مصطفى العويك
حوادث أمنية وتفجيرات تتسابق وسائل الإعلام اللبنانية لتغطيتها، فتنقل مشاهد مؤلمة وصوراً دموية، أما الحوادث التي حصلت في فرنسا، فتعامل معها الإعلام بطريقة مختلفة.
في تفجير برج البراجنة هلع الناس من مناظر الجثث المرمية في الشارع، شاهدوا على شاشات التلفزيون خلال نقلها الخبر صوتاً وصورة من ميدان التفجير، مشاهد الدم وصيحات المواطنين الذين تحلقوا حول المراسلين. وراح الاعلام اللبناني يتسابق على اظهار صور الجثث والجرحى، ولاحق اهاليهم وهم يدخلون المستشفيات ويخرجون منها للحصول منهم على تصريح يحدث 'ضجة' اعلامية. وهذا التسابق على نقل الخبر، لا هدف له سوى تسجيل السبق الاعلامي.
أما في الحدث الإرهابي الثاني الذي طال الابرياء في باريس، فكان الوضع مختلفاً كلياً، القنوات الفرنسية تنقل الخبر عن بعد مئات الامتار من دون اي صورة لجريح او لشهيد، حتى يكاد المتابع يسأل عن مكان اخفاء هؤلاء. فقط تستضيف من يحلل التفجير بأبعاده السياسية والامنية وتأثيراته الخارجية على فرنسا. فلا تصريحات، لا بيانات، لا كاميرات تلاحق الجرحى وتسألهم عن شعورهم وكيفية حدوث التفجير.
هذا الاختلاف في التعامل مع الحوادث الأمنية بين بيروت وباريس، يعيده مدير كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية ـ فرع طرابلس، الدكتور غسان الخالد في حديث لـ'النهار' الى بعدين: 'الاول له علاقة بالذهنية السائدة في مجتمعاتنا العربية التي تنتج القيم الجماعية، وفي اطارها يتراكض الناس في محاولة للمساعدة ولو كلفهم ذلك حياتهم، في حين ان في الغرب يتأثرون من بعد ويتفاعلون انسانياً ولا يقدمون على خطوات غير محسوبة، وهذا ما يدرج في اطار الفردية وهو نتاج القيم السائدة هناك'.
اما البعد الثاني وفق الخالد، 'فيتمثل بكيفية تعاطي الاعلام مع الموضوع، ففي الوقت الذي تجد فيه الإعلام الفرنسي متجاوباً مع السلطات الامنية لا بل متكاتفاً معها، يتسابق بعض الاعلام عندنا الى صب الزيت على النار بهدف السبق الصحافي، والغالب في بلادنا ولأسباب ايديولوجية لها علاقة بالصراع السياسي، يعمد بعض وسائل الاعلام الى نشر الصور المرعبة والمشاهد المثيرة للعواطف الإنسانية بغية التأجيج والتجييش الايديولوجي الذي يوظف في هذه الصراعات '.
اما من ناحية القراءة النفسية لهذا التعارض بين تصرف المواطن اللبناني والمواطن الفرنسي بإزاء التفجير، فتقول استاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية الدكتورة رشا تدمري لـ'النهار'، 'ان عرض مشاهد تفجير بيروت في شكل عدواني صريح لا يحتمل الضمنية، ومخاطبة خيال المشاهد في توقع الحوادث والمشاهد الدموية في تفجير باريس، يمكن تحليله من الناحية النفسيّة في ضوء نظريّة العدوان ـ الإحباط frascii117stration- aggression لرائديها 'دولر وميللر' اللذين يفترضان أنّ السّلوك العدواني نتيجة طبيعيّة وحتميّة للاحباط، فطريقة تعاطي الاعلام اللبناني مع المشاهد الدمويّة هي وجه من أوجه العدوان الناتج عن الشعور بالإحباط بسبب تكرّر الحوادث الأليمة وعدم القدرة على صدّها ومواجهتها. ويتأثّر العدوان، وفق هذه النظريّة، بعدد الخبرات الباعثة على الإحباط، والعلاقة بين هذه الخبرات، والعدوان علاقة طرديّة تتأثّر بدورها بمتغيّراتٍ ثلاثة متداخلة؛ أوّلها قوّة المثير الباعث على الإحباط ويتجسّد في الحادثة الأخيرة في قوّة التفجيرين المتلاحقين، وثانيها إعاقة الاستجابة، وثالثها تكرار الاستجابة المُحْبِطة، أي غياب أي ضمان بعدم تكرار هذه الحوادث. كلّ ذلك يُشكّل عنصراً مسبّباً لتفشّي العدوان الصريح في تعاطي وسائل الاعلام مع الحوادث المُفجِعة، فنجدها تعرض كلّ ما تلتقطه الكاميرا من دون حذف أو غَرْبَلة، فبات الإعلام وسيلة للتنفيس العدوانيّ الذي يسعى إلى إفراغ الشحنة الانفعاليّة الآتية من الإحباط'.
وتضيف تدمري: 'أما في الإعلام الأوروبي، فالواقع مختلف، حالة الإحباط لم تطفو بعد، خصوصاً في ظلّ تأمين الدولة معظم الحاجات الأساسيّة والثانويّة للشعب، وعلى الرّغم من أنّ العدوان هو سلوكٌ غرائزيّ ـ وفقا لنظرية التحليل النفسي ـ إلا أنّ أفراد المجتمع الغربي يستخدمون حيلاً ووسائل دفاعيّة واستبداليّة، فنجدها إما تتسامى به فتنفّسه في أعمال فنيّة أوما شابه، أو تعتمد حيلة الكبت بهدف الحفاظ على التوازن النفسي'.
المصدر: صحيفة النهار