معلوماتية وإنترنت » القضايا المثيرة للجدل حول الحوكمة العالمية للانترنت


internetgovernace_300

رانيا علاء السباعي

من المنتظر أن يشهد العالم تحولات هامة فيما يتعلق بقضية حوكمة الإنترنت خلال عام 2014، خاصة في إطار الصدمة القوية التي سببتها تسريبات سنودن فيما يتعلق بتنصت مؤسسات أمنية أمريكية على ملايين المراسلات والتفاعلات عبر الإنترنت، وضلوع شركات كبرى مثل فيسبوك في ذلك. ترتب على ذلك فقدان الولايات المتحدة لمصداقيتها كالدولة المؤتمنة على الإشراف على النظام الأساسي الذي يقوم عليه الإنترنت، عن طريق إشراف الحكومة الأمريكية غير المباشر على هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة ، 'الأيكان'. في هذا الإطار، أعلنت الحكومة الأمريكية في مارس 2014 أنها سوف تتخلى عن هذا الدور الإشرافي، ما فتح الباب على مصراعيه للنقاش حول حوكمة الإنترنت وتوزيع المهام التي يضطلع بها المجتمع الدولي في هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (الآيكان).
الجدير بالذكر أن هناك ما يمكن ان يسمى ثلاث جبهات تتبنى مواقف مختلفة من هذه القضية. هناك جبهة تتألف من دول صاعدة على الساحة الدولية مثل الصين وروسيا والبرازيل، بالإضافة إلى عدد كبير من الدول النامية تتبنى موقف قائم عل فكرة أن سيادة الدولة يجب أن تمتد إلى مجال الإنترنت، ولا تتعاطف مع الدور الذي لعبته الولايات المتحدة عبر العقود السابقة، كما تنظر بشك إلى من يقولون بفكرة سيطرة القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية على الإنترنت، ويفضلون أن يتم معالجة قضاياه من خلال منظمات مثل الأمم المتحدة.  الجبهة الثانية تتألف من الذين يدفعون بأن القطاع الخاص يجب أن يلعب الدور القائد في إدارة الإنترنت، وتضم هذه الجبهة المنظمات الحاكمة للإنترنت مثل الأيكان نفسها، بالإضافة إلى الشركات الضخمة متعددة الجنسيات العاملة في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مثل فيرايزون  وجوجل ومايكروسوفت. ولأن معظم هذه الشركات أمريكية بالأساس، فالحكومة الأمريكية تدعم هذا التوجه بشكل عام. الجبهة الثالثة تتشكل من منظمات المجتمع المدني، والتي تدافع بشكل أساسي عن الحق في حرية استخدام الانترنت، والحفاظ على خصوصية مستخدميه.
وقد بدأت ملامح تغيرات في شكل اصطفاف هذه المجموعات، حيث بدأت المنظمات المعنية بالإنترنت في أخذ مسافة من حكومة الولايات المتحدة، ومن إشرافها غير المباشر عليهم. كما بدأ المسؤولين عن هذه المنظمات، مثل رئيس الأيكان الجديد فادي شهاده، والذي له توجهات سياسية وعالمية بشكل أكبر من سابقيه، في التواصل مع أطراف مختلفة . وكان من بين هذه الجهود التواصل مع رئيسة البرازيل ديلما روسيف، ما تمخض عنه عقد قمة عن حوكمة الإنترنت في البرازيل في مايو 2014. يعد هذا توجها جديدا للتواصل بين القوى التي تذهب إلى فرض وصاية الدول على الإنترنت وتلك التي تسعى لأن يلعب القطاع الخاص دورا رئيسيا في إدارته، وذلك في محاولة لإيجاد حلول وسط بشأن هذه القضية المحورية.
لكن مختلف الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق بشأن مسألة حوكمة الإنترنت لم تكلل بعد بالنجاح، ومن ثم دعا الأمين العام للأمم المتحدة الدعوة إلى إطلاق جولة جديدة للحوار المتعلق بحوكمة الإنترنت لمعالجة مختلف القضايا الخلافية خاصة ما يتعلق بالنفاذ للعالم الافتراضي وحرية تدفق المعلومات والأمن الإلكتروني ومركزية التحكم ومراعاة الاختلافات الثقافية واللغوية .
الإطار التنظيمي لحوكمة الانترنت
لم يسر مفهوم حوكمة الانترنت علي وتيرة واحدة، ففي بداية التسعينيات تركز التعريف حول البعد التقني في إدارة الانترنت خاصة إدارة أسماء النطاقات، وعناوين IPولكن ما لبث أن توسع استخدام الانترنت بشكل كبير مما أدى إلى زيادة الجدل حول المفهوم، وقد جاءت القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تونس 2005 لتضع تعريفا للمفهوم علي أنه: ' قيام الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني كل حسب دوره بوضع وتطبيق مبادئ ومعايير وقواعد وإجراءات لصنع القرار وبرامج مشتركة تشكل مسار تطور واستخدام الانترنت'، وفي هذا الصدد تبرز مؤسستان رئيسان في إدارة الحوار الخاص بقضايا حوكمة الإنترنت هما:
مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة ICANN، ومنتدى إدارة الإنترنت IGF:
1. مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة Internet Corporation for Assigned Names and Nascii117mbers
أنشئت مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة ICANN في عام 1998 بموجب عقد مع وزارة التجارة الأمريكية كمنظمة خاصة غير ربحية مقرها في ولاية كاليفورنيا، وتدير نظام أسماء النطاقات العالمية (DNS)، وهي شبكة عالمية من قواعد البيانات ترتب أسماء النطاقات إلى عناوين IPبحيث يمكن للمستخدمين إرسال واستقبال المعلومات.
وتكمن أهمية DNS في إنه ضروري للتشغيل السليم والفعال لشبكة الانترنت. ويقوم على إدارةICANN  مجلس إدارة دولي يتم انتخابه من قبل أعضاء مجتمع ICANN ويحمل سلطة اتخاذ القرار النهائي. وينصح المجلس لجنة استشارية مكونة من ممثلين عن أكثر من 110 الحكومات الوطنية. وخلال العقود الماضية، لعبت الولايات المتحدة دورا مؤثرا بحكم علاقتها مع ICANN كما أن الحكومة الأمريكية كانت تدير أصلا الأسس الفنية لنطاقات الإنترنت في البداية لأن وزارة الدفاع الأمريكية هي التي ابتكرت تكنولوجيا شبكة (ARPANET) التي من خلالها تطورت شبكة الإنترنت.
2. منتدى إدارة الإنترنت  Internet Governance Forascii117m
ويتكون من مجموعة دولية من الحكومات والكيانات غير الحكومية التي تم إنشاؤها في عام 2006 في مؤتمر القمة العالمي لمجتمع المعلومات، ولم يكن الهدف الأساسي آنذاك هو تكوين هيئة لصنع القرار، فالمنتدى لا يصدر أية نتائج ملزمة بل جاء تأسيس المنتدى ليمثل ساحة للمناقشة وتبادل الآراء بين مختلف الشركاء في الموضوعات المرتبطة بحوكمة الانترنت، خاصة كرد فعل لوجود ICANN؛ حيث رأت العديد من الحكومات إنه من غير الملائم أن تنفرد واشنطن بالتأثير على أكبر تجمع يضم مختلف أصحاب المصالح المعنيين بحوكمة الانترنت.
وتطور عمل منتدى إدارة الإنترنت عبر المؤتمرات التسعة التي عقدت في هذا الإطار بدءاً بمؤتمر أثينا في عام 2006 ومروراً بمؤتمر ريو دي جينيرو في عام 2007 ومؤتمر حيدر أباد في عام 2008 ومؤتمر شرم الشيخ في عام 2009، ومؤتمر فيلنيوس في عام 2010، ومؤتمر نيروبي 2011، ومؤتمر باكو 2012، ومؤتمر بالي 2013 وصولاً إلى مؤتمر اسطنبول المزمع عقده في نهاية 2014.
القضايا الخلافية حول إدارة الفضاء الالكتروني
أضحت قضايا حوكمة مثار جدل عالمي غير محدود نتيجة تصاعد التوجهات المعارضة لهيمنة الولايات المتحدة علي الإنترنت، وتتضمن هذه القضايا الأمن والنفاذ والتنوع والانفتاح وإدارة موارد الانترنت الحرجة، وفي هذا الصدد تتمثل أهم القضايا الخلافية المرتبطة بحوكمة الانترنت في:
1- تعزيز النفاذ:
على الرغم من النمو الملحوظ لشبكة الانترنت حيث استفاد حوالي 2.7 بليون شخص من الوصول إلى الانترنت بما يعادل 39% من إجمالي سكان العالم في نهاية عام 2013، إلا إنه تظهر فروق جغرافية واضحة في مدى الاستفادة من النفاذ إلى الانترنت. ففي حين تبلغ النسبة في الدول المتقدمة 77% تقل هذه النسبة إلى 31% فقط في الدول النامية.
من ناحية أخرى، تظهر الفروق النوعية في النفاذ إلى الانترنت ففي مقابل استفادة 41% من الرجال من الوصول إلى الإنترنت تقل هذه النسبة إلى 37% بين السيدات. وتتقاطع هذه الفروق النوعية مع الفروق الجغرافية حيث تظل السيدات في الدول النامية الأقل استفادة من الوصول إلى الانترنت فتصل الفجوة النوعية إلي 16% في الدول النامية في مقابل 2% في الدول المتقدمة.
وتمثل تكلفة الوصل بالانترنت مشكلة رئيسة أمام الدول النامية، بالإضافة إلى اختلال التكلفة والبعد عن الجغرافي عن الشبكات الفقارية للإنترنت والمسافة البعيدة للكابلات اللازمة للاتصال بالانترنت يضطر مزودو الخدمات في الدول النامية إلى تحمل تكلفة عالية لصالح مزودي الخدمة في الولايات المتحدة وأوروبا مما ينعكس بشكل مجمل على تكاليف الانترنت في هذه البلدان.
وأثناء اجتماع منتدى إدارة الانترنت في ريو دي جانيرو توافقت الآراء حول أهمية تبنى نهج متعدد القطاعات يرمي إلى تحقيق نفاذ شامل ومنصف وبأسعار معقولة، وشملت التوصيات دمج سياسات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مع إستراتيجية التنمية المحلية واستغلال التكامل بين أنواع تطوير البنية الأساسية المختلفة والعمل على تشجيع الإصلاح التنظيمي على المستوى المحلى بوصفه مطلبا مشتركا لتمكين بيئة نفاذ أكثر ملائمة واقل تكلفة.
2- حرية تدفق المعلومات:
تمثل الطبيعة المفتوحة للشبكة أحد السمات الرئيسية التي تعطى للإنترنت تفرده وتميزه كوسيلة فعالة لتبادل المعلومات والأفكار كمساحة واسعة من حرية التعبير والتواصل، ولقد أكد كلاً من إعلان جنيف 2003 وتعهدات تونس 2005 على أهمية حرية التعبير وضمان التدفق الحر للمعلومات والأفكار والآراء المختلفة واعتبارها ضمن الدعائم الأساسية لمجتمع المعلومات وشبكة الانترنت.
وتتجلي المعضلة في الموازنة بين الحفاظ على اعتبارات حرية التعبير والتدفق الحر للمعلومات والأفكار عبر شبكة الانترنت من ناحية وبين الحفاظ على الأمن في ضوء انعدام الحواجز الجغرافية والقيود أمام تدفق المعلومات على شبكة الانترنت من ناحية أخرى. فمثلا تقوم العديد من الدول بتبني قوانين تفرض قيودا على حرية مستخدمي الانترنت مثل حظر مواقع معينة، أو تلزم مقدمي خدمات الانترنت بتحديد هوية مستخدمي الانترنت وتقديم معلومات عنهم إلى السلطات المختصة إذا لزم الأمر. فقد أشار تقارير دولية إلى ما يقرب من نصف مستخدمي الإنترنت في العالم يواجهون شكل من أشكال الرقابة على الإنترنت.
كما أشار أحدث تقرير لــــفريدوم هاوس Freedom Hoascii117se  حول حرية الانترنت إلي أن أكثر من نصف البلدان الواردة في التقرير (34 دولة من 60 دولة) شهدت انخفاضا في حرية الإنترنت خلال 2013 حيث تبنت بعض الحكومات خطوات وإجراءات تقيد من حرية مستخدمي الانترنت مثل القبض على المدونين، حظر مواقع معينة، تضييق الخناق حول نشر معلومات حول قضايا سياسية معينة. ومن ثم يبرز الجدل في إطار حوكمة الانترنت عن كيفية وضع الأطر القانونية والسياسية والتنظيمية المختصة والقادرة على الحفاظ على مبدأ الانفتاح كأحد المبادئ الأساسية للإنترنت من ناحية والتي لا تخل بالاعتبارات الأمنية الأكثر حيوية.
وقد شمل تقرير فريدوم هاوس Freedom Hoascii117se  حول حرية الانترنت إحدى عشر دولة عربية تراوحت درجاتهم بين (41) وهى تونس الأكثر حرية إلى سوريا (85) الأقل حرية. وتندرج الدول الإحدى عشر الموجودة في التقرير إما في تصنيف الدول 'الحرة جزئيا' أو 'غير الحرة'، ولكن لم تندرج أي دولة عربية في تصنيف الدول 'الحرة' من حيث حرية الانترنت. من ناحية أخرى سجلت خمس دول عربية (مصر، سوريا، الأردن، ليبيا، البحرين) تراجعا من حيث حرية الانترنت في 2013 بالمقارنة بوضعها في 2012.
3-الأمن الإلكتروني:
أصبح الأمن الالكتروني من أهم القضايا في سياق حوكمة الإنترنت خاصة مع تسارع وتيرة نمو التجارة الالكترونية والمعاملات البنكية والخدمات الأخرى التي يقدمها الانترنت. ومن ثم تصاعدت ضرورة التنسيق الدولي من أجل مكافحة جرائم الانترنت مثل النصب والاحتيال وجرائم القرصنة وسرقات الهوية ونشر الفيروسات.
وفي هذا الصدد أضحي أمن المعلومات يمثل أولوية خاصة عقب تتابع عمليات تسريب المعلومات الحكومية السرية علي غرار قضية ويكيليكسWikileaks  و قيام إدوارد سنودن في يونيو 2013 بتسريب معلومات حول برنامج التجسس PRISM المستخدم من قبل المؤسسات الأمنية والاستخباراتية الأمريكية لمراقبة الاتصالات الهاتفية والانترنت قبل أن يتمكن من الهروب لروسيا عقب إثارة جدل متصاعد حول مراقبة الحكومة الأمريكية لتدفق المعلومات عبر الانترنت وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي ومحركات البحث الأكثر انتشاراً مثل جوجل .
وبالنسبة للمنطقة العربية، فقد أثارت نقاشات المنتدى العربي لحوكمة الإنترنت ثلاثة قضايا هامة في هذا الصدد:
&bascii117ll; أهمية البعد الاجتماعي للأمن وخاصة انه يتعلق بكيفية التعامل الشامل مع الأخطار التي تهدد امن الفضاء الالكتروني حيث تنعكس المشكلات الاجتماعية كالفقر والبطالة والأمية وسوء حالة التعليم على حجم الجرائم والتهديدات.
&bascii117ll; تزايد حالات التعرض للفيروسات والهجمات الإلكترونية على المنطقة العربية في ظل ضعف إجراءات الحماية، وهو ما يحرم المنطقة من فرص نمو اقتصادي في التعاملات الالكترونية جراء ضعف ثقة المستخدم العربي في التعاملات عبر الشبكات الافتراضية.
&bascii117ll; إمكانية استخدام برامج تم إصدارها في الوطن العربي لتخفيض المخاطر الأمنية دون الحاجة للاعتماد على برامج تجارية تم تصنيعها خارجياً وذلك لتشجيع صناعة التطبيقات الأمنية من قبل مبرمجين عرب لاستغلال الكفاءات العربية والتعرف على الإمكانات التي قد تسمح لإصدار برامج أكثر أمناً
4-التعدد اللغوي لشبكة الانترنت:
لا يستطيع العديد من مستخدمي الانترنت الكتابة والقراءة باللغة الانجليزية ومن ثم تظهر الحاجة إلى وجود محتوى للانترنت بلغتهم الأصلية. ولكن من ناحية أخرى، فإن تحقيق التنوع اللغوي لشبكة الانترنت يحتاج بناء القدرات الخاصة بالأفراد والهيئات فيما يتعلق بتكوين ذلك المكون المحلى.
وعلى الرغم من أن المتحدثين باللغة العربية يمثلون متوسط 5% من إجمالي سكان العالم إلا أن اللغة العربية لا تعد من اللغات العشر الأولى الأكثر استخداما على شبكة الانترنت كما أن نصيب صفحات الشبكة العربية مازال محدودا. ويلعب المحتوى العربي دورا هاما في الترويج إلى استخدام الانترنت وتوظيفه كأداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ثالثاً: الجدل حول لا مركزية حكومة الانترنت
تتباين الرأي حول مركزية هيكل حوكمة الانترنت، ففي حين تتبنى الدول المتقدمة والمؤسسات التقنية المعنية بإدارة الانترنت وجهة النظر الداعمة للامركزية حوكمة الإنترنت بمعنى إنه يصعب وضع الانترنت تحت مظلة واحدة مثل منظمة دولية، ويري هذا الاتجاه أن شبكة الانترنت نفسها بناء معقد للغاية لأنه يربط بين العديد من الشبكات الفرعية ومن ثم لا يلاءم طبيعته الإطار المركزي للحوكمة.
من ناحية أخري، تميل العديد من الدول النامية إلى تبنى إطار مركزي عالمي لحوكمة الإنترنت، ويري هذا الفريق أن محدودية قدرات العديد من الدول النامية سواء من الناحية البشرية أو المادية سوف يعيقها عن متابعة تطورات المناقشات المرتبطة بحوكمة الإنترنت في إطار العديد من المؤسسات والمستويات إذا ما تبنينا الإطار اللامركزى، ومن ثم يفضل هذا الفريق وجود منظمة دولية واحدة يتم مناقشة الموضوعات المختلفة المرتبطة بحوكمة الإنترنت تحت مظلتها.
وفى هذا الإطار كانت قد قدمت دول روسيا والصين والمملكة العربية السعودية، والجزائر، والسودان اقتراحا في المؤتمر العالمي للاتصالات الدولية في دبي في ديسمبر 2012 يدعو إلى أن يكون للحكومات الوطنية والمنظمات الدولية الحكومية الحق السيادي في وضع وتنفيذ السياسات العامة الحاكمة لإدارة الإنترنت، كما دعا الاقتراح الدول الأعضاء لتولي الكثير من اختصاصات ICANN لتفكيك هيمنة طرف واحد علي التدفقات المعلوماتية الدولية.  
 من ناحية أخرى، رفض الوفد الأميركي الاقتراح، مؤكدا أن رؤية الولايات المتحدة في هذا الصدد تقوم على إنه لا ينبغي أن تحدد سياسة الإنترنت من قبل الدول الأعضاء فحسب، ولكن من قبل المواطنين والمجتمعات المحلية والمجتمع الأوسع، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلي أن الحكومة الأمريكية قد أعلنت في أوائل عام 2014 خططاً للتخلي عن الإشراف التاريخي على تعيين أرقام الإنترنت Internet Assigned Nascii117mbers Aascii117thority (IANA) ، والتي يتم تشغيلها من قبل ICANN. وأكدت وزارة التجارة الأمريكية إنها لن تنقل الإشراف على IANA لمنظمة تقودها الحكومة أو الحكومية الدولية وإنما تنقلها إلى مجتمع الإنترنت العالمي أصحاب المصلحة.
في المقابل أبدت دولاً مثل روسيا والصين اتجاهاً لتعزيز هيمنتها علي تدفق المعلومات من خلال خلق بدائل وطنية للمؤسسات الأمريكية المسئولة عن إدارة وتفعيل الإنترنت، والاستغناء عن المفاصل المعلوماتية الأمريكية، يرتبط ذلك بقيود علي محتوي الانترنت في تلك الدول وقيود اتصالية فضلاً عن آليات لتتبع المعارضة السياسية والجماعات الإرهابية وهو ما يرتبط بالقيود التي تخضع لها خدمات مواقع جوجل لاسيما حظر موقع يوتيوب وشبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر التي كانت تستخدمها المعارضة السياسية في تلك الدول كنطاقات خارج السيطرة الحكومية.
إجمالاً من غير المرجح أن يُحسم الجدل الدولي حول حوكمة الانترنت في الأمد المنظور في ظل تعدد القضايا الجدلية غير المحسومة وامتداد آثار التحول في هيكل النظام الدولي إلي الصراع علي تقاسم السيطرة علي العالم الافتراضي فضلاً عن تداخل الأبعاد السياسية والاقتصادية والمجتمعية والتقنية وسعي الحكومات الوطنية للحد من الانكشاف الخارجي الناتج عن الانفتاح غير المحدود علي مجتمع المعلومات.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد