هالة حمصي
بالطبع، لم تحترم كلياً الصحف ووسائل #الاعلام اللبنانية التزاماته الـ'ميثاق الشرف الاعلامي لتعزيز السلم الاهلي' الذي أُطلِق رسميًّا في 25 حزيران 2013، ووافقت عليه، كأن المغريات والمصالح،على اختلاف انواعها، اقوى من اي التزام او ميثاق. في الكلام البحثي الرصين، 'لا تحريض دينيا مباشرا، بل هناك خطاب إعلامي اتهامي ذات ابعاد سياسية ومذهبية'. وفي الكلام الصريح، 'يوظف' اعلام في لبنان الخطاب الديني 'عند اي مؤشر سلبي او ايجابي'...و'تتغيراستخداماته له تبعًا لمتطلبات صاحب الخطاب'.
البداية من الاشكالية، مرورا بالمقاربة النظرية والتحليل الكمي والمضمون، وصولا الى اشكال التوظيف. كل اوجه 'التحريض الديني وخطاب الكراهية' تمعنتفيها 'مؤسسة مهارات' في دراسة اجرتها بالتعاون مع 'برنامج الأمم المتحدة الإنمائي'، واعلنت نتائجها اليوم في مؤتمر صحافي عقدته في فندق'راديسون بلو مارتينيز' في عين المريسة. وتولى خلاله العرض الدكتور جورج صدقة.
64 صفحة، 14,331 كلمة تكوّن متن الدراسة، مع ارقام ونسب ورصد بالامثلة والتواريخ والتصاريح والنماذج. صح. غاب 'التحريض الديني المباشر' في وسائل الاعلام. لكن 'ظهرت خطابات تحريضية في عناوين التغطيات الاعلامية،وتوزّعت بين الاذاعات (9%)، والصحف (12%)، والتلفزيونات (14%)'، تقول الدراسة.'نظرا الى الحدثين الرئيسيين اللذين تركزت التغطيات عليهما خلال الدراسة، تبيّن ان النسبة الكبرى في المضامينذات النبرة الاتهامية تستهدف #حزب_الله وارتباطاته ومواقفه الاقليمية (عبر شخص الامين العام السيد حسن #نصرالله او ايران او الحوثيين ايضا). وسجلت في الصحف نسبة 72%، وفي التلفزيون 50% وفي الاذاعة 62%. وفي الجهة المقابلة، طاولت التغطيات الاعلامية ذات النبرة الاتهامية السعودية بنسبة كبيرة، وآل سعود و'المستقبل' كتيار سياسي وشخص الرئيس سعد الحريري بنسبة أقل'.
كذلك، تلاحظ الدراسة ان 'الملف اللبناني استحوذ على اعلى نسبة عناوين اتهامية في الصحف (65.3%)، ونشرات الاخبار التلفزيونية (50%)، والعناوين الاخبارية الاذاعية الاتهامية (59%)'. اما الملف الثاني، فكان الشأن اليمني 'بمعدل 27% في الصحف، و40% في نشرات الاخبار التلفزيونية، و31% في العناوين الاخبارية الاذاعية'. النتائج تظهر صراحة ان 'انعكاسات الاحداث والانزلاق الى التحريض واضحةتبعاًلاصطفاف وسائل الاعلام. فالخطاب الاتهامي (60%) تركز في 5 صحف من 11 رُصِدت، وفي محطتين تلفزيونيتين من 7، وفي اذاعتين من 8،بحيث حضّرت وسائل الاعلام العدة، وراحت تؤوِّل الاحداث، وتوصف الافرقاء، وتسقط على الاحداث ما تتمنى، فتؤجج المشاعر الدينية وترسخ رفض الآخر...'.
ما حفّز الدراسة الثانية، وما انطلقت منه حققته: 'تبيان ما اذا كان هناك تحريض ديني في وسائل الاعلام اللبنانية الموقعة لميثاق الشرف الاعلامي لتعزيز السلم الاهلي الذي اطلق رسميا في 25 حزيران 2013. رصد تمظهرات هذا التحريض في حال وجوده.الاشارة الى اتجاهات وسائل الاعلام ومواقفها في شكل رئيسي من التزام احترام كل الاديانوالتمنع عن اثارة النعرات الطائفية والمذهبية والتعصب الدينيوالسعي او الاستجابة الى التحريض وفقا لنص المادة الثانية من الميثاق'.
في قراءة للمشهد، 'حاولت وسائل الاعلام التزام الميثاق'، يقول احد المشاركين في اعداد الدراسة المحامي طوني مخايل لـ'النهار'. ويتدارك: 'في جوانب، كان هناك التزام لديها. لكن ثمة مؤشرات الى اناحترام الميثاق لم يكن كليا، اذ كان ملاحظا ان مصالح لدى وسائل اعلام حملتها على الانزلاق في اجندات محددة. ثمة اصطفافات سياسية للخط التحريري في وسائل الاعلام، مما يجردها من موضوعيتها، ويجعلها تتبنى الخط السياسي للحزب او التيار او الشخص الذي تتبعه وتروج لمواقفه على حساب الموضوعية والرأي والرأي الآخر او خطاب التدئهة واللا عنفي... وهذا الامر بات معروفا'.
نقطة اخرى هي 'التمويل'،والمسألة اساسية. ويقول مخايل: 'وسائل الاعلام ليست مستقلة على صعيد الموارد المالية. وهذه المشكلة اساسية. والدولة لا تعزز مناخ الاعلام المستقل، اذ واجبها ان تدعم وسائل الاعلام ماليا، كي لا تضطر الاخيرة الى اللجوء الى احزاب او تيارات معينة للحصول على تمويل لها كي تستمر في عملها'.
جملة 'خلاصات في رصد المضمون والرصد الكمي' تتوّجها الدراسة بـ7 توصيات: 'تفعيل الميثاق عبر ابتعاد الاعلام عن الخطاب التحريضي او نقل اي خطاب يؤجج مشاعر الكراهية او استخدام التعابير الحادة. ضرورة وضع استراتيجية لوسائل الاعلام في التعامل مع الخطاب الديني التحريضي او الايديولوجيات المتطرفة. اعادة بناء الثقة بالممارسات الخطابية اليومية في الاعلام عبر الابتعاد عن التأجيج والسعي الى كتابة اقرب الى التهدئة من خلال الالتصاق بالوقائع التي تساعد في مقاربة الموضوعية. تحاشي التراشق الكلامي... والابتعاد عن الكتابة العنيفة والتصعيد... الافادة من الحوار وابعاد التداول بمضامين الشحن المذهبي، والدعوة الى الحوار عند الازمة. العمل على تحفيز الفكر النقدي في الاعلام عبر توسيع افق المعالجات واعطاء مساحة للمثقف للتحفيز على التعمق في المعالجة'.
ما تسعى اليه الدراسة، 'ليس توجيه اصابع الاتهام'، يقول مخايل، بل تقديم 'صورة عن جزء من المشهد الاعلامي او الاضاءة عليه، واصدار توصيات بعيدا من اي اتهامات او تهجم'. ويضيف: 'لدرساتنا اهداف وابعاد بحثية واكاديمية اساساً. ويمكن ان يكون لها تأثير على وسائل الاعلام، وعلينا ان نقيس هذا التأثير في مراحل لاحقة. ولكن لا بد من يكون لها تأثير في اماكن عدة'.
دراسة 'التحريض الديني وخطاب الكراهية'هي الثانية لـ'مهارات' من 5 دراسات تطلقها بالتعاون مع مشروع 'بناء السلام في لبنان' التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 2015. وتتناول الدراسات اللاحقة 'العنف المصور في الاعلام'،'المبادرات الايجابية'، و'برامج التوك شو' وما تسوّقه من قيم ومفاهيم.
المصدر: صحيفة النهار