حلمي موسى
يشن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مؤخرا حملة إعلامية مكثفة تهدف، وفق كل التقديرات، إلى كسب الإعلام إلى جانبه. وتبدو هذه الحملة بشكل غامض في ضوء انعدام اليقين بشأن أهدافها الحقيقية من جهة وفي ضوء الاتهامات المكثفة ضده بالسعي للسيطرة على وسائل الإعلام. وقد بلغ الأمر بالعديد من الساسة والمفكرين للقول بأن نتنياهو يذهب بإسرائيل نحو نمط جديد من الديكتاتورية جراء تشجيعه لأنصاره من رجال الأعمال لامتلاك وسائل الإعلام وتوجيهها. ويعرض كثيرون بشكل أساسي لنموذج صحيفة &laqascii117o;إسرائيل اليوم" التي أنشأها الملياردير اليهودي الأميركي اليميني المتطرف شلدون أدلسون والتي لا غاية لها سوى خدمة نتنياهو وأفكاره.
ويؤمن نتنياهو، كما يرى المعلّق في &laqascii117o;هآرتس" آري شافييت، أن &laqascii117o;قناعة نتنياهو هي قناعة والده، بن تسيون، وهي أن الواقع هو ساحة للصدام الدارويني بين القوى، بحيث إن القوي يبقى والضعيف يختفي. القيم والمشاعر والأدب ليس لها أي أهمية. اذا كنت قوياً فالجميع يريدون التقرب منك حتى لو لم يحبّوك. واذا كنت غير قوي فهم يغرسون سكيناً في ظهرك، حتى لو أحبّوك. إن المفتاح الوحيد للبقاء هو القوة، القوة، القوة".
ومع ذلك يبدو أن نتنياهو يعاني من مشاكل لا تقلّ أهمية عن رغبته في السيطرة على وسائل الإعلام. فهناك نوع من الضجر ضده ليس فقط في صفوف الجمهور الإسرائيلي عموماً ولا حتى في صفوف اليمين وإنما أيضاً داخل حزبه. وقد عانى الليكود في الأعوام الأخيرة من صراعات كان نتنياهو طرفاً فيها قادت إلى إخراج العديد من قادته من صفوفه وآخرهم وزير الدفاع موشي يعلون. وقد سبقه إلى الخروج من الليكود الرجل الثاني، جدعون ساعر، الذي خرج في &laqascii117o;إجازة سياسية" يعتقد كثيرون أنه سيعود منها بدويٍّ كبير.
ويرى المعلّق الأمني في &laqascii117o;هآرتس"، أمير أورن أن &laqascii117o;نقطة الغليان الجماهيرية التي ملّت نتنياهو، ايضاً داخل الليكود، ترتبط الآن بسرعة عمل الجهاز القانوني، الذي يفحص ويحقّق ويدّعي. البند الفوري: مسوّدة لائحة الاتهام في الخديعة ضد زوجته سارة، حسب توصية الشرطة التي انتقلت من نائبة منطقة القدس نوريت لتمان الى نائب الدولة شاي نتسان، من أجل أخذ موافقته قبل موافقة المستشار افيحاي مندلبليت. إن محاكمة سارة ستزعزع العائلة والحكومة.
وفي الأيام الأخيرة نشب صراع عنيف بين نتنياهو والرجل القوي في مركز الليكود، وزير المواصلات والبنى الاستراتيجية، إسرائيل كاتس. ولاحظ كثيرون أن تزايد حدة الصراع في الليكود يشير إلى تنامي درجة التنافس لخلافة نتنياهو وهو على رأس عمله ما يمهد للإطاحة به وهو ما يخشاه حقاً. ورغم نجاح نتنياهو في تمرير ميزانية لعامين في الحكومة واحتمال نجاحه في تمريرها في الكنيست إلا أن ذلك لم يمنع الكثيرين من الاعتقاد بأن ولايته تقترب من النهاية. والأمر لا يتعلق فقط بحجم الخصوم خارج ائتلافه وإنما أساساً جراء تركيز الصراع ضده داخل معسكره اليميني تحديداً.
وفي الآونة الأخيرة طفا على سطح الحياة السياسية تحدٍّ كبير لنتنياهو. وهذا التحدي جاءه على وجه الخصوص من رجلين كانا إلى وقت قريب عنوان الأمن في الدولة العبرية، أحدهما وزير الدفاع السابق موشي يعلون الذي يرفض منطق التخويف الذي ينتهجه نتنياهو لكسب التأييد، والثاني رئيس الحكومة ووزير الدفاع الأسبق إيهود باراك الذي اتهم نتنياهو علناً بتعريض أمن إسرائيل للخطر.
وفي إطار سعيه للعودة إلى الحياة السياسية منافساً لنتنياهو على زعامة الدولة العبرية أعلن يعلون مؤخراً أنه &laqascii117o;ينبغي على القيادة الوطنية الكفّ عن تخويف المواطنين. فإسرائيل هي الدولة الأقوى في المنطقة ومؤسستها الأمنية، بأذرعها المختلفة، وبمقتليها المتفانين، هي أجهزة نوعية متطوّرة وشديدة القوة". وفي إشارة واضحة إلى تحرّره من الوهم بقدرات نتنياهو قال إنه &laqascii117o;مع مرور السنين فهمت بأنه من أجل قيادة إسرائيل إلى القمة مطلوب زعامة. مطلوب شجاعة لاتخاذ القرارات، ليس العمل من أجل البقاء الذاتي أو الحفاظ على الكرسي وعدم عمل ذلك من خلال التحريض، الشقاق، التقسيم والتخويف، أن تقود لا أن تُقاد. أن تبادر لا أن تنجرّ. الزعامة الوطنية هي القدرة على اتخاذ القرارات، الصعبة احياناً وغير الشعبية. معرفة كيفية القطع كما يُقال، والقيادة حسب الضمير وليس حسب مهب الريح. معرفة السير أحياناً ضد التيار، وموجة التحليلات أو الحماسة في الشبكات الاجتماعية. من السهل على المرء أن يفقد رأسه، فيتذبذب وينجرّ الى مطارح متطرفة ـ هذه ليست زعامة وطنية".
ولكن الضربة الأمنية الأقوى جاءت لنتنياهو من باراك الذي أعلن أن نتنياهو يراهن أو يقامر بأمن إسرائيل. وكان باراك حذر في الماضي من أن نتنياهو يهدم المشروع الصهيوني برمّته، ولكنه هذه المرة قال إن سلوك نتنياهو مع أميركا ليس فقط يجعل إسرائيل تخسر مليارات الشواقل وإنما أيضاً قد تخسر صناعاتها العسكرية. واعتبر أن نتنياهو دخل في مشادة خاسرة مع الرئيس الأميركي فخسرت إسرائيل إجماع الحزبين الأميركيين على تأييدها وأكد أن ثمن ذلك باهظ وأن هذا خطأ &laqascii117o;لا يمكن غفرانه". ولم يتوقف عند ذلك بل أضاف أن نتنياهو يجمع بسلوكه بين العجز عن تشخيص المصالح الحيوية لإسرائيل وانعدام استيعاب إمكانيات التعاون مع أميركا. وفي نظره قاد هذا إلى &laqascii117o;انكشاف مقلق جداً لإسرائيل أمام تحد أمني مركزي".
وواضح أن اجتماع الكثير من الإسرائيليين على رفض نتنياهو يُنذر بنهاية مدوّية له. لا أحد يعرف إن كانت هذه النهاية ستكون عبر التحقيقات التي تُجريها الشرطة الإسرائيلية واتهامات بالفساد، أم بقوة المعارضين له داخل الحلبة السياسية.
المصدر: جريدة السفير