عين على العدو » ثبوت جرائم إسرائيل لا يغيّر سلوكها وحده

حلمي موسى

رغم أن الفلسطينيين يعرفون منذ زمن طويل مقدار العنصرية التي تعاملهم بها إسرائيل فإن العالم لم ينكشف بشكل واسع على جرائم إسرائيل إلا بعد تطور وسائل الاتصال. وكان واضحاً أن شريط فيديو مصوّراً لجندي يطلق النار على رأس مصاب فلسطيني، وهو ممدد على الأرض إلى جانب سيارات إسعاف تمر من جواره ولا تقدّم له الإسعاف اللازم، أقوى من آلاف الصفحات والروايات. فالشريط، بالصوت والصورة، أظهر ليس فعل الجندي وإنما أيضاً ردود أفعال المحيطين به وكان واضحاً أن نزف فلسطيني وبعدها قتله لا يُعتبر من الأمور الهامة.
ويكشف النقاش الذي دار في إسرائيل في أعقاب ذلك على مستوى النفاق الذي يتعامل به الساسة والقادة العسكريون. وواضح أن رد الفعل الأولي المندّد من جانب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كان بشكل أساسي تعبيراً عن الغضب من نشر الشريط وليس من عملية القتل. فقد كان هو بنفسه بين مَن شجّع على أجواء القتل وسيلة لخلق ردع في مواجهة الهبّة الفلسطينية. وهو بين أكثر مَن شجّع حتى المدنيين الإسرائيليين على حمل السلاح للتصدّي لمن يحاول طعنهم.
ووفر نتنياهو، أكثر من غيره، مثالاً جيداً على مستوى النفاق. وفي ظل معرفته بطلب أعضاء كونغرس أميركي من خارجية دولتهم التحقيق في اتهامات بقيام جنود وشرطة إسرائيلية بإعدام فلسطينيين من دون محاكمة، سعى لأن يقول إن الجندي نبت شيطاني وإنه يتعارض مع القيم اليهودية وطهارة السلاح الإسرائيلي. ولكن ما أن سمع الأصوات المؤيدة للجندي حتى غيّر موقفه واتصل هاتفياً بوالد الجندي معرباً عن موقف متفهم.
غير أن المسألة لا تتعلق بنتنياهو وموقفه بقدر ما تتعلق بموقف إسرائيل عموماً من فرية &laqascii117o;طهارة السلاح". فقد أشاعت إسرائيل على مدى عقود وجودها أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وأنها تتعامل بأخلاقية قل نظيرها تجعل جيشها &laqascii117o;الأكثر أخلاقية" في العالم. ورفضت على الدوام الاتهامات بأنها تنتهك حقوق الإنسان أو تمارس جرائم حرب ضد المدنيين والأسرى وتصم كل من يتهمها بالكذب واللاسامية. وفي الأشهر الأخيرة بدأت السلطات الإسرائيلية عموماً بقمع كل مظاهر كشف الجرائم المرتكبة من جانب عسكريين فلاحقت جماعة &laqascii117o;كسر الصمت" وبدأت تصنفهم ضمن باب &laqascii117o;الخونة" في محاولة لإخراجهم عن القانون ومعاقبتهم اجتماعياً.
ومن الوجهة الظاهرية بدا وكأن الجيش والمؤسسة الأمنية، يأخذان موقفاً مغايراً للموقف الشعبي السائد في إسرائيل. فرئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت قال صراحة إن قتل المصاب كان جريمة وسبق له أنه لا يتوقع من جندي أن يفرغ كل رصاص بندقيته في طفلة تحمل مقصاً. كما أن وزير الدفاع موشي يعلون تحدّث عن رفضه دفع الجيش نحو &laqascii117o;البهيمية" من خلال عدم التقيد بأخلاقيات الحرب. ولكن لا كلام آيزنكوت ولا موقف يعلون يغيران من واقع الأمر شيئاً. فهم وضباطهم والجنود يأتون من المجتمع ذاته الذي يرى في قتل العربي &laqascii117o;فريضة".
وقبل أيام نشر المعهد الإسرائيلي للديمقراطية وجامعة تل أبيب أمس نتائج استطلاع أظهر أن 67 في المئة من الجمهور اليهودي يتفق مع ما قاله الحاخام الأكبر لإسرائيل، اسحق يوسف، بأنَّ قتل مخرب يحمل سكيناً يعتبر فريضة، و30 في المئة فقط عارضوا ذلك. ورغم ما يُشاع حول أن هذه النسبة تعكس الواقع الحالي وأن الوضع في الماضي كان أفضل تكشف معطيات كثيرة أن هذا كان، بشكل أو بآخر، الحال دوماً في إسرائيل.
فجرائم الحرب وقتل المدنيين الفلسطينيين موجودان ومعروفان منذ حرب 1948 والتي شهدت فظاعات كثيرة كما حدث في مجازر دير ياسين. وحتى بعد أن استقرّ الوضع للدولة العبرية شارك جنودها في مجازر ضد المدنيين ليس فقط في &laqascii117o;العمليات الثأرية" في غزة وقبية وإنما أيضاً ضد المواطنين العرب في هذه الدولة، كما حدث في كفر قاسم عام 1956. والإسرائيلي عموماً يؤمن بما أعلنه الحاخام أليكيم ليفانون بأن &laqascii117o;تربوا على عقلية عنف ولا يمكن تجاهل ذلك".
يكتب أبراهام بورغ الذي تولى في الماضي منصب رئيس الكنيست أنه لا صحة لمقولة &laqascii117o;الجيش الأكثر أخلاقية" في العالم ويتحدّث عن أن الاستطلاعات تظهر أن نصف الإسرائيليين عنصريون ويقومون بالمطاردة وعنيفون ومتعطشون للدماء وقوميون متطرفون. ويتساءل: اذا كان نصف الشعب هكذا. فهل يعني هذا أن نصف الجيش هو هكذا ايضاً؟ ويعتبر أنه إذا كانت إسرائيل تستند إلى بعد أخلاقي من ناحية فإنها من الناحية الأخرى تستند إلى الدنس. وهي مارست أفعالاً مملوءة &laqascii117o;بنيات مرفوضة وافعال غير اخلاقية وجرائم حرب". وذهب أبعد من ذلك للقول بأنه حتى إذا وافقنا على كليشيهات الصهيونية بأن &laqascii117o;الشعب لا يمكنه أن يكون محتلاً في ارضه" فمنذ متى مسموح لصاحب البيت أن يقوم بتحويل السكان عبيداً؟ أن يسلب حقوقهم الاساسية، حرية التعبير والحركة وحرية الانتظام وحرية التحرر وتقرير المصير؟
في كل الأحوال من الجلي أن الواقع الإقلــــيمي والدولي يُشعران إسرائيل بشكل متزايد أن ادعاء البراءة والطهرانية لم يعد قابلاً للتصديق. فلا يكــــفي للقاتل والمحــــتل والمغتصب أن ينكر عن نفسه الاتهامات خصوصاً عندما تكون مثبتة بالصوت والصورة. ولكن هذه الحقيقة لا تدفع أغلبية الإسرائيليين لتغيير ما في عقولهم وفكرتهم عن أنفسهم وعن العرب. فتغيير العقلية يتطلب وضعاً يضطر فيه الإســــرائيليون لذلك عندما تصــــطدم رؤوسهم بواقع عنيد يجبرهم على الاعتراف به.

 المصدر: صحيفة السفير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد