حلمي موسى
صوّب تعيين يوسي كوهين رئيساً للموساد الأنظار في إسرائيل نحو آلية اتخاذ القرارات في حكومة نتنياهو. والمسألة لا تتعلق فقط بكوهين الذي يعتبره كثيرون المرشح الطبيعي لهذا المنصب، وإنما في المماطلة التي ينتهجها نتنياهو والتردد الذي يبديه تجاه أي من التعيينات أو القرارات الهامة. وهنا تطرح الصحافة الإسرائيلية ما جرى عند تعيين المفتش العام للشرطة وأيضاً التأخير في تعيين &laqascii117o;حامي أسرار" الدولة وهو المسؤول في وزارة الدفاع عن هذه المسألة. وليس صدفة أن هذا السجال يأتي في وقت يحتدم فيه الخلاف أيضاً، وعلى مستوى الشارع والحلبة السياسية، حول صيغة الغاز التي يحاول نتنياهو تمريرها.
وفيما أشار البعض إلى حقيقة أن ثلاثة من بين المناصب الأمنية الأربعة الهامة في إسرائيل (قيادة الشرطة والشاباك والموساد والجيش) صارت بأيدي متدينين ممن يعتمرون القبعة ما يهدّد بالخطر الطابع العلماني للدولة، تحدث آخرون عن نظرية المؤامرة. فالمناصب العليا في إسرائيل هي في الغالب مناصب تعبر عن استقلالية الجهاز في أداء مهمته لمصلحة الدولة بعيداً عن خدمة الحاكم. وهي والأجهزة التي يفترض أنها تخدم الجمهور عموماً ضمن مفهوم واضح للأمن القومي وتتعامل وفق القوانين الملزمة كجهات احترافية تخضع في المطاف الأخير لإمرة المستوى السياسي.
وتختلف إسرائيل الحالية عن إسرائيل العقدين الأول والثاني حينما كانت المؤسسات العامة تخدم المستوى السياسي الحاكم وأحزابه ما ولد الكثير من الفضائح مثل &laqascii117o;فضيحة لافون" والانتقادات السياسية الموجّهة لأول رئيس للموساد، إيسار هارئيل، بخدمة مصالح مباي برئاسة دافيد بن غوريون. ويعتقد كثيرون أن تنامي دور المتدينين في السياسة الإسرائيلية فضلاً عن تنامي دورهم في المؤسسات الأمنية هو ما قاد إلى احتلالهم المناصب العليا، لكن هذا لا ينفي تواجد جماعات الضغط التي دفعت البعض للحديث عن المؤامرة.
ومن الواضح أن أحد العناصر الأهم في اختيار يوسي كوهين لرئاسة الموساد كان قرب آراء هذا الرجل من آراء رئيس الحكومة الإسرائيلية في الشأن الإيراني. ومعروف أن نتنياهو عانى كثيراً من آراء كل من قيادة الموساد في عهدي مئير داغان وتامير باردو المستقلة بشأن إيران، وهو يريد قيادة أقرب إلى تفكيره. وحسب معلقين كثر في إسرائيل فإن نتنياهو اجتمع إلى المرشحين الثلاثة لرئاسة الموساد وجميعهم سبق أن خدموا أو يخدمون في منصب نائب رئيس الموساد وناقشهم جميعاً في الموقف من إيران. ولكن حتى إذا صح ذلك فإن رئاسة جهاز كالموساد لا تسمح لمحتلها بفرض رأيه على الجهاز وإن كان له الحق في التأثير أكثر من سواه. وهذا يعني أن نتنياهو يريد من رئيس الموساد الجديد أن يجرّ الجهاز بكامله نحو تأييد مواقفه.
وهذا ربما ما دفع العديد من المعلقين إلى اعتبار أن الاختبار الحقيقي لكوهين يتمثل في مدى نجاحه في تمييز نفسه عن نتنياهو وعرض مواقف احترافية مستقلة له ولجهازه. ونتنياهو يأمل ممن ترأس له مجلس الأمن القومي وخدمه كمبعوث خاص إلى العديد من قادة العالم، وخصوصاً في المنطقة العربية أن يكون ممثلاً له في الموساد أيضاً. ومع ذلك فإن اعتبارات موضوعية قادت أيضاً لاختيار كوهين أهمها إيمان نتنياهو بقدرة كوهين على تعزيز خطوات سياسية عبر علاقات سرية مع أجهزة استخبارية وحكومات عربية. ويلحظ المعلق الأمني في &laqascii117o;معاريف"، يوسي ميلمان أن نتنياهو يكثر مؤخراً من الحديث عن &laqascii117o;المصالح المشتركة لإسرائيل مع دول مثل مصر والأردن ودول أخرى في الشرق الأوسط ضد إيران. وفي الماضي نشر أن مئير داغان ورئيس الحكومة أولمرت التقوا بمسؤولين سعوديين". كذلك إيمان نتنياهو أن بوسع كوهين تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
وأياً يكن الحال، فإن الموساد في عهد كوهين يواجه وضعاً جديداً أساسه تفكك دول مركزية في المحيط العربي ونشوء وضعية شرذمة من نوع خاص. وواقعياً ينظر معلقون عسكريون إلى حقيقة أن مهمة الجيش الإسرائيلي صارت أشد تعقيداً بالنظر إلى تفكك ما كان يُعرف بالخطر التقليدي الممثل في قوة الجيوش العربية. ونظراً لتشرذم القوة ونشوء ما بات يُعرَف بالقوى دون الدولة حتى تلك التي تمتلك موارد تشبه موارد الدولة، فإن مهمة التصدي لم تعد عسكرية بحتة وصار البعد الاستخباري فيها أكثر ثقلاً من أي وقت مضى.
ومن المؤكد أن أدوار الموساد السابقة ستشهد تغييراً كبيراً بعد أن صارت مهمات الإسرائيليين المباشرة أكثر صعوبة وازداد الاعتماد على الحلفاء المؤقتين أو الدائمين. ومعروف أن الموساد كان يدير في الماضي ما عرف باستراتيجية الأطراف في إدارة تحالفات مع قوى غير عربية تحدّ العرب من كل الجهات (تركيا وإيران وأثيوبيا وأوغندا وما شابه) ولكنه اليوم يدير استراتيجية التعاطي مع العديد من الدول العربية ذاتها. وكان معروفاً قبل اتفاقيات السلام وجود محطات للموساد في دول عربية عدة تشبه &laqascii117o;السفارات الأمنية" التي تنظم وتدير العلاقات السياسية والأمنية مع هذه الدول. وبديهي أن الوضع اليوم أسهل بسبب اعتماد الكثير من أجهزة هذه الدول على العلاقة مع المخابرات المركزية التي تعتبر إسرائيل إحدى أهم ركائزها في المنطقة.
المهم أن الموساد ليس مجرد جهاز استخباري إسرائيلي يؤدي فقط مهام أمنية، إنه أيضاً أشبه بمركز علاقات عامة وسياسية لإسرائيل في المنطقة العربية، ولذلك فإن رئاسته تؤثر جداً في العلاقة مع هذه الدول.
(*) صحيفة السفير