يامن صابوركان العام 2014، عام عمليّات القرصنة بامتياز، والتي توّجت أخيراً بتسريب أغانٍ من ألبوم المغنية مادونا المرتقب، بجانب الهجوم على &laqascii117o;سوني بيكتشرز". وعلى الرغم من طابع السخرية الذي اتخذه السجال حول قرصنة الشركة العملاقة بسبب فيلم &laqascii117o;المقابلة"، إلاّ أنّ لعمليات التسريب نتائج أكثر عمقاً تنعكس على الجوانب السياسيّة والاقتصاديّة في الولايات المتحدة ذاتها ودول أخرى، وهي غالباً ما تكون انعكاساً لصراع مرير يجري بين قوى سياسيّة وماليّة كبرى في العالم.
ولا تزال أصداء قضية &laqascii117o;المقابلة" الشائكة تتردَّد يوميَّاً، بعدما أًجبرت واحدة من أكبر شركات الإنتاج السينمائي على إلغاء العرض الأوّل لأحد أفلامها قبل أيام من انطلاقه في ردة فعل &laqascii117o;غير مسبوقة"، على حد تعبير صحيفة &laqascii117o;لوس أنجلس تايمز". وعلى الرغم من أن مفاعيل القرصنة ليست بأمر مستجدّ، إلا أن الهجمات الالكترونية خلال العام 2014، اكتسبت كثافة ومدى هائلين، ما دفع بحكومات الكثير من الدول المتقدمة في مجالات الاتصالات والحوسبة لتعمل على تدعيم سياسات ونظم الحماية الالكترونية لديها، خصوصاً بعد تطور الصراع بين مجموعات الناشطين والقراصنة المنضوية تحت راية &laqascii117o;أنونيموس"، ومسربي المعلومات أمثال أسانج وسنودن من جهة، والحكومات المدعومة من قبل الشركات العالميّة الضخمة من جهة أخرى.
&laqascii117o;بيرل هاربور الكتروني"أطلقت إدارة أوباما خلال العام 2014 تحذيرات عدة من خطر &laqascii117o;بيرل هاربور الكتروني" يتهدد الولايات المتحدة ويتخذ شكل هجوم كابوسي مفاجئ قد يعطل شبكات الطاقة والاتصالات، بادئاً حرباً رقمية واسعة النطاق، بحسب &laqascii117o;نيويورك تايمز" في استعادة رمزية واضحة لذلك الهجوم الصاعق الذي شنته اليابان على الميناء الأميركي في هاواي في العام 1941. ولكن لليابان اليوم همومها الالكترونية هي الأخرى كواحدة من الدول الرائدة في مجالات الحوسبة والاتصالات، خصوصاً أن شركة &laqascii117o;سوني" الأم تضرب جذورها عميقاً في تاريخ النهضة الصناعيّة اليابانيّة، إضافة لتوقع الخبراء أن تكون اليابان هدفاً للهجمات الالكترونية مستقبلاً عند استضافتها الألعاب الأولمبية في العام 2020. هكذا عملت اليابان على وضع قانون أساسي جديد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، يرسم سياسة حماية الكترونيّة جديدة عبر الحدّ من بيروقراطيّة الإجراءات، وإنشاء مركز موحّد لحماية المعلومات يتلقّى التبليغات من جميع الوزارات والأجهزة الحكوميّة.
وبين اليابان والولايات المتحدة تتموضع على خارطة العالم كل من روسيا والصين، الدولتين الأكبر جغرافياً وبشرياً والعدوتين التقليديتيّن للولايات المتحدة ودول حلف الـ &laqascii117o;ناتو". اشتعلت الحرب الالكترونيّة على الجبهة الروسيّة/ الأميركيّة عبر شركات النفط والغاز التابعة لكلّ منهما، وتطوّرت مع أزمة أوكرانيا والقرم إلى أن استطاعت القوّات الروسيّة اختراق نظام طائرة أميركيّة من دون طيار كانت تطير فوق شبه جزيرة القرم والسيطرة عليها في نيسان/ أبريل 2014. أمّا الصين فهي بوابة كوريا الشمالية إلى الانترنت، والتي اضطرت أميركا إلى الطلب منها مؤخراً المساعدة في السيطرة على نظم الاتصالات في كوريا الشمالية في أعقاب قضية اختراق &laqascii117o;سوني بيكتشرز"، في حين كانت أميركا نفسها قبل بضعة أشهر تتهم قراصنة صينيين شنّوا حملة الكترونيّة واسعة النطاق، وحصلوا خلالها على كميّة هائلة من المعلومات من أجهزة حكوميّة وشركات أميركية بما في ذلك قوائم بأسماء الموظفين في الحكومة الاتحادية ومن ضمنهم أولئك الين تقدموا بطلباتهم لشغل مناصب سرية في أجهزة الاستخبارات والعديد أيضاً من الأسرار الصناعية والتجارية.
سلاح رقمي جديدومع تطور مفهوم &laqascii117o;الحرب الالكترونية" أصبحت القرصنة سلاحاً بيد الحكومات ذاتها أيضاً. وقد اتخذ حلف شمال الأطلسي (ناتو) خطوة رائدة في أيلول/ سبتمبر الماضي باعتباره أن الهجمات الالكترونية تماثل أي هجوم بري أو جوي أو بحري يقع ضد أي من بلدان الحلف، وبذلك يخضع لاستراتيجية الدفاع المشتركة وتتعاون في التصدي له جميع دول الحلف. وتعتبر أميركا ــ قائدة هذا الحلف ــ الدولة الأبرز في تطوير الأسلحة الالكترونية. فعلى الرغم من اتخاذها صورة الحمل الوديع الذي يتعرّض للهجوم على الدوام، كشفت صحيفة &laqascii117o;نيويورك تايمز" في شباط/ فبراير الماضي أن &laqascii117o;وكالة الأمن القومي" عملت على &laqascii117o;زرع" برمجيات خاصة في حوالي 100 ألف كمبيوتر حول العالم ممّا يسمح لأميركا بممارسة المراقبة واستخلاص المعلومات عبر هذه الأجهزة، وشنّ الهجمات الالكترونية حتى ولو لم تكن تلك الأجهزة متصلة بالانترنت، وذلك عبر موجات لاسلكيّة خاصة. ومع غياب المعاهدات الدولية التي تنظم هذا السلاح الرقمي الجديد وإنكار الجميع استخدامه، على الرغم من تسريب أخبار حول تدريب أميركا لما يقارب 6 آلاف &laqascii117o;مقاتل الكتروني" لديها، تنعدم قواعد الصراع وتصبح الاحتمالات مفتوحة أمام كلّ من استطاع امتلاك تقنيات متطوّرة، تسمح له بالتفوّق في الميدان الالكتروني.
خسائر بالملياراتمن الناحية الاقتصاديّة، أصبحت الهجمات الالكترونيّة عبئاً ترزح تحته الشركات، كلّما راجعت خسائرها من جراء تسرّب أسرارها أو تعطيل مخدماتها ومواقعها. هنا يعود المثال الأبرز لشركة &laqascii117o;سوني بيكتشرز" للظهور بخسائر يقدرها الخبراء بحسب &laqascii117o;رويترز" بأنها قد تصل مبلغ 100 مليون دولار. أما تقرير شركة الحماية الالكترونية &laqascii117o;مكافي" للعام 2014، فيؤكّد أن التكلفة السنوية للقرصنة قد زادت عالمياً لتصل مبلغ 575 مليار دولار، وأن أصغر أرقام هذه الخسائر قد يزيد عن الدخل القومي لمعظم البلدان. من جهتها قدرت شركة &laqascii117o;اتش بي" خسائر الشركات الأميركية من جراء القرصنة الالكترونية بمبلغ 12,7 مليون دولار أميركي بنسبة زيادة تصل إلى 9 في المئة عن العام السابق، وبزيادة في متوسّط زمن معالجة الإشكالات الناتجة عن عمليّة القرصنة ليصل حدّ 45 يوماً.
غالباً ما يَطْرَب قراصنة &laqascii117o;أنونيموس" لسماع تلك الأرقام وهم الذين يسعون على الدوام لكسر احتكار الشركات الضخمة للسوق، وتوفير المحتوى المجاني للناس عبر الانترنت. ولطالما جهد ناشطو &laqascii117o;أنونيموس" وحركة &laqascii117o;احتلّوا وول ستريت" من أجل طرح ثقافة بديلة تتحدّى التيّار المهيمن في أجهزة الإعلام التي تحركها كبرى الشركات حول العالم من أجل تحقيق مصالحها. ونجحوا أيضاً في عمليات تحطيم العديد من الصور الأيقونية للمشاهير والمسؤولين كما تسوّقها أجهزة الإعلام، التي قد يكون آخرها تسريب المراسلات التي تتم بين مدراء &laqascii117o;سوني بيكتشرز" والمنتجين والمخرجين والتي أظهرت عنصرية هؤلاء الأشخاص وعدم احترامهم لزملاء المهنة الآخرين.
وفي سياق متصل، نشر بعض القراصنة الذين استطاعوا اختراق نظام خدمة &laqascii117o;آبل" للتخزين السحابي iCloascii117d مجموعة كبيرة من الصور العارية لبعض الممثلات في أيلول/ الماضي، وليصبح هذا الحدث السمة الأبرز لهذا العام. وعلى الرغم من عدم حصول خسائر مالية مباشرة لهذه التسريبات، فلقد كان لها أثرها الثقافي والاقتصادي غير المباشرين في أوساط هوليوود وعلى شركة &laqascii117o;آبل" ذاتها التي كانت تعمل على تسويق تقنياتها وأجهزتها الجديدة، وتفاخر بأنّها تملك أفضل وسائل حماية الخصوصية والسرية. ولكن يثبت القراصنة على الدوام بطلان إدعاءات الشركات حيال حماية المتعاملين معها. وخلال العام 2014، جرت عمليات اختراق عدَّة لمخدمات ومواقع شركات كبيرة مثل &laqascii117o;إي باي"، و &laqascii117o;هوم ديبوت"، وبنوك &laqascii117o;بيتكوين" وتسريب لمعلومات شخصيّة ومعلومات بطاقات الائتمان وأرقام الضمان للموظّفين والزبائن.
كابوسيرى من يبحث عن المعلومات الحقيقيّة أو المنتجات المجانيّة بأنَّ قراصنة الانترنت هم &laqascii117o;روبن هود" العصر الحالي. فيما تراهم الشركات والحكومات، في عالم بلغ حجم المعلومات فيه مطلع العام بحسب تقرير &laqascii117o;انترناشيونال داتا كوربوريشن" 4,4 زيتابايت (أي 4,4 مليار تيرابايت)، كابوساً يتهدّد أمن هذا الكم من المعلومات، وتجب محاولة التخلص منه مهما كلّف من ثمن، أو حتّى التقليل من أثره في العام 2015. ربما لهذا بلغت، بحسب صحيفة &laqascii117o;دايلي مايل" النفقات المتراكمة التي تتكلّفها شرطة العاصمة في لندن هذا العام من أجل إبقاء سفارة الإكوادور تحت المراقبة والحراسة المستمرّتين لتجنّب هروب جوليان أسانج منها حوالي 6 ملايين جنيه أسترليني.
المصدر: صحيفة السفير