حلمي موسى
منذ توسيع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لحكومته وضم أفيغدور ليبرمان وزيراً للدفاع فيها أثيرت سيناريوهات كثيرة حول الوجهة التي يسعى لإدارة دفته نحوها. البعض سارع لاعتبار ذلك تخندقاً في مواقع اليمين وترهيباً للأسرة الدولية من مخاطر عدوانية جديدة وعلى قاعدة تجنبوا شرّي. وآخرون رأوا أن الأمر لا يتعدّى محاولة من نتنياهو للبقاء في ظل المخاطر التي تتهدّده في ائتلاف النصف زائداً واحداً وفي ظل وجود منافس لا يكل اسمه &laqascii117o;البيت اليهودي" بزعامة نفتالي بينت. ولكن كان هناك مَن تقبّل التلميحات بأن نتنياهو يعمل من أجل إبرام تسوية إقليمية وعلى قاعدة التحالف مع &laqascii117o;المحور السني" في الساحة العربية.
ورغم أن لكل واحدة من السيناريوهات السابقة مبرراتها إلا أن أشد ما أثار الجدل والسجال هو التلميحات بأن نتنياهو يعمل من أجل تسوية إقليمية. فالمشككون في ذلك يرون أن نتنياهو لا يحمل في داخله أي قناعة بتغيير المواقف التي دأب على إعلانها طوال الوقت في أوساطه اليمينية المتطرفة والتي تعبّر عن رؤيته الأيديولوجية بأنه لا جدوى من الحوار مع العرب وأن السلام هو ما يفرض بالقوة وليس ما ينتج عن المفاوضات. ويرفض هؤلاء فكرة أن وجود ليبرمان في الحكومة يساعد على تحقيق السلام مع العرب لأنه في داخل الحكومة يكون أقل شغباً وأكثر ميلاً لتسهيل مجريات تسوية كهذه. ويضيف هؤلاء أن ليبرمان ونتنياهو وجهان لعملة واحدة وأنها الأكثر قرباً لبعضهما حتى رغم تصريحات هنا وهناك عن استعداد لتسويات إقليمية.
فليبرمان طوال تاريخه كان يسعى لأن يغرس في الذهن صورة المدافع الذي يحمل الهراوة والذي لا يتهيّب من اعتبار الآخرين له &laqascii117o;أزعر الحي" بل يتمنى هذه الصورة. وكذلك الحال، بشكل أكثر تهذيباً، مع نتنياهو الذي تبنى ولكن بخطابية أرقى مذهب اسحق شامير الرافض مبدأ الأرض مقابل السلام والمنادي بمبدأ السلام مقابل السلام.
ومع ذلك كان يمكن فهم تلميح نتنياهو برغبته في تحقيق تسوية إقليمية مع &laqascii117o;المحور السني" لو أنه فعلاً نجح في اجتذاب تسيبي ليفني أو حتى اسحق هرتسوغ. فمثل هذين ينظر إليهما في النظام الرسمي العربي على أنهما مقبولان للحوار الذي قد يقود إلى نتيجة. ولكن الأمر مع ليبرمان يحتاج إلى الكثير من الزيوت لجعله قابلاً للابتلاع ولكن من دون جدوى. غير أن مَن يقبل بمنطق نتنياهو عن التلميح باستعداد للتسوية الإقليمية، يؤمن أن هذا ممكن ولكن شرط أن لا يصل إلى الغاية المرجوة.
فنتنياهو تعلّم من أسلافه أن ما جعلهم ناجحين في كسب التأييد الدولي لم يكن سعيهم الحثيث لتحقيق السلام وإنما تظاهرهم بالاستعداد لذلك. وخلافاً لاسحق شامير الذي نادى بمفاوضات إلى الأبد، عمل كل من اسحق رابين وشمعون بيريز وإيهود باراك وإيهود أولمرت وتسيبي ليفني على محاولة عرض أفكار تكون أقل مما يمكن للفلسطينيين أو العرب قبولها. ومرات عديدة، كما في كامب ديفيد، وبمعونة من &laqascii117o;الراعي الأميركي" كانت تسهل إثارة الغموض حول الجهة التي رفضت التقدّم إلى الأمام وتحقيق التسوية. وفي النهاية كانت إسرائيل هي الرابحة من مثل هذ الغموض.
ورغم إيمان نتنياهو أن المبادرة الفرنسية لن تقود إلى شيء فإنه أدرك أنه إذا تعامل معها فإن ذلك سيغيّر صورة التعاطي القائمة مع المسألة حتى الآن. إذ أن المبادرة الفرنسية تعني خروج القضية تماماً من الأيادي الأميركية إلى أيادٍ دولية ليس لإسرائيل قدرة كبيرة على التحكم في قراراتها. وكان مزعجاً من وجهة نظره التطورات في الموقف الأوروبي ضد الاستيطان وتزايد الاعتراف بفلسطين كدولة وتأييد المطالب الفلسطينية في المحافل الدولية. وبدا واضحاً أن الرباعية الدولية صارت أقرب إلى الموقف الأوروبي منها إلى الموقف الأميركي ولأن هذا التوجّه كان يتعارض مع ما صار يلمسه من تسامح من جانب بعض الدول العربية فأكثر نتنياهو والناطقون باسمه مؤخراً من مطالبة أوروبا بالتعامل مع إسرائيل كما تتعامل معها دول عربية رئيسية.
حينها صار ادعاء قبول ما أطلقت عليه تسمية &laqascii117o;المبادرة المصرية" ثقالة في مواجهة المبادرة الفرنسية. بل إن نتنياهو وليبرمان ذهبا أبعد من ذلك إلى حد التغزل ببعض جوانب المبادرة العربية والمطالبة بتعديلها في إطار ما اعتبراه خلق أرضية للحوار ليس بعيداً في باريس وإنما في المنطقة ذاتها وعلى قاعدة المفاوضات المباشرة. واعتقدا أن ذلك يمكن أن يدفع الدول العربية &laqascii117o;المعتدلة" إلى الوقوف في وجه المبادرة الفرنسية، إن لم يكن علناً فعلى الأقل سراً. لكن وبسبب عدم جدية نتنياهو وليبرمان في التجاوب لا مع &laqascii117o;المبادرة المصرية" ولا مع المبادرة العربية كان لافتاً الغضب الذي أبداه ليس فقط المصريون والسعوديون وإنما الأميركيون أنفسهم.
لقد ذهب الأميركيون نحو المبادرة الفرنسية، محاولين التأثير عليها وتلطيفها لصالح إسرائيل، ولكن من دون المسّ بالنقطة الجوهرية وهي تحويل رعاية المفاوضات من أميركية إلى دولية. وربما لهذا السبب اعتبر معلقون إسرائيليون أنه لا ينبغي لنتنياهو أن يفرح جراء اعتدال البيان الختامي للقاء وزراء الخارجية في باريس، لأن ما جرى هناك ليس سوى البداية. والمطروح حالياً وقبل تشرين الثاني المقبل ليس فقط المبادرة الفرنسية وإنما أيضاً خطوة أميركية وهذا ما لا يريده نتنياهو وليبرمان. إنه التسونامي السياسي الذي يتخوّفان منه والذي سبق لإيهود باراك وآخرين أن حذروا منه.
المصدر: صحيفة السفير