فادي الطويل
بعد أشهر من السجالات المفتوحة حول مبدأ حياد الانترنت في الولايات المتحدة الأميركيّة، نطق باراك أوباما معلناً دعمه لحقوق المستخدمين. على طرفي أزمة ما بات يعرف بـ'حياد الانترنت'، يقف مستخدمو الشبكة، والشركات الكبرى المزوّدة للخدمة. تحاول هذه الأخيرة فرض مبدأ 'الأولويّات المدفوعة'، بحيث يتاح لموقع أو خدمة ما الوصول أسرع إلى أجهزة المستخدمين مقابل دفع مبالغ كبيرة، فيما يتمّ إقصاء الخدمات أو المواقع التي لا تدفع مبالغ مماثلة. مفهوم 'حياد الانترنت' ليس بجديد، إذ استُخدم للمرّة الأولى في العام 2003، في جامعة كولومبيا الأميركيّة، كمبدأ يلزم الحكومات والشركات المزوّدة لخدمة الإنترنت، بعدم التمييز بين محتويات الشبكة، ليعود إلى الواجهة مجدّداً، مع بدء مناقشة قانون يتيح للشركات المزوّدة التمييز بين موقع وآخر.
أمس الأوّل، أعلن أوباما موقفه الداعم لحياد الانترنت إذاً، في فيديو قصير نشره البيت الأبيض على 'فايسبوك'. امتدّت رسالة الرئيس الأميركي دقيقتين، كانتا كافيتين لإشعال جبهة جديدة بينه وبين خصومه، السياسيين أولاً.
في الفيديو، يتحدث أوباما بلغة مباشرة، محدّدة ولا تحتمل التأويل، عن المبادئ الرئيسة التي بُنيت على أساسها شبكة الانترنت: 'الانفتاح، النزاهة، والحرية'. ويضيف أنّ 'تجاهل هذه المبادئ سوف يقوّض الانترنت الذي نعرفه'، ومن هذا المنطلق، طلب من 'هيئة الاتصالات الفيدرالية المستقلة' (FCC) 'حماية حياد الانترنت'، والحفاظ على المبادئ التي تطوّر الشبكة. رسالة أوباما تأتي استجابة لحملات أُطلقت على مواقع التواصل. وبالرغم من أنّ رسالته تأتي متأخّرة، أكّد أنّه سيقاتل من أجل إقرار مبدأ حياد الانترنت، طوال وجوده في منصبه، بحسب تعبيره.
هذا الكلام المباشر فسّره المتحمسون لأوباما على أنّه 'نصر صريح' لمستخدمي الانترنت على حساب الشركات المزوّدة. لكن هذه الحماسة المتعجلة واجهت حملة مضادّة ظهرت بعد تصريح أوباما بوقت قصير، بدأها السيناتور الجمهوري تيد كروز الذي نشر تدوينة على 'تويتر' قال فيها إن حياد الانترنت هي 'أوباما كير للانترنت'، في استدعاء ساخر ومقصود لقانون الرعاية الصحية الذي شهد خلافات شرسة بين الرئيس والجمهوريين.
وخلال ساعات قليلة بدأت تظهر التحالفات، وبدا واضحاً أنّ الجمهوريين قرّروا استغلال الموقف لجذب شركات الاتصالات الكبرى ('فيرايزن'، و'كومسكات' و'تي اي أند تي') إلى صفهم. فيما أعلنت الجهات التي تتمسك بالدفاع عن حقوق المستخدمين دعمها موقف أوباما الذي طالب عبر 'تويتر' بالتوقيع على عريضة لحماية الانترنت. لكن هذه الثنائية (الجمهوريون والشركات ضدّ أوباما و'الشعب' بحسب موقع 'فوكس') لا تبدو منصفة تماماً، خصوصاً أن موقف الإدارة الأميركية الحاليّة، ما زال مشوباً بلطخات فضائح انتهاك الخصوصية والتجسّس على الأفراد. ثمَّة موقف ثالث، متفائل ومشكك في الآن ذاته، طرح عدداً من الأسئلة الواقعية: لماذا وضع أوباما 'هيئة الاتصالات الفيدرالية FCC' بين مطرقة حقوق المستخدمين وسندان الشركات؟ ثم ما الضمانات في أن تنفذ الهيئة 'المستقلة' هذه التوجيهات التي طرحها الرئيس؟ وأخيراً، وهذا في جوهر الموضوع، هل استخدم أوباما هذا المحور القوي والمؤثر انتقاماً من نتائج انتخابات التجديد النصفية للكونغرس التي فاز بها الجمهوريون؟
لا تزال وسائل الإعلام تحشد المواقف وتجمع الآراء لمصلحة هذا الموقف أو ذاك، وهي في هذا تساهم في دفع النزاع نحو السياسة، ليصبح الانترنت وحقوق المستخدمين مساحة لتصفية الحسابات.
المصدر: صحيفة السفير