أخبار لبنان » في مسيرة العلمانيين نحو المواطنة: أحرف الطائفية تطير.. إلى غير رجعة

2679steve_199- صحيفة 'السفير'
يوسف حاج علي

السماء زرقاء. بحر عين المريسة هادئ. الشمس مشرقة. الطفلتان الصغيرتان منشغلتان بقفص الورد الأحمر. تمسّدان على ورداته وتختاران من بينها صاحبات البتلات الأكثر تفتحاً. تصنعان منها باقتين. وتفرحان بباقتيهما.
التجمع الصغير يكبر تباعاً. أفراده ما زالوا يتوافدون. يصرخ الشاب في مكبر الصوت: &laqascii117o;شو طايفتك؟"، فترد عليه الصبية عبر مكبر صوت آخر، وبصوت أعلى من صوته: &laqascii117o;ما خصّك!". فيضحك الحاضرون، ويتحمّسون.
السؤال والجواب الأخيران سيتكرران مراراً طوال مسيرة العلمانيين نحو المواطنة التي تتحضر للانطلاق باتجاه مجلس النواب، على إيقاع يشبه إعلان &laqascii117o;شو بطاريتك؟ ريو فاك" الذي حفظه شباب اليوم في أثناء طفولتهم هنا. السؤال والجواب يتكرران، لكنهما لن يكونا الشعار الوحيد.
على كورنيش البحر، تجمع المشاركون. حضروا من مختلف الأعمار والألوان والأشكال، وإن طغا عليهم جيل الشباب. حجابات وسراويل قصيرة. شبان بحلق في الآذان، وفتيات بشعر قصير. أم وأب وعربة بطفل نائم. صبايا على الدراجات الهوائية. شاب على الـ&laqascii117o;سكوتر". امرأة مسنة بكوب قهوة صباحي. متنزه مع كلبيه. أوروبي أشقر أعجبه المشهد فقرر أن يكون من أبطاله. مراهقتان، الأولى بشعر أرجواني، والثانية بشعر أصفر. أربعيني بثياب الرياضة. باختصار، أناس عاديون قرروا أن يسيروا نحو المواطنة.
الطاولة البلاستيكية البيضاء تحمل شعارات المسيرة. يتوقف الناس عند الطاولة للحصول على الملصقات. شعار من بينها يدعو إلى الزواج المدني بدلاً من الحرب المدنية. تمر من أمام الطاولة مراهقة بلافتة صفراء مرفوعة. اللافتة تقول إن والد الفتاة شيعي وإن والدتها سنية، وتخلص إلى أن ابنتهما &laqascii117o;كائن بنيّة طيبة".
اصطفت اللافتات على طول الرصيف البحري إلى جانب بعضها بعضاً. واحدة لحملة &laqascii117o;جنسيتي حق لي ولأسرتي". ثانية للنادي العلماني في الجامعة الأميركية في بيروت. ثالثة تسأل: &laqascii117o;وحدة وطنية؟؟ هوية لبنانية؟؟ إيه تفضلوا حلوا عن ديني!". ورابعة حرّة: &laqascii117o;كنت عم فكّر بالزواج.. بس طلع ديني!". وخامسة: &laqascii117o;نناضل من أجل برلمان لاطائفي ينتخب على أساس النسبية والدائرة الكبرى". والتوقيع: التجمع الديموقراطي العلماني في لبنان. سائقو السيارات المارة سعداء باللافتات. يتوقفون بالقرب منها، يقرأون ما تحمل، يرفعون أيديهم مهللين، ويتابعون سيرهم في طريقهم.
العلم اللبناني مرفوع على الشاحنة الصغيرة التي تطلق الشعارات. خلفها، يسير الجميع. لا أعلام حزبية أو سواها. ليس للمسيرة لون واحد. ألوانها كثيرة. ألوان جمعيات المثليين حاضرة أيضاً. المناسبة تتسع للجميع ولكل القضايا. حق منح اللبنانية جنسيتها لعائلتها يحتل مساحة كبيرة.. ودعوة للمشاركة في مؤتمر الحملة القانونية والمدنية من أجل إطلاق المناضل جورج إبراهيم عبد الله من السجون الفرنسية.
ناحية الـ&laqascii117o;هارد روك" في عين المريسة، تتكتل المسيرة. أغلب ناسها يعرفون بعضهم بعضاً. العناق والقبلات المتبادلة بين كثيرين يؤكدان هذا الأمر. آلات التصوير المحلية والأجنبية لا تهدأ. تلاحق أصغر التفاصيل. والمسيرة جميلة وناسها حقيقيون. يعبرون عن شعاراتهم من دون تصنع أو تكلف. ليسوا مهتمين بأن يكونوا بالملايين. جاؤوا ليقولوا أن هناك أناساً عاديين، لا يريدون أن يحتسبوا على أي طرف سياسي، لديهم أيضاً حقوقهم. حقوق تتركز على احترام حرية الرأي والمعتقد، والعدالة الاجتماعية، والمساواة بين جميع المواطنين من دون تمييز أو تفضيل. أناس يبحثون عن مجتمع مدني علماني.
صوت الفتاة نفسها يعلو من جديد. تقول إنها تريد أن تذهب إلى المدرسة. تريد أن تتنفس. تريد أن تذهب إلى الطبيب. دائماً سيأتيها السؤال نفسه: &laqascii117o;شو طايفتك؟". لكنها قررت اليوم، أن ترفع صوتها، ملء حنجرتها، لتؤكد رفضها الإجابة على هذا السؤال.
&laqascii117o;هالطوايف، شو حلوين! نسّونا إنو نحن لبنانيين". تسخر الأغنية التي تحل على وزن أغنية &laqascii117o;هالصيصان" المخصصة للأطفال، من دون أن تذم. تهزأ من الحال التي أبعدت فيها الطوائف، اللبنانيين، عن مفهوم المواطنة. قبل أن يتابع المنشدون: &laqascii117o;تِك تِك تِك يا ام سليمان. تِك تِك تِك وينو لبنان. تِك تِك تِك قسموه الطوايف. شقفة لفلان وعلتان..".
عناصر قوى الأمن الداخلي الذين يواكبون المسيرة، يبدون سعداء بالمشهد. ابتساماتهم تفضحهم. باستثناء الضابط المسؤول عنهم، وهو برتبة رائد، ولم تغادر الجدّية تعابير وجهه. لاحقاً، يعْلق أحد العناصر في وسط حلقة للطبل والزمر. لن تسمح له الصبية المؤيدة لحقوق المثليين بالمرور إلا بعدما يشهر علمانيته. فينصاع لإرادتها بابتسامة.
عند طلعة ميناء الحصن، تلتف المسيرة يساراً باتجاه وسط بيروت. تمر في شوارع خالية وسط أبنية فارهة وعالية. تستقطب انتباه عمال الورش الذين يتسلون بالتفرج عليها. يعلو صوت &laqascii117o;دي جيه" من مكبرات الصوت. الموسيقى جزء من مسيرة الفرح.
تكبر المسيرة وتكبر فتصبح بضعة آلاف حتى تتوقف أمام الدعامات الحديدية للجيش في شارع المصارف، مقابل مسجد الأمير منذر. هنا، ينشد المشاركون النشيد الوطني اللبناني. من الشاحنة، تتكلم الفنانة يلدا يونس. تقول إننا إذا أردنا التغيير فمطلوب منا العمل، لافتة إلى انه تم إنشاء منتدى الكتروني لتقديم أسئلة وأجوبة تتعلق بالعلمانية. وتجزم: &laqascii117o;عملنا مع بعضنا البعض ونجحنا، فلنكمل". قبل أن تختم: &laqascii117o;كل مواطن مسؤول عن التعبير عن التزامه في مجاله. فلنبقَ موحدين. كلنا لبنانيون".
عندما أُبلغ المشاركين بأن المسيرة تنتهي عند هذه النقطة، علت صرخات الاستهجان والصفير. لكن يلدا دعتهم للنقاش والتفكير والعمل بدلاً من التوقف والاحتجاج.
ولمرة أخيرة، صرخت المسيرة لنواب أمتها المئة والثمانية وعشرين بأن العلمانية هي الحل، علّهم يسمعونها من بعيد.
والطائفية التي رفع المشاركون أحرفها متفرقة، باللغة الإنكليزية، على بالونات ملونة، نالت ما تستحقه أمس.
طار اسمها في الهواء.. ويا ليتها طارت معه إلى غير رجعة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد