حسام إبراهيم(*) كشف تحليل مضمون 'كيفي' للتقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية، وتحديداً الأمريكية والبريطانية عن هجمات سيناء الإرهابية الأخيرة، عن أن هناك نمطاً عاماً يسيطر على تغطيات تلك التقارير، هذا النمط يعكس تبني رواية محددة عن تلك الهجمات والتطورات الأخيرة التي شهدتها مصر والتي تواكبت مع حلول الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو، هذه الرواية تتبلور في ستة اتجاهات تنطلق من الحديث عن أن مصر دولة غير مستقرة وأنها مرشحة لعدم الاستقرار في الفترة القادمة، فضلا عن استمرار نقد السياسات التي يتبناها النظام المصري في التعامل مع الموقف وخاصة زيادة الإجراءات القمعية وتضييق هامش الحريات العامة، وهو ما يعكس تبني أجندة سياسية مسبقة تجاه القاهرة مرتبطة بتفاعلات لحظة ما بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في منتصف عام 2013 دون متابعة تحولات الداخل المصري بعد ذلك.
الاتجاهات الحاكمةيكشف تحليل تقارير صحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست وول ستريت جورنال ويو أس توداي وكريستين ساسينس مونيتور وفاينشيال تايمز والجارديان والاندبندبنت وتليجراف، وموقعي Daily Beast وبلومبرج الإخباريين، وشبكات C.N.N وNBC و CBS s و PBSالاخبارية، واذاعات B.B.C وصوت أمريكا وNational Pascii117blic Radio، خلال الفترة من من 29 يونيو إلي 4 يوليو 2015، عن ستة اتجاهات تحكم التغطية الإعلامية عن مصر، تتمثل في:
1- نشر أرقام غير دقيقة: كشف مسار الأحداث بعد نهاية يوم الهجمات الموافق 1 يوليو الجاري عن أن الموجة الأولي من التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية نشرت أرقاماً غير دقيقة عن عدد شهداء القوات المسلحة والقتلى من مسلحي التنظيمات المتطرفة، وكانت وكالتي الاسوشيتدبرس ورويترز قد نشرا أرقاماً تتحدث عن سقوط من 50-65 شهيداً من القوات المسلحة ونحو 35 من المسلحين. وقد نقلت بعض وسائل الإعلام الأمريكية عن وكالة الاسوشيتدبرس، وكان لافتاً للنظر أن الوكالة نسبت في تقاريرها عدد الشهداء الجيش إلى مصادر أمنية مصرية لم تحددها.
2- استخدام مصطلحات سياسية متحيزة: التحليل الدقيق لمضمون تقارير وسائل الإعلام الغربية عن هجمات سيناء، يكشف عن أنها لا تستخدم كلمة أو مصطلح الإرهاب أو الإرهابيين في توصيفها لما يحدث والقائمين علي تنفيذ هذه الهجمات، ولكنها تستخدم مصلح تمرد جهاد Jihadist Insascii117rgency أو مصطلح تمرد للمسلحين الجهاديين Islamic Militants Insascii117rgency.
3- رواية عدم الاستقرار 'المستدام': وظفت وسائل الإعلام الغربية هجمات سيناء في الحديث عن عدم الاستقرار والعنف الذى تشهده مصر، ورددت بشكل مغلوط مقولات من قبيل أن النظام لم يستطع تحقيق الاستقرار والأمن الذى وعد به، وأنه يفقد سيطرته على الوضع، وفي سياق ترديد تلك المقولة أعادت وسائل الإعلام تكرار ما تنشره بشكل مستمر عن أن النظام يتبني نهجاً سلطوياً ويمارس قمعاً ضد قوى المعارضة، فضلاً عن تكرار الربط بين ما يحدث وثورة 30 يونيو، والقول بأن ما يجري في مصر يرجع إلى الإطاحة بنظام الإخوان ودفعهم للعنف.
4- التشكيك في وجود علاقة بين الإخوان والعنف: تتبني وسائل الإعلام الغربية نهجاً يشكك في موقف الدولة المصرية والرأي العام الذي يربط بين الإخوان وأحداث العنف في مصر، وإتصالاً بأحداث سيناء شكك الإعلام الغربي في وجود علاقة بين الإخوان والهجمات، استناداً إلى موقف تنظيم بيت المقدس، والذي أصبح لاحقاً تنظيم ولاية سيناء الذى يري في الإخوان طرف مناقض ومختلف عن التنظيم، واللافت أن وسائل الإعلام الغربية تستبعد في تغطيتها فرضية وجود إمكانية لتحالفات مؤقتة بين الإخوان والتنظيمات المتطرفة في سيناء.
5- مقارنة متصاعدة للأوضاع الإقليمية: علي خلفية هجمات سيناء بدأت تتصاعد نبرة المقارنة بين الأوضاع في مصر والعراق وسوريا، ففي هذا الصدد أشارت بعض التقارير إلى أن هجمات سيناء التي شنها تنظيم ولاية سيناء المنتمي لداعش، تتشابه في طبيعتها مع أسلوب عمليات التنظيم في العراق وسوريا، وليست مثل الهجمات التي كانت تحدث في السابق في سيناء، وأشارت إلى أن تلك الهجمات تمثل تغيراً كبيراً في مسار ما يحدث خاصة في ظل تعقد التقنيات والآليات التي تم تنفيذ الهجمات من خلالها.
6- نقد سياسات الحكومة المصرية: ارتكزت انتقادات وسائل الإعلام الغربية للسياسات التي تتبنها الحكومة المصرية علي ثلاثة محاور، الأول يتعلق بسياسات التعامل الأمني مع الوضع في شمال سيناء وتهميشها وعدم تنميتها، وزعمت بعض التقارير الإعلامية أن ذلك يسهل علي التنظيمات المتطرفة تجنيد عناصر من أهالي سيناء، والثاني يتعلق بعدم وجود إستراتيجية واضحة للتعامل مع التنظيمات المتطرفة في سيناء، واستمرارية التعامل بالأساليب النمطية والتقليدية في مواجهة الإرهاب، والتي لم تتطور بقدر تطور عمل التنظيمات المتطرفة، والثالث يتعلق بالإجراءات التي أعلنتها الحكومة عن تعديلات في قوانين مكافحة الإرهاب، حيث ترى وسائل الإعلام الغربية أن تلك التعديلات لن تمنع الهجمات الإرهابية.. كما أنها ستعطي فرصة لمزيد من تشديد الإجراءات القمعية في مصر.
مصادر التشكيلالرواية التي يتم ترديدها في وسائل الإعلام الغربية عن مصر باتجاهاتها الستة، يتم تشكيلها عبر أربعة مصادر رئيسية، تشمل:
1- الخبراء الليبراليين: تستند وسائل الإعلام الغربية خاصة الأمريكية في حديثها عن تردي الأوضاع الأمنية وتراجع هامش الحريات في مصر إلي رصد آراء وتحليلات خبراء من المتخصصين في شئون المنطقة ذوي التوجهات الليبرالية، منهم ميشل دن الخبيرة بمؤسسة كارنيجي، وشادي حميد الخبير بمعهد بروكينجز الدوحة.
2- المتخصصين الأمنيين: في مقارنة الأوضاع في سيناء بالوضع في العراق وسوريا اعتمدت وسائل الإعلام الغربية علي آراء وتصريحات ثلاثة خبراء ذوي خلفيات مهنية أمنية مختلفة، أحدهم زميل باحثين بأحد المعاهد البحثية بجامعة تل أبيب، ومدير أحد مجموعات تحليل المخاطر الأمنية ومقرها لندن، وخبير أمني يدير شركة للاستشارات عن الأمن في الخليج.
3- الصحفيين المحليين: نقلت تقارير الإعلان الغربي تصريحات بعض الصحفيين المصريين المحليين المقيمين في الشيخ زويد، خاصة في متابعتها لتطورات الأحداث، والذين يتخذون موقفا مناهضا لنظام الحكم الحالي لأسباب مختلفة.
4- المناهضين للدولة: جزء من تغطيات وسائل الإعلام الغربية ركزت على نقل ما أثارته مواقع التنظيمات المتطرفة في سيناء، خاصة تنظيم ولاية سيناء عن تطورات الأحداث، وكذلك نقل ما أثارته مواقع الإخوان خاصة البيان الذي أصدرته الجماعة بعض تصفية قوات الأمن لخلية 6 أكتوبر.
تحجيم الضررنمط تغطيات وسائل الإعلام الغربية لهجمات سيناء والأحداث الأخيرة في مصر يكشف عن استمرارها في تبني نفس الموقف من الوضع في مصر منذ ثورة 30 يونيو، وأن هذا الموقف لم يطرأ عليه تغير، فما زالت رواية عدم استقرار مصر مسيطرة، ويتم التركيز عليها بكثافة مع كل حدث جديد، وأن وسائل الإعلام الغربية تري في مصر حالة نموذجية لتكثيف الهجوم ضد الدولة المصرية التي تواجه إرهابا يتصاعد في الإقليم.
وفي ضوء ذلك يظل السؤال المحوري، ما هو حجم الضرر الذي تسببه الرواية التي تثيرها وسائل الإعلام الغربية عن الوضع في مصر بشكل عام وسيناء بشكل خاص، وهل هناك ضرورة للتعامل مع هذا الضرر والتحرك لتحجيمه أم تستمر الدولة في خوض المعركة دون الاهتمام بما يثيره الإعلام الغربي. وأي ما يكون الأمر، فإن قرار التعامل مع الإعلام الغربي من عدم تحديدها المصلحة القومية، وإذا اقتضت تلك المصلحة ذلك، فمن الضروري تطوير إستراتيجية تحرك للتعامل مع التوجهات التي يتبناها هذا الإعلام، ويمكن الإشارة إلى الخطوط العريضة لتلك الإستراتيجية علي النحو التالي:
1- طرح رواية مضادة: الإعلام الغربي يردد رواية عن عدم الاستقرار في مصر، يجب أن تطرح الدولة رواية مضادة تركز علي أنه بغض النظر عن الإحداث الأخيرة فهناك تراجع لمعدلات العنف في مصر، كما أن هناك مؤشرات علي تحسن في الأداء الاقتصادي بشهادة البنك الدولي ومؤسسات التمويل الدولية.
2- تبني رسالة واضحة: تعمد وسائل الإعلام الغربية إلى تصوير ما يحدث في مصر على أنه معركة بين النظام والإخوان، هذا الطرح يختزل الموقف الذى تواجه الدولة المصرية، فمصر توجه حرباً ضد الفاشية الدينية والإخوان جزء رئيسي من هذه الفاشية.
3- انتهاج أسلوب مختلف: مع سرعة تلاحق الإحداث، وفي ظل تبني وسائل الإعلام الغربية لمواقف مسبقة من الوضع في مصر، من المهم تبني أسلوب مختلف في التعامل الإعلامي مع الأحداث، يبدأ بضرورة سرعة التحرك واتخاذ زمام المبادرة الإعلامية من خلال طرح الحقائق والبيانات، فجزء من الإرباك الذي أحدثته وكالات الإنباء الغربية في تغطيتها لهجمات سيناء نتج عن عدم سرعة تدفق المعلومات من المصادر الرسمية، وفي إطار هذا الأسلوب من الضروري أيضاً إتاحة تواصل المراسلين الأجانب المقيمين في القاهرة مع المسئولين المختصين بمتابعة الأحداث.
(*) باحث أول متخصص في الشئون السياسية الأمريكيةالمصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية