حلمي موسى
لامس نائب رئيس الأركان الإسرائيلي، الجنرال يائير غولان، العصب الأكثر حساسيّة في المجتمع الإسرائيلي عندما حذّر من تنامي مظاهر تشبه تلك التي كانت في ألمانيا النازيّة قبل سبعين وثمانين عاماً. وما كاد ينطق بهذا الكلام، حتى انطلقت ضدّه أكبر جوقة من قادة اليمين، مطالبةً إيّاه حيناً بالاعتذار، وداعيةً الحكومة حينا آخر إلى إقالته من منصبه. وأثار كلام غولان سجالاً حاداً شارك فيه رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو الذي وصف الكلام بأنّه &laqascii117o;تبخيس" من قيمة المحرقة وذكراها.
وتحت ضغط هائل من جانب نتنياهو الذي خاض سجالاً حادًّا مع وزير الدفاع موشي يعلون الداعم لغولان، اضطرّ نائب رئيس الأركان لتفسير موقفه، موضحاً أنّه لم يقصد التشبيه بين ما يجري في إسرائيل والنازيّة. ولكن التوضيح لم يكن كافياً، على الأقل بالنسبة إلى نتنياهو، الذي يواجه مشاكل داخل حكومته وفي معسكر اليمين، ولا يستطيع إبداء اتّزان في محيطٍ مجنون. ورأى البعض في إعلان نتنياهو من جديد إدانته لكلام غولان وتشديده على أنَّ هذا الكلام إهانة لذكرى المحرقة، مجرّد توجيه بتشديد الهجوم على الضابط.
وواضح أنَّ إسرائيل تشهد في الأشهر الأخيرة، مظهراً جديداً أساسه التنافس بين المستويَين السياسي والعسكري على تحديد منظومة القيم في المجتمع الإسرائيلي. ويتذكّر كثيرون الحملة التي شنّها اليمين على رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت، حينما اعتبر أنَّ &laqascii117o;إفراغ مخزن رشّاش في جسد طفلة تحمل مقصاً، لا يعتبر بطولة". وقد ناقض قوله هذا، دعوةَ كبار المسؤولين الإسرائيليّين المستوطنين إلى حمل أسلحتهم حتى داخل المدن الإسرائيليّة، لمواجهة حالات الطعن والدهس. وبعد ذلك، جاء الخلاف حول الموقف من الجندي الذي أطلق النار على رأس جريح فلسطيني في الخليل، إذ اعتبر قادة في الجيش، وكذلك وزير الدفاع موشي يعلون، أنَّ هذه جريمة وعملاً بهيمياً. وانطلقت تظاهرات في إسرائيل حضرها سياسيون من اليمين، تندّد بتصريحات العسكريّين ضدّ الجندي القاتل.
وجاءت أقوال غولان لتفتح أوسع جرح عندما حذّر من المظاهر النازيّة في السلوك الإسرائيلي. وكان يقصد الدعوات العنصريّة للفصل في المستشفيات والقتل على الهويّة، الذي تمارسه عصابات استيطانيّة، كما جرى مع الشهيد محمد أبو خضير أو القتل الجماعي، كما حدث مع حرق عائلة الدوابشة، والقائمة تطول. ولكنّ هذا التحذير يتناقض مع تصوّر الإسرائيلي عن نفسه، حيث هو عنوان الطهارة و &laqascii117o;نور للأغيار"، وهو الفريد في كونه ضحيّة لا تشبه أيّ ضحيّة. ولذلك، فإنَّ الجنون أصاب قادة اليمين عند مقارنة أفعال بعضهم بأفعال النازيين، ما يقود إلى اعتبار ضحاياهم كسراً لفرادة كونهم ضحايا.
وما إن أنهى نتنياهو في مستهلّ جلسة حكومته الأسبوعيّة إدانته لغولان، حتّى طالبت وزيرة الثقافة، ميري ريغف، بإقالته. وقالت: &laqascii117o;لا يجوز أن يكون نائب رئيس الأركان، جزءا من حملة نزع الشرعيّة عن إسرائيل، وأن يُلقي في خطاب رسمي كلاماً يضرّ بإسرائيل وصورتها ومنعتها. مهمّة نائب رئيس الأركان الاهتمام بجاهزية الجيش وإعداده للحرب، وليس بترداد أقوال كاذبة وتشبيه مواطني الدولة بالنازيين. لقد تخطّى كل حدّ وعليه الاستقالة".
وكان الوزير الليكودي، أوفير أكونيس، قد اعتبر أنَّ أقوال غولان &laqascii117o;بائسة وتلحق ضرراً هائلاً بالدعاية الإسرائيليّة في كل أرجاء العالم"، وطالبه بالاعتذار الصريح والتراجع عن التشبيه &laqascii117o;المخيف والبعيد عن الواقع". أمّا الوزير يوفال شتاينتس، فحمل على غولان قائلاً: &laqascii117o;لو أنَّ ضابطاً برتبة عميد تحدّث على هذا النحو، لطُرد فوراً من الجيش".
ونال غولان التأييد من بعض أوساط المعارضة، خصوصاً من &laqascii117o;المعسكر الصهيوني"، إذ قال زعيمه، اسحق هرتسوغ، إنَّ &laqascii117o;محاولة بثّ الذعر وإسكات قادة الجيش، أمر خطير وغير مسبوق". وفي نظره، فإنَّ نائب رئيس الأركان &laqascii117o;تحدّث عن ظواهر مريضة في المجتمع الإسرائيلي، وأوضح أنّه لم يشبّه ما يجري بالنظام النازي. إنَّ حملات المستوى السياسي مسلّحة بناطقين ورجال علاقات عامة ضدّ ضابط لا يستطيع أن يردّ، مثيرة للغضب وغير مناسبة".
أمَّا عضو الكنيست، شيلي يحيموفيتش، من &laqascii117o;المعسكر الصهيوني"، فحملت أيضاً على نتنياهو، وقالت إنَّ &laqascii117o;مُبخِّس المحرقة الأشدّ فظاظة نتنياهو، يتجرّأ على اتّهام نائب رئيس الأركان بالتبخيس. إنّه الجمل الذي لا يرى سنامته. وهو يسكن بيتاً من زجاج ويمتلك الوقاحة والبرودة".
ولاحظ المعلّق الحزبي، يوسي فيرتر، أنَّ نتنياهو بدلاً من مداواة الجروح، نفّذ في غولان عمليّة &laqascii117o;تأكيد قتل". وأوضح أنَّ نتنياهو بحاجة إلى مثل هذا الموقف، لأنّه يغازل اليمين المتطرّف من جهة، ويريد تأديب الضبّاط وإشعارهم بأنَّ كل من لا يرقص على لحنه مشبوه ومهدّد بالملاحقة.
ونظراً لأنَّ غولان لا يستطيع الردّ على رئيس الحكومة لأنّه في سلك العسكريّة، انبرت والدته، وهي ناجية من النازيّة لتدافع عن ابنها. وقالت راحيل غولان، إنَّ ابنها على حقّ، وإنَّ من يهاجمونه جهلة وربّما يكون ائتلاف نتنياهو هو من دفع رئيس الحكومة لقول ما قاله عن ابنها. وأضافت أنّه أَولى بالحكومة أن تقيل ميري ريغف التي طالبت بإقالة الجنرال غولان. وأوضحت أنَّ من يهاجمون ابنها &laqascii117o;يدورون حوله من أجل أن لا يتمّ الحديث عن فشلهم في الجرف الصامد. أنا لست سياسيّة، ولكن يبدو لي أنَّ كل ما يجري لعبة سياسيّة".
ودافع كثيرون عن غولان في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. لكن بين أبرز المدافعين عنه كانت سيما كدمون في &laqascii117o;يديعوت"، والتي اعتبرت نتنياهو &laqascii117o;بطلاً في التحريض". وكتبت: &laqascii117o;لا أتذكّر رئيس وزراء وظّف هذا القدر الكبير من وقته ليدخل في شقاق، ويشعل النار ويبثّ الكراهية مثلما يفعل نتنياهو. وحتى في الأماكن التي يمكنه أن يتجاوز فيها الأمر، يتجاهل، يضبط نفسه، يهدأ ويبدي سيماء رسميّة ـ ينجذب إلى المعمعان، نحو الجمر المشتعل، نحو اللظى. ولا يهم إذا كان هذا سياسياً من اليسار، لواء في الجيش أو مجرّد مفكر يتجرأ على الإعراب عن موقف يختلف عن ذاك الذي وجد تعبيراً له في صفحة الرسائل لليكود".
المصدر: صحيفة السفير