زينب ياغي
كل اكتشاف أو تطور علمي، يبدأ بالخيال. ولنتصور بالقليل من الخيال تحول لبنان إلى حقل اختبار واسع لدراسة تقنيات توفير الطاقة الشمسية، نظرا لتوافر الشمس فيه ثلاثمئة يوم في السنة. وأن يتم لتلك الغاية حشد تلامذة المدارس وطلاب الجامعات، وتجهيز منازل القرويين بألواح شمسية اختبارية، ونظام تخزين الطاقة بتوجيه من مراكز الأبحاث وتمويل صناعيين ومغتربين، واستخدام السهولة التي يتمتع بها الطلاب في استخدام الكومبيوتر والإنترنت من أجل إرسال نتائج الاختبارات إلى بنك معلومات مركزي لعلماء العالم. ذلك الاقتراح الذي قدمه العالم اللبناني في مجال هندسة فيزياء البلازما في الولايات المتحدة إدغار شويري، يشكل أحد الأمثلة على الامكانيات التي يمكن للباحثين اللبنانيين تقديمها لبلدهم.
وإذا كانت الطاقة الشمسية توصف بأنها من ابرز تحديات القرن الواحد والعشرين، فإن الامكانيات لا تقتصر على الطاقة، إنما على العديد من مجالات الأبحاث، أبرزها حالياً البحث في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. لكن الأبحاث لا تزال صغيرة، وتقتصر على مجموعة أساتذة وطلاب في عدد محدود من الجامعات، من دون إيجاد آلية للتنسيق في ما بينها، فلا تعرف كل جامعة ما هي الأبحاث التي تجريها الجامعة الأخرى ضمن البلد نفسه. يضاف إلى ذلك، عمل غالبية شركات برمجة الكومبيوتر في تقديم البرامج الالكترونية لقطاع الخدمات، أي الأعمال التجارية. وتبيع 70 في المئة من إنتاجها لشركات في الخارج، من دون توفر البنية التحتية للاستثمار داخل لبنان.
أبحاث برامج الكومبيوتر
يقول مدير قسم علوم الكومبيوتر في &laqascii117o;الجامعة الأميركية" وسيم الحاج إن الأبحاث تقوم على إعداد برامج خاصة للكومبيوتر، وليس للمساهمة في تطوير آلة الكومبيوتر نفسها، أو تغيير أجزاء فيها. لأن ذلك يلزمه شركات كبرى. ويعمل الحاج حالياً مع ثلاثة أساتذة واثني عشر طالباً على إعداد برنامج باللغة العربية يقوم على تلخيص كل الآراء والمعلومات التي يتم تداولها على شبكات التواصل الاجتماعي بشأن موضوع معين، وهو أول برنامج يتم إعداده في الدول العربية، ويوجد شبيه له في الولايات المتحدة. وقد تم اختيار موضوع الأزمة السورية لاختبار البرنامج، بعدما تبين أنه الأكثر تداولاً. وتستعين المجموعة بأستاذ متخصص في اللغة العربية على الكومبيوتر في &laqascii117o;جامعة كولومبيا" من أجل حل المشاكل التي تعيق استخدامها في البرنامج.
ويوضح الحاج كيفية الحصول على المعلومات وتصنيفها، كالآتي: &laqascii117o;يتم تجميع الأخبار والآراء على تويتر وفايسبوك ويوتيوب، والبلوغز، وهي بمئات الآلاف. ثم يجري تصنيفها بين معلومات وآراء، بعد البحث في القاموس عن معاني الكلمات التي يمكن التمييز فيها بين المعلومة والرأي. وفي حال كانت معلومة يتم التأكد منها عبر أكثر من مصدر. وفي حال كانت رأياً يتم التعرف عليها عبر كلمات تعبر عن الرأي، مثلاً، أنا ضد أو مع، الحزب الفلاني صادق أو كاذب، الاتجاه السلبي أو الايجابي في الكتابة.
ويعمل الحاج على إعداد برنامج خاص بنقل المشاعر الإنسانية: مثلاً، إذا كنت متوتراً وكتبت رسالة الكترونية لشخص ما، يطلب مني الكومبيوتر أو الهاتف، التمهل في إرسالها، ويستطيع معرفة التوتر من كلمات تعبر عنه في الرسالة، وعبر الصورة من خلال اختيار 6 حركات للوجه المتوتر يتم إدخالها في البرنامج.
ويشارك الحاج في إعداد برنامج خاص بنظام الحماية الشخصية من التجسس على الهاتف الذكي. ويتم إعداد البرنامج بالتعاون مع أستاذ في &laqascii117o;جامعة MIT" لكن تطبيقه يستدعي موافقة مجلس الشيوخ الأميركي. وفي الانتظار سيبقى البرنامج نظريا.
الاتصالات والطاقة
قبل الأبحاث، يمكن إقامة شركات في لبنان لتجميع قطع أجهزة الكومبيوتر والهواتف الخلوية وبيعها، مثلما يحصل لدى تجميع الأجهزة الكهربائية من غسالات وبرادات وتلفزيونات وغيرها. وذلك بدل الاعتماد على بيع الأجهزة في حالتها الجاهزة، فيحصل المهندسون على عمل، وتكون الأجهزة أقل كلفة وسعراً.
ويُجري الدكتور في هندسة الاتصالات في &laqascii117o;الجامعة الأميركية" يوسف ناصر أبحاثاً في كيفية استخدام الترددات بطريقة ذكية ومتحركة، لكن لمصلحة شركات يتعاقد معها في الاتحاد الأوروبي. ويؤكد ناصر وجود اليد العاملة اللازمة والكفوءة من مهندسين وتقنيين لإجراء الأبحاث في مجال الاتصالات في لبنان: &laqascii117o;نحن نتعامل مع عدد منهم ونعرف مدى كفاءتهم".
يضيف ناصر انه &laqascii117o;لا يمكن البدء من الصفر، ولكن يمكن البدء من حيث بدأت قطر التي أنشأت مركزاً لتطوير الأبحاث بالتعاون مع شركات في الخارج، ويهدف إلى إيجاد مجمع للشركات والجامعات من دول عربية وعالمية، لتطوير الشركات الصغيرة. فهناك شركات صناعية كبرى في العالم تعيش إلى جانبها شركات صغيرة، يمكن أن تصنع لها أجزاء من مشاريعها. إذا أردْتُ العمل مع شركة كبرى مثل شركة أبل يترتب علي البرهان لها بأنه يوجد لدي ما تحتاج إليه في الهاتف. وإذا لم يكن على مستوى العالم، فعلى مستوى المنطقة التي أعيش فيها. يمكن العمل مثلاً على التشريج بالطاقة الشمسية".
يصنف المهندسون اللبنانيون في مجال خدمات البرامج بأنهم من المهندسين الجيدين عربيّاً. ويقول المهندس جمال عانوتي إن &laqascii117o;المقدرة في البرمجة أكبر من الموجود حالياً، لكن لا يمكن الإدعاء أن اللبنانيين هم الأكثر قدرة بين أقرانهم العرب. فالعمل الأساسي لشركات البرمجة في العالم العربي متوفر في مصر. وفي لبنان يقوم عمل الشركات على إعداد برامج لمؤسسات في دول الخليج، وأوروبا والولايات المتحدة، لكن دول الخليج تعتمد في الدرجة الأولى على الشركات الهندية". ويشير إلى شركة لبنانية تضع البرامج الخاصة بالمصارف، وتعتبر من أكثر الشركات شهرة في أوروبا.
ويقول رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات فادي صباغة الذي تابع دراسته في إدارة الأعمال في فرنسا، إن شركته التي أسسها في العام 1996، تعتمد على إعداد المواقع الالكترونية، وقد تعاقد مع شركات في 29 بلداً، بينها شركات في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ومصر والعراق والكويت والمغرب وعُمان. ويتركز عمله حالياً في السعودية وقطر.
ويوضح صباغة أن المنافسة في مصر بالكمية، بينما تقدم الشركات الكبرى برامج بنوعية جيدة. وفي السعودية المنافسة مع الشركات الهندية، لكن الشركات اللبنانية تنافسها في مشاريع الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالاضافة إلى اللغة العربية ونوعية الخدمة الجيدة.
سوء البنية التحتية
لكي تأتي الشركات للعمل في لبنان، يجب توفير البنية التحتية. ويقول عانوتي: &laqascii117o;إذا كانت لدي أدمغة وتعمل في الخارج، ماذا استفيد؟ أسعار الإنترنت مرتفعة، الوضع الأمني متوتر، الكهرباء في حالة انقطاع. إذا تأمنت البنية التحتية تمكن منافسة الهند في الخليج، لأن لبنان بالنسبة إلى الخليجيين بلد عربي أقرب مسافة ولديه اللغة نفسها".
يضيف انه لا مجال للمقارنة في سرعة الإنترنت بين لبنان والدول العربية. لم يعد حتى لدى اللبنانيين الرغبة بالاستثمار فيه، مشيراً إلى أنه يعمل حالياً في تأمين شبكة الاتصالات الدولية في العراق، وهي تفتح أمامه منفذا إلى العالم.
بدوره، يوضح صباغة أن لديه سبعين موظفاً يأتون من جميع المناطق، ولا يرغب بوجود طرقات مقطوعة: &laqascii117o;إذا أردت توسيع عملي يجــــب أن أكون مرتاح البال. كلــــفة الاشتـــراك في الانترنت في لبنان من الأعلى في العالم، مقابل سرعة غير كافية".
وبعد أن يسأل ناصر عن القانون 331 لتشجيع الاستثمارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات، يقول إن &laqascii117o;مشاكل شبكة الاتصالات، تأتي من مصدرين هما: شركتا الاتصالات، والخلل في أجهزة الهواتف الخلوية. ومن بين المشاكل عدم اختيار أعمدة الإرسال بالشكل الصحيح، وبطء شبكة الانترنت: تعتبر الكابلات البحرية التي تمر فيها الألياف الضوئية صلة الوصل بين لبنان والعالم، لكن لبنان هو الأبطأ بين الدول العربية.
ويوضح أنه يمكن تمديد الألياف الضوئية إلى القرى والمدن، لكن حل مشكلة الكابلات البحرية يتوقف على العلاقة بين وزارة الطاقة وشركة &laqascii117o;أوجيرو".
6 آلاف مهندس
يبلغ عدد المهندسين المتخصصين في مجال هندسة الكومبيوتر والاتصالات، والمسجلين في &laqascii117o;نقابة المهندسين"، 6 آلاف مهندس. بينهم عدد كبير من المهاجرين. يضاف إليهم 5881 مهندساً يعملون في مجال الكهرباء، إذ يعمل عدد من المتخصصين بالكهرباء في شركات البرمجة أيضاً.
واستناداً إلى إحصاءات النقابة فإن العدد في تزايد مستمر منذ عشر سنوات، نظراً إلى جاذبية التخصص في مجال التكنولوجيا. مع ذلك، لا تزال نسبتهم ضئيلة، مقارنة بعدد المهندسين الاجمالي والبالغ 37894 مهندساً. في المقابل لا توجد إحصاءات لعدد شركات البرمجة والاتصالات، ولا أعداد العاملين فيها، كما لا توجد مرجعية منظمة للقطاع. واستناداً إلى مدير شركة المدينة الرقمية جمال عانوتي يوجد نحو عشر شركات تشارك في مناقصات المشاريع الكبرى، وبينها مثلاً مشروع الحكومة الالكترونية، لأن المناقصات تتطلب شروطاً معينة. وتصنف الشركة بالكبرى عندما تضم بين سبعين ومئة موظف. يضاف إليها عشرات الشركات الصغرى.
المصدر: صحيفة السفير