أقامت نقابتا الصحافة والمحررين ومنظمة لبنان للامم المتحدة، بالتعاون مع المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع والمركز الكاثوليكي للاعلام، لقاء اعلاميا في نقابة الصحافة، لمناسبة اليوم العالي لحرية الصحافة.
وحضر رئيس المركز الكاثوليكي للاعلام الخوري عبده أبو كسم ممثلا المطران رولان ابو جودة، نقيب المحررين ملحم كرم، الوزير السابق جورج سكاف ممثلا نقيب الصحافة محمد بعلبكي، رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ، رئيس منظمة لبنان للامم المتحدة الشيخ سمير الضاهر، مستشار النائب سعد الحريري الدكتور داود الصايغ، مدير مكتب الرئاسة في مجلس الانماء والاعمار الدكتور نادر سراج وحشد من المهتمين.
كلمة بعلبكي
ثم ألقى سكاف كلمة النقيب بعلبكي، ومما جاء فيها: 'ميزة هذا اليوم، انه انطلق للاعلان عن تعزيز وسائل الإعلام الحرة والمتنوعة، واعتماد سلسلة من الإلتزامات، في مختلف أنحاء العالم، للدفاع عن حق أي شخص، في أي مكان من العالم، في التعبير الحر عن آرائه.
وصار الامين العام للامم المتحدة، في كل سنة، يوجه رسالة تدعو اصحاب القرار، أي الحكام واصحاب المسؤوليات، في مختلف المجالات، لان يقوموا بكل ما في وسعهم، لتمكين الصحافيين من تأدية رسالتهم، من دون خوف أو عرقلة، لتصبح الشعوب، في كل مكان من العالم، قادرة على الافادة من حرية انتشار الافكار، مطالبا الأسرة الدولية بأن تدافع عن هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان، وتحميه'.
ورأى 'أن هذا اليوم من أيار صار يوم عولمة الحرية، العولمة في أبهى مظاهرها وأسمى أهدافها، العولمة في وجهها الخير، الذي يساوي بين جميع الناس في الحق بأن يكون لكل انسان رأيه الحر، وان يعبر عن رأيه بكل حرية، ولا يعدم وسيلة للتعبير عن هذا الرأي، لا تلك العولمة الشائعة والمقيتة: عولمة القوي في السيطرة على الضعيف، والغني في استغلال الفقير، والكبير في احتواء او القضاء على الصغير'.
وأضاف: 'لهذا اليوم في لبنان اعتباره الخاص، اذ انه يأتي قبل الإحتفال بذكرى شهداء 6 أيار، شهداء الصحافة الذين هم شهداء الحرية والاستقلال. وهذه الذكرى لم تعد مقتصرة على تلك القافلة من الشهداء الأبرار الذين علقوا على مشانق الظلم والاستبداد العثماني، بل صارت تشمل ارتالا من شهداء الحرية الأبطال الذين سقطوا بالعشرات إبان الحوادث الأخيرة'.
واعتبر أن 'احتفالنا اليوم هو بانتصار الحرية، اذ ان كل الذين طغوا واستبدوا وظلموا وقهروا الشعوب باستغلال السلطة وكبت الحريات قد ذهبوا، او سيذهبون، وبقيت الحرية، وبقي الذين أصروا على أن يكونوا أحرارا، في كل أنحاء العالم، وبخاصة في لبنان الذي هو صنو الحرية. اليوم العالمي لحرية الصحافة، هو بخاصة يوم للحرية اللبنانية'.
النقيب كرم
ثم قال النقيب كرم: 'طوب هذا اليوم من أيار عيدا لشهداء الصحافة، لأن معظم الذين علقوا على أعواد المشانق في ساحة البرج في مثل هذا اليوم من عام 1916، كانوا من الصحافيين الذين سخروا أقلامهم في مقارعة الاستعمار والدعوة الى التحرر من النير العثماني وتجاوز مفاعيله وانعكاساته السلبية على كل مرافق الحياة، وكانت شهاداتهم جسر العبور الى الحرية، والشرارات الاولى المؤذنة بأفول نجم الامبراطورية التي رسف لبنان والدول العربية طويلا في قيودها.
لكن عطاءات الصحافيين تعدت هذا التاريخ، وتواصلت على مر الايام، فلم تنقض حقبة إلا كانت مخضبة بدماء نخب متقدمة ممن جادوا بأرواحهم في مواجهة الضغوط والمغريات معا، فما من شيء عندها أثمن وأكبر من حرية الرأي والمعتقد والقول. ناصرت الحق، وانتصرت للحقيقة، والتزمت فروض الإصلاح وطقوسه ولم تخرج عليها البتة.
وها هي ذي الصحافة تقدم القرابين والأضاحي على مذبح السيادة والاستقلال، ولا تزال دماء جبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي ندية في الوجدان والضمائر، تستحثنا وتثير فينا ملكة التمرد على الجور والطغيان، وتدعونا أكثر فأكثر الى أن نتمسك بحق لبنان وصحافته بالحرية والثبات في المواقف الوطني، كما لا تزال الآثار التي خلفتها يد الإجرام الحاقدة ماثلة في مروان حماده ومي شدياق، حاضرة بقوة وعناد، حاملة دعوة صريحة الى الوقوف في وجه الارهاب مهما صال وجال، وطال واستطال.
فأين حرية الصحافة اليوم؟ إن شلال الدماء الزكية لا يزال هادرا من دون انقطاع منذ عام 1916 الى 2005، وقد انتزع الحرية انتزاعا، فهي كانت استحقاقا وتتويجا للشهادات الغالية التي بذلت من دون حساب، وليس منة او هبة من أحد. وان الكوكبة الأولى من شهداء الصحافة عبدت طريق الحرية التي رعاها من اقتفى خطاهم، فنعمت المهنة بما نعمت به على هذا الصعيد، وكانت نسيج وحدها بين ما جاورها من البلدان.
الصحافة اللبنانية الحرة بأبنائها الأبطال شقت طريق السيادة والاستقلال، والصحافيون اللبنانيون هم الذين أشاعوا ثقافة الحرية والحوار وقبول الآخر، فبالحرية تبقى الصحافة وتستمر من اجل تقويم الإعوجاج.
الصحافة اللبنانية حرة، لكنها لا تكتفي بهذا القدر، فكل يوم يشرق ويسطع نهاره، نريده ان يكون مدماكا جديدا يوطد بنيان الحرية ويعززه.
على أن الحرية هي فعل وجود وحضور تمارسه الصحافة اللبنانية من دون انكفاء، الى جانب الزملاء العرب في الجزائر والعراق وفلسطين وسائر الدول العربية والدولية، مما يسجله اتحاد الصحافيين العرب بإعزاز، هو الذي جعل الإتحاد يختار يوم 6 أيار ذكرى خالدة ونهارا تاريخيا، وان غيابها او تراجعها يعني تغييبا للبنان الوطن ولبنان الرسالة. وان حرية الصحافة في لبنان والعالم العربي ستظل مصونة ما دام الصحافيون يذودون عنها حتى الشهادة، سائرين على خطى من تقدمهم في هذه الدرب'.
الخوري أبو كسم
وتلاه الخوري أبو كسم: 'يطيب لي، لا بل يشرفني ان القي كلمة المركز الكاثوليكي للاعلام في يوم عيد حرية الصحافة، مكلفا من سيادة رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام المطران رولان ابو جودة، لأمثله في ما بينكم، وذلك بسبب سفره مع غبطة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، في جولة راعوية الى قطر وجنوب افريقيا والولايات المتحدة واسبانيا.
وهو إذ يتمنى النجاح لهذا المؤتمر، يستذكر معنا اليوم شهداء الصحافة وأبطالها الشهداء الأحياء'.
وسأل: ماذا ترانا نقول اليوم لشهداء الصحافة في عيدهم في يوم الحرية هذا؟ ماذا ترانا نقول للعالم عن حرية الصحافة في بلدنا؟ نحدثهم عن تاريخ شهداء الصحافة الذين لم يساوموا على حرية أقلامهم؟ نحدثهم عن جرأتهم حتى الوت في إبداء الرأي وإيصال الحقيقة؟ ماذا نقول لأطفالنا وشبابنا عن اصحاب الأقلام الذين يرسمون مصير هذا الوطن من خلال مقالاتهم ونقلهم لمجريات الأحداث؟'.
ورأى 'أن لبنان اليوم على مفترق طرق خطير، وهذا الامر يطرح علينا تساؤلات عما اذا كان من الحكمة ان نسمح بأن تخضع الصحافة لريادية شعواء او ان ينتهي بها الأمر بأن تكون تحت رحمة من يستعملونها للتحكم في الضمائر؟ لهذا فأنني اليوم أنبه من هذا المنبر، الى التحول الفعل في دور وسائل الاعلام، فهي أصبحت لا تنقل الواقع الذي نعيشه فحسب، إنما تحدوه بفضل ما تملك من قدرة وقوة للايحاء، فقد يحصل ان تستعمل وسائل الاعلام، لا لتؤدي بشكل صحيح دورها الاعلامي، بل لخلق الأحداث بذاتها'.
أضاف: 'انتهزها مناسبة، لأدعو في هذا اليوم كل الصحافيين الى التزام مبادىء مهنة الصحافة وأخلاقيتها، أدعوهم الى أن يتقنوا صناعة الاعلام على وقع صوت ضميرهم، وان يصوبوا خطاب السياسيين بلباقتهم وذكائهم، ويساهموا في تعزيز فرص الحوار، فهم وحدهم القادرون على صناعة الأحداث'.
وختم: 'من هذا المنطلق، أدعو أيضا المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع الى إطلاق ورشة إعلامية، بالتعاون مع نقابتي الصحافة والمحررين يشارك فيها رؤساء التحرير في المؤسسات الإعلامية، بهدف اطلاق شرعة اعلامية عنوانها الوحيد 'انقاذ لبنان'، ومن شأن هذه الشرعة أن تساهم في سبك لغة اعلامية موضوعية تواكبها دعوة ملحة الى انتخاب رئيس للجمهورية، وصياغة قانون عادل للانتخابات النيابية، وبالطبع في ظل خطاب هادىء بعيد عن التشنجات ولغة التخوين والشتائم'.
محفوظ
من جهته، قال محفوظ: 'الأفضل للمجتمع السياسي اللبناني تبادل التنازلات من أجل وقف الإنهيار، فالتاريخ اللبناني هو تاريخ تسويات ترتكز على معادلة لا غالب ولا مغلوب، ومثل هذه المعادلة يمكن ان تمهد في مرحلة السلم الأهلي لبناء دولة المواطن وإرساء تقاليد ديموقراطية تخرجنا مما نحن فيه. تارة يدعى الى ديموقراطية ترتكز على الأكثرية العددية، وتارة الى ديموقراطية توافقية. وما لم يتم بناء الدولة العادلة والقادرة والتي همها إرساء فكرة المواطنية الجامعة، فمعنى ذلك ان الهواجس المتبادلة ستكون مصدرا للتوتر المستمر. وهكذا لا بد من التوافق حول معنى المفردات: الديموقراطية، العيش المشترك، المواطنية، السلم الاهلي، السيادة، العروبة، الارهاب، الفصل بين السلطات'.
ورأى أن 'الشرعة الإعلامية يمكن أن تلتزمها المؤسسات الاعلامية المرئية والسموعة والمكتوبة، إنما المشكلة أن ما يحتاج اليه لبنان حاليا هو 'شرعة سياسية' ترعى السلوك وآداب التعامل بين أهل السياسة، بحيث لا يميز حاليا بين النقد والتجريح وبين المصلحة العامة والخاصة. والمطلوب تقديم ضرورات الوحدة الوطنية على التفتيت والحوار على التنابذ. المشكلة هي هنا، وسوف تنعكس في المستقبل القريب، اذا ما استمرت، على أمن الصحافيين وحياتهم، خصوصا أننا مررنا في تجربة التعرض لزملاء ومصورين استجابة للشحن السياسي والطائفي، علما أن غالبية العاملين في المؤسسات الاعلامية لا ينتسبون سياسيا الى هذا الفريق ولا الى ذاك'.
وختم: 'قد يكون من المهم حاليا، لتخفيف حالة الاحتقان، تعجيل لقاء دولة الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري، وخصوصا أن الاثنين ينشدان الحوار ويتلقيان حول المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان. مثل هذا اللقاء، وهو ضروري، على الأقل سيبرد الأجواء قبل أن تدهم الأزمة المعيشية والبطالة وارتفاع الاسعار والهجرة الطرفين الموالي والمعارض على السواء'.
الضاهر
ثم القى الشيخ الضاهر كلمة مما قال فيها: 'على ماذا يختلفون اليوم في لبنان؟ فالمناصب والمراكز والكراسي الفارغة ليست سوى لعنة وعار، اذا لم تكن في خدمة المواطن والوطن، الذي هو أكبر من الجميع وفوق الجميع. كنا دائما نقول وسنظل نردد، باسم منظمة لبنان الامم المتحدة نشكركم على تلبيتكم دعوتنا للمشاركة في هذا اللقاء.
ونؤكد لكم مجددا أن منظمة لبنان للامم المتحدة تحمل رسالة الامم المتحدة الحقيقية، أي رسالة الانسانية والاخلاقية، رسالة عطاء، رسالة تضحية في زمن يقصر فيه الطابع الإنساني عن حضارة هذا الزمن'.