جاء ليكون مؤشرا على بداية خروج المخيم من دائرة التوتيرات الامنية التي شهدها المخيم منذ اكثر من عام، وبعد "انكفاء" الجماعات الاسلامية المتطرفة التي اُدرجت في خانة المنظمات الارهابية، بعد اكتشاف مدى التنسيق والتواصل بينها وبين تنظيمات ارهابية تقاتل في سوريا والعراق، ومنها "جبهة النصرة وتنظيم داعش، والجدية التي يتعامل بها الجيش اللبناني لجهة التصدي للجماعات الارهابية اينما تواجدت داخل الاراضي اللبنانية وعمليات تسليم مطلوبين للقضاء اللبناني على خلفية اتهامهم بالتورط في احداث يعاقب عليها القانون، والمرونة التي ابدتها الاجهزة الامنية والعسكرية والقضائية اللبنانية في تعاملها مع هذه الملفات، ومنها ملفات لبنانيين من انصار الشيخ الموقوف احمد الاسير الذي يحاكم لدى القضاء العسكري على خلفية تورطه في استهداف الجيش اللبناني في معركة اندلعت في عبرا في حزيران العام 2013، بالتزامن مع اعلان اسلاميين متشددين عن حل تنظيم "تجمع الشباب المسلم" الذي كان انبثق قبل سنوات من تنظيمات ارهابية عُرفت باسم "جند الشام" و"فتح الاسلام"، وهي مجموعات اقامت مربعات امنية لها في عدد من احياء المخيم، وبعد حديث القوى الامنية اللبنانية عن كشف مخطط كانت التنظيمات الارهابية تعده، لتفجير الوضع الامني في المخيم والجوار.
ويشير المصدر نفسه، الى ان الجيش اللبناني وبتعاطيه الايجابي والمرن، اتاح الفرصة للقوى والفصائل الفلسطينية لكي تعمل بجدية استثنائية لاستعادة دورها في حفظ الامن داخل المخيم، على ان تكون المرجعية المخولة من القوى والفصائل وسكان المخيم اصحاب المصلحة الاولى في ابعاد المخيم عن كل انواع التوترات الامنية، بمعالجة اي حادث امني، سواء كان محدودا ام يحمل ابعادا ترتبط بقوى الارهاب، والمعلومات التي نقلتها الاوساط القيادية الفلسطينية تتحدث عن مواقف حازمة وحاسمة لـ "عصبة الانصار الاسلامية"، كانت القوى والفصائل الفلسطينية تنتظرها منذ زمن، تتعلق بكيفية التعامل مع المجموعات المسلحة التي تقيم في مناطق مقفلة، وتعمل وفق اجندات مغلفة بالاسلام، وتأوي مطلوبين لبنانيين هاربين من الجيش اللبناني، وقد تلسمت القوى الفلسطينية جدية من قبل العصبة في التعاطي مع الملف الامني للمخيم، انطلاقا من الحرص على امنه وامن سكانه، وعدم جره الى صراعات تتجاوز خارطة فلسطين، وانه آن الاوان لحماية المخيم من كل الاجندات الخارجة عن اطار القضية الفلسطينية، وتلفت الى ان "عصبة الانصار" التي اتخذت منذ سنوات مسارا تعايشيا مع بقية القوى الفلسطينية واظهرت ايجابية في سلوك مجموعاتها، واقامت منذ سنوات علاقات طيبة مع مسؤولين في مخابرات الجيش اللبناني وعززت ذلك بعلاقة تنسيق ومتابعة مع مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي نجح في تطبيع العلاقة معها لاخراج المخيم من دائرة الانفجار، من خلال تخفيف القيود على مسؤوليها، وهي قيود وُضعت في تسعينيات القرن الماضي، على اثر اغتيال رئيس جمعية المشاريع الخيرية الشيخ نزار الحلبي في بيروت، وقد جرت مبادرات متبادلة بين العصبة والاجهزة الامنية اللبنانية، منها معالجة الملفات الامنية المرتبطة بالعصبة ومنح مسؤوليها حرية التنقل خارج المخيم، وبالفعل، فان مسؤولي العصبة ناشطون في الحياة السياسية الفلسطينية داخل المخيم وخارجه، ويشاركون في الصيغ الجبهوية التي تجمع الفصائل الفلسطينية، وبالتالي، فهم اليوم متحمسون لتخفيف الاعباء الامنية الضاغطة على المخيم وسكانه، من خلال تصفية ملف المجموعات المسلحة الخارجة عن الاجماع الفلسطيني
هل ان مخيم عين الحلوة، دخل مرحلة الخروج من الملفات الامنية؟، وبالتالي عادت انظار المجتمع الدولي المانح لتتوجه اليه!، يجيب المصدر .. لم يعد هناك من هامش داخل المخيم، للتعايش مع تنظيمات وجماعات ارهابية، بل هناك استحالة، والمخيم وسكانه لم يعد بمقدورهم تحمل تبعات الحالات الشاذة التي تبرز من حين لآخر داخل المخيم، كلها جاءت جراء تداعيات ما تتركه الحروب و"الثورات" الدائرة في المنطقة، وبخاصة في سوريا والعراق، مشيرا الى ان اكثر من 20 شابا من المخيم كانوا ضحية هذه الحروب، بعد ان قتلوا في معارك جرت في سوريا والعراق، حين كانوا يقاتلون في صفوف الجماعات الارهابية، ويقول.. ما زاد من تعقيدات الوضع الامني في المخيم، توافد العشرات من الارهابيين المطلوبين للجيش اللبناني، الى المخيم وتحصنهم داخل مربعات امنية خاصة بالجماعات الاسلامية المتطرفة، ومنهم من كان في صفوف المجموعات الارهابية في طرابلس وعكار، ومنهم من كان ضمن المجموعات العسكرية للاسير ولفضل شاكر، علما ان معظم هؤلاء اوقف خارج المخيم، من قبل الاجهزة الامنية اللبنانية وهؤلاء يخضعون للمحاكمة لدى القضاء اللبناني، فيما عدد من المتورطين الفلسطينيين ما زالوا يتحصنون في المخيم، على الرغم من الاجماع الفلسطيني بضرورة الامساك مجددا بالوضع الامني في المخيم من خلال انهاء المربعات الامنية والعودة الى التعايش السلمي بين كافة القوى والفصائل الفلسطينية، التي رفعت من وتيرة التنسيق والمتابعة مع الجيش اللبناني، منذ التسهيلات التي قدمها الجيش للمطلوبين بملفات لا ترتبط باعمال ارهابية مخففة يمكن تسوية اوضاعها، فالفاتورة الامنية التي قد يدفعها جمهور اللاجئين الفلسطينيين باتت تفوق بكثير قدرته على تحملها.
المصدر: جريدة الديار