محمود زيات
اكثر من عبر عن الهزيمة الاسرائيلية في لبنان، والتي تجسدت بافضح صورها في الثاني والعشرين من ايار عام 2000، هم الاسرائيليون انفسهم، ولعل اكثر من بشّر بالهزيمة المدوية، هم جنرالات الحرب الذين بنوا، وعلى مدى اثنين وعشرين عاما، &laqascii117o;جمهورية الرمل" التي سرعان ما انهارت بفعل ضربات المقاومة التي راكمت تضحياتها منذ العام 1982، غداة وصول جحافل العدوان على عمق العاصمة بيروت، وهي ما تزال في تعاظم قوتها وتنامي قدراتها التي تُقلق الاحتلال وجنرالاته.
عشية الذكرى السادسة عشرة لتحرير معظم المناطق الجنوبية التي اراد منها الاحتلال الاسرائيلي ان تكون &laqascii117o;حزاما" امنيا اقامه في آذار العام 1978، يقي الاسرائيليين من الخطر الذي يهدد مستوطناتهم من الفدائيين الفلسطينيين، فكان شريط من القرى والبلدات الجنوبية اشبه بخط دفاع اول للجبهة الشمالية للكيان الاسرائيلي، وهي تمثل الجليل الفلسطيني المحتل، المتاخم لجنوب لبنان، اطلق مجموعة من جنرالات الحرب الاسرائيليين ومن ضمنهم من كان يتولى مراكز حساسة في اجهزة الامن والاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، جملة من المعطيات والوقائع والحقائق، تؤكد عمق الهزيمة التي لحقت بهم، وقد عملت القيادة السياسية في الكيان الاسرائيلي على خط الامم المتحدة للتسويق بان الانسحاب الاسرائيلي جاء كترجمة حقيقية لتنفيذ القرار الدولي رقم 425 الصادر غداة الغزو الاسرائيلي لجنوب الليطاني في آذار العام 1978، وبالفعل، صدرت مواقف عن امين عام الامم المتحدة، تعطي &laqascii117o;صك مصداقية" للاسرائيليين بالتزامهم في القرارات الدولية، وهي مواقف ربطت ما بين الانسحاب الاسرائيلي والقرار الدولي، ولو بعد اثنين وعشرين عاما على صدوره.
تغطية الهزيمة... بالقرار 425
بعد ست عشرة سنة، ماذا يقول جنرالات الحرب عن هزيمة ايار العام 2000؟
الرئيس السابق لشعبة العمليات العسكرية في الجيش الاسرائيلي اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند الذي رئس مجلس الأمن القومي، وهو المجلس الذي ساهم في صناعة قرار الهروب من الجنوب اللبناني، اطلق اعترافه بالهزيمة الاسرائيلية في جنوب لبنان ، وقال ان &laqascii117o;حزب الله" هو من فرض علينا شكل وتوقيت الانسحاب من لبنان في ايار العام 2000، وان رؤية الجيش الاسرائيلي كانت تقضي بالبقاء داخل الاراضي اللبنانية في حزام امني بعرض كيلو متر واحد، والابقاء على السيطرة على التلال المشرفة، لكن الانهيار السريع والتفكك الذي اصاب ميليشيا انطوان لحد ( المتعاملة مع الاحتلال الاسرائيلي)، و&laqascii117o;احتلال" &laqascii117o;حزب الله" لمواقع هذه الميليشيات فرض التعجيل بالانسحاب من لبنان ليلة 23 أيار.
وخلال مقابلة مع اذاعة العدو اجريت في ذكرى &laqascii117o;الانسحاب" الاسرائيلي من جنوب لبنان، يقول الجنرال الاسرائيلي..ان إحدى العبر المستخلصة من هذه العملية هو أنه عندما قال رئيس الحكومة آنذاك أيهود باراك بالخروج الأحادي الجانب من لبنان، وعندما تحدث الجيش الإسرائيلي أيضًا عن الخروج الأحادي الجانب كانا يقصدان أمرين مختلفين، لقد قال الجيش الاسرائيلي إن هناك ضغطًا شعبيًا للخروج من لبنان، ونحن بدلاً من أن نكون داخل الحزام الأمني في لبنان الذي يتراوح عمقه بين 10 و 15 كلم، يمكننا الخروج إلى خط أقرب للحدود مسافته كيلومتر واحد، لكن سنبقى حتى الآن في لبنان في نفس المناطق المُشرفة وسنواصل تنفيذ العمليات العسكرية في لبنان كما في السابق وسنواصل تعزيز حليفنا &laqascii117o;جيش لبنان الجنوبي"، وسنواصل نشاطاتنا لكن في شريط ضيّق، هذا ما فهمه الجيش الاسرائيلي ورئيس هيئة الأركان العامة الجنرال شاؤول موفاز.
حزب الله هو من فرض مغادرتنا لبنان
وفي محاولة للتخفيف من التأثيرات العسكرية لعمليات المقاومة التي شنت حرب استنزاف لقوات الاحتلال، على امتداد المنطقة الجغرافية التي خضعت للاحتلال، يقول الجنرال الصهيوني لقد كان هاجس المستوى السياسي... الشرعية الدولية، وكانت مبرراته أنه إن كنا سننسحب إلى خط الحدود بين لبنان وإسرائيل فهذه إشارة إلى أننا خرجنا من لبنان ونفذنا قرار مجلس الأمن 425 وبهذا تكون إسرائيل قد حصلت على شرعية عامة وشرعية للعمل في لبنان في حال تمت مهاجمتها، أما في الواقع، فقد اختلف تفسير مفهوم الانسحاب الاحادي الجانب، وصولاً الى التصادم بين المستويين السياسي والعسكري في الأسابيع الممتدة بين بداية آذار وبداية أيار.
واشار آيلاند الى أن &laqascii117o;الجيش الاسرائيلي أخرج بشكل خاص الاسلحة الثقيلة، وكان مستعدًا بشكل كامل للانسحاب في اللحظة التي يُتخذ فيها قرار نهائي وتنفيذه في غضون أيام، ولكن واقعًا في الـ22 من أيار، حتى تلك اللحظة لم يكن ينوي الجيش الخروج من لبنان، زعم يقول.. كنا ننوي الخروج من لبنان بعد شهر، في نهاية حزيران، ولكن ما حصل هو أن &laqascii117o;جيش لبنان الجنوبي" الذي أدرك أننا نتخلى عنه، وهذا هو أحد الأثمان الباهظة لهذه العملية، بدأ في الواقع بالتفكك، وتفككه أدى إلى وضع سيطر فيه &laqascii117o;حزب الله" على مواقع تركها &laqascii117o;جيش لبنان الجنوبي"، وحتى بعد ظهر الثالث والعشرين من أيار عقد اجتماع مقلّص جدًا في مقر القيادة اللوائية &laqascii117o;شوميرا" في القطاع الغربي من الحدود اللبنانية، شارك فيه رئيس الحكومة باراك، رئيس هيئة الأركان العامة موفاز، والألوية قائد المنطقة الشمالية غابي أشكينازي، ورئيس أمان عاموس مالكا، وأنا بصفتي رئيس شعبة العمليات، وعرض غابي أشكنازي للمستوى السياسي بصورة حادة وصحيحة الاحتمالات القائمة وقال هناك احتمالان: إن كنت ترغب بأن لا نخرج الآن من لبنان، إن كنت تريد أن نبقى هناك عدة أسابيع بشكل خاص لاستكمال العملية السياسية، ليس لدي مشكلة في فعل هذا، لكني بحاجة لأن أجنّد الآن ما يقارب ثلاثة ألوية من الجيش، وهناك ثلاثة ألوية احتياط ندخلها إلى لبنان وبإمكاننا أن نبقى هناك بالقدر الذي نريده. هذا الاحتمال الأول، لكن ستكون لدينا مشكلة فيما بعد إذ كيف سنفسر أسباب القيام بهذه الخطوة ثم بعدها بعدة أسابيع نتراجع. الاحتمال الثاني يضيف اشكنازي كما ينقل آيلند دعنا نأخذ بداية مغادرتنا التي ليس نحن من فرضها بل &laqascii117o;حزب الله" هو من فرضها، لكن دعونا نستغلها وندفع العملية ونخرج غدًا مساءً،" ويقول آيلند &laqascii117o;ان النقاش كان حادًّا وإشكاليًا ومشحونًا للغاية وفي نهاية المطاف اتُّخذ القرار هناك، وبرأيي صحيح للغاية، بعدم محاولة تمديد الوقت لعدة أسابيع والخروج من لبنان".
كلما... كان &laqascii117o;حزب الله" يتعاظم أكثر
وعن تقييمه للفترة التي تلت تحرير الجنوب في العام 2000، وحتى عدوان تموز العام 2006، يقول: على الرغم من أنني كنت من بين أولئك الأشخاص في هيئة الأركان العامة الذين عارضوا الخروج الأحادي الجانب من لبنان وأعتقد أن من وجهة نظر صحيحة علينا الاعتراف بأن هذا القرار كان صائبًا، لا أعتقد بأن إسرائيل كانت ستربح المزيد من بقائها لعدة سنوات أخرى في جنوب لبنان. أما عن حرب لبنان الثانية في العام 2006، فقال: أنّنا أخطأنا في عدد غير قليل من الأمور المرتبطة بتصرفنا كدولة بين عام 2000 و2006 والتي سمحت لـ &laqascii117o;حزب الله" ربما بزيادة جرأته وبفعل ما قام به، وبالمناسبة حرب لبنان الثانية كانت حربًا غير ناجحة من جوانب عدة وأعتقد بأننا أدرناها بشكل غير صحيح.
في موازاة ذلك، قال قائد ما يسمى &laqascii117o;فرقة لبنان" وقائد وحدة الارتباط مع لبنان (من العام 1989 وحتى العام 1994) العميد احتياط غيورا عنبار، في حديث له مع إذاعة العدو ، إن النقاش هو حول صوابية الانسحاب من لبنان عام 2000 وخصوصًا على ضوء ما نراه اليوم،..أنا كنت مؤيّدًا للانسحاب الاحادي الجانب من داخل مكان محبط جدا، لقد قُدت قواتٍ في لبنان، من الجيش الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي (الذي قاده العميل انطوان لحد) ومدنيين أيضًا، ورأيت أنّ التواجد داخل المنطقة الأمنية لا يعطينا أيّ إمتياز، وكلّما عمّقنا التوغل والقتال، فإنّ حزب الله أخذ بالتعاظم أكثر، لقد وجدنا أنفسنا نتعاطى مع قتال يومي في جنوب لبنان مع وجود إشكالية في الدفاع عن قوّة كبيرة إلى هذا الحد هناك، معترفا ان الجيش الاسرائيلي لم يتمكن من ان يوفر الامن للسكان، ويقول.. حتى حينما كنا ننجح في النشاط العملاني ونهاجم قواعد لـ &laqascii117o;مخربين" ونقتلهم، فانه فورا بعدها كانوا يطلقون صواريخ &laqascii117o;الكاتيوشا" على المستوطنات الاسرائيلية في الشمال (المتاخم لجنوب لبنان)، وكانت الحياة تتوقّف هناك، وقسم من المستوطنات كان سكّانها يهجرونها ويتوجّهون جنوباً (نحو العمق الفلسطيني المحتل)، وكانت تسقط إصابات وسط المدنيين، ورأيت أنّه توجد حقًّا علاقة عكسية بين ما يُسمّى &laqascii117o;نجاح عسكري" للنشاطات العملانية على الأرض وبين تنفيذ المهمّة التي هي توفير الهدوء على الحدود.
المصدر: جريدة الديار