فادي الطويل
أوّل ما يمكن أن يواجهه الفيلم الوثائقي Citizenfoascii117r هو المواقف المسبقة تجاه أحد أبطاله، إدوارد سنودن. إلى الآن لم يحسم النقاش حوله في الولايات المتحدة، ويبدو أنّه لن يحسم قريباً: هل هو بطل أم خائن؟
يحمل الوثائقي توقيع المخرجة والصحافية الأميركية لورا بويتراس، والبطولة فيه جماعيّة: ثلاثة أشخاص اجتمعوا في غرفة فندق في هونغ كونغ، من دون معرفة مسبقة. اثنان من بينهم، كانا يتلقيان رسائل الكترونية تتضمّن معلومات في غاية الحساسيّة والأهميّة، حول نشاطات وكالة الأمن القومي الأميركيّة، في مراقبة كلّ بريد الكتروني، كلّ اتصال هاتفي، كلّ بحث على الانترنت. كانت تلك الرسائل الالكترونيّة ممهورة بتوقيع &laqascii117o;سيتزن فور". الاثنان هما الصحافي الأميركي غلن غرينوالد، ولورا بويتراس اللذين طارا إلى هونغ كونغ في حزيران/ يونيو 2013، للقاء بطل الفيلم الثالث، &laqascii117o;سيتزن فور"، والذي لم يكن سوى إدوارد سنودن، أشهر مسرّب للمعلومات في تاريخ الولايات المتحدة.
في غرفة ذلك الفندق، كُشفت حقائق ووثائق تسجّل ممارسات أقوى دولة في العالم. &laqascii117o;إننا نبني أكبر سلاح للقمع في تاريخ البشرية"، قال سنودن في إحدى رسائله المشفّرة إلى بويتراس. كانت الأخيرة الطرف &laqascii117o;الصامت" في الثلاثي، بعكس غرينوالد وسنودن. عملت على مادة فيلمها منذ اللقاء الأول بينهم، ومنحته عنوان &laqascii117o;سيتزن فور" تيمناً باسم سنودن المستعار. سجلت كل شيء، لتخرج وثائقياً هو مزيج من أجواء عمل لجون لوكاريه، وتلفزيون الواقع. تقدّم صورة إنسانيّة عن سنودن، كشخص من لحم ودم، قريب من موضوع الوثائق التي كشفها (كمسرّب المعلومات الأشهر)، وبعيداً عنها كإنسان ترك حياته الطبيعية وهرب لينتهي به المطاف في روسيا، بكل ما يعنيه هذا الاختيار للولايات المتحدة، لتنضمّ إليه صديقته ليندسي ميلز في منفاه.
ثمّة عدد من المواقف التي لم تخلُ من الطرافة في الوثائقي، كما في اللقاء الأول، حين انطلق جرس الإنذار داخل غرفة سنودن في هونغ كونغ، ليصاب بالذعر، ليتضح أن الأمر لا يعدو كونه تجربة لنظام إنذار الحريق في الفندق. في مشهد آخر، يغلق سنودن هاتفه، يغطّي يده فيما كان يكتب كلمة السر على جهاز الكومبيوتر بحيث لا يمكن التقاط حركات أصابعه. &laqascii117o;غطاء القوة السحري" كما قال عنه غرينوالد، حركة وإن بدت سخيفة، لكن سنودن بدا مقتنعاً بها.
في موقف آخر، يبدو التناقض بين سنودن، المهووس بالكومبيوتر، وغرينوالد الصحافي البعيد عن المعرفة الكبيرة بالتقنية. مثلاً يوبخه سنودن لنسيانه بطاقة ذاكرة خارجية تحتوي الكثير من الوثائق، داخل جهاز الكومبيوتر. مواقف طبيعية لأشخاص ستحاربهم حكومة أقوى دولة في العالم، وسيكونون في قلب ثنائية: البطولة/ الخيانة التي تحتاج كثيراً من الشجاعة لتحمّل الوجود داخلها.
من خلال هذا الوثائقي، تقدّم لورا بويتراس شهادتها في ما حصل ويحصل، هي راوية الفيلم، وموضوعه أيضاً. يأخذ العمل هنا شكل شهادة في قدرتها الإخراجية، حيث استطاعت صناعة فيلم يمكن أن يكون موضوعه أيّا من الثلاثي: سنودن، غرينوالد وبويتراس. ناهيك عن قدرتها في التقاط الأحداث وتقديم رؤيتها فيها أكثر من تسجيلها وسردها فقط. هو فيلم عن الحياة المعاصرة، وعن الرعب المحيط بخصوصية الأفراد.
من اللقطات المعبرة في الشريط، مشهد تظهر فيه علامات الذهول على وجه المستشارة الألمانية أنجلا ميركل حين علمت بأن مكالماتها الهاتفية كانت عرضة للتجسس. تريد بويتراس أن تقول إن سنودن هو واحدٌ من المحاربين لصالح الإنسانية، وهناك من سيتابع عمله. في المشهد الختامي، يظهر سنودن مع غرينوالد في لقاء جرى في موسكو قبل أسابيع؛ يجري الحديث عن اتصال جيريمي سكاهيل (زميل غرينوالد في مجلة &laqascii117o;ذا انترسبت") مع مسرّب معلومات جديد، مصدرٌ &laqascii117o;من الداخل" قد يأتي بما لا يمكن توقعه حتى الآن.
نال الفيلم استقبالاً لافتاً في عرضه الأول في &laqascii117o;مهرجان نيويورك السينمائي" في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، وسيتاح في عرض تجاري محدود بدءاً من الجمعة في 24 منه. رشّح نقاد كثر &laqascii117o;سيتزن فور" للمنافسة بقوة على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل، لكنه في الآن ذاته، سيتعرض لهجوم كبير من أصحاب النزعة التخوينية في الولايات المتحدة، والذين لا يوفرون جهداً أو وقتاً في اتهام سنودن ومن يعمل معه بالخيانة والعمالة.
المصدر: صحيفة السفير