صحيفة دايلي ستار اللبنانية الخميس:27-3-2008
كتابة: مايكل يونغ
ترجمة خاصة بموقع "الراصد الإعلامي" استمعنا مؤخرا إلى الأمين العام لحزب الله ، السيد حسن نصر الله ، يتناول موضوعا عزيزا على الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. هو شيء على هذا المنوال ، ولأقتبس من خطاب نصر الله الاثنين الماضي خلال إحياء ذكرى عماد مغنية، رئيس عمليات حزب الله : " بقي هناك سؤال بعده لا يوجد سؤال هل يمكن أن تزول إسرائيل من الوجود في يوم ما ؟ نعم .... يمكن ان تزول إسرائيل من الوجود. ".
كثيرا ما أشار نصر الله إلى تبخر إسرائيل في نهاية المطاف. في عام 1992 ، بعد تعيينه رئيسا لحزب الله ،وصف نصر الله إستراتيجية الحزب الطويلة الأمد على أنها "القتال ضد إسرائيل وتحرير القدس ، كما اقترح الإمام الخميني، أي القضاء على إسرائيل كدولة".
يمكن للمرء أن يناقش بإسهاب مزايا أو عيوب هذا التعهد. ولكن السؤال الأكثر إثارة للاهتمام، على الأقل في هذه فترة، بين الفكر والممارسة وبين الوعد والوفاء ، هو ما إذا كان نصر الله نفسه يؤمن بما يقول. حينئذ نسأل ماذا يخبرنا هذا عن الحركات الإسلامية المسلحة ، في جوار إسرائيل.
أولا ، هل يؤمن نصر الله؟ يبدو الجواب واضحا. نادرا ما ينطق السيد بعبارة لا يقتبسها المحللون بحزم ليعلموننا انه يقول ما يعني ويعني ما يقول. وبالتأكيد يمكن للمرء ان يجد استثناءات عديدة لهذه القاعدة ، خاصة عندما يتحدث نصر الله في خطابه عن أمور السياسة الداخلية اللبنانية الزلقة. ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل ، حيث الخطوط أكثر وضوحا، فإن نصر الله يعني حقا ما يقول ، وهو يقوله بقدر كبير من التماسك منذ فترة طويلة.
على سبيل المثال ، ففي مقابلة مع صحيفة الوحدة الإسلامية في شباط / فبراير 1989 ، وعندما لم يكن سوى قائد ميداني في حزب الله، علق نصر الله بالقول : "إن المستقبل هو مستقبل حرب ضد إسرائيل ، وليس تسوية؛ إن الخط الذي يتبعه ياسر عرفات لن يؤدي به إلا إلى باب مغلق، وسيأتي اليوم الذي ستصبح فيه الحرب والقضاء على إسرائيل هي الخيارات الوحيدة ".
( لخلاصه تصريحات نصر الله المترجمة إلى الإنكليزية ، اقرأ "صوت حزب الله: تصريحات السيد حسن نصر الله" الذي لا غنى عنه، تحرير نيكولاس نيو.)
لماذا يعد هذا الموضوع مهما؟ لأنه وعلى مر السنين مال الأكاديميون والمحللون والصحافيون ، وغيرهم ، ولاسيما الغربيون منهم ، الذين يكتبون عن الجماعات الإسلامية المتشددة، إلى نزع مواقفهم ورغباتهم الليبرالية عن هذه الجماعات ، وإساءة فهم نواياهم و تجاهل إلى حد كبير ما تقوله هذه الجماعات عن نفسها. حيث أن معظم هؤلاء المراقبين ، لا يمكنهم حقا فهم الأصل الشمولي في أهداف ولغة الإسلاميين المسلحين ، الشمولية بمعنى ملاحقة الفكرة الكاملة، الكاملة في طهارتها ، إنهم لا يمكن ان يتقبلوا أن الفكرة الشاملة يمكن أن تكون تنبؤية أيضا. ففي حين أن نصر الله وقادة حماس سوف يكررون أن القضاء على إسرائيل هو شبه واجب ديني، عندها سوف يفكر المراقب الغربي المتعاطف، الذي لا يمكن يتقبل مفهوم الإطاحة بالآخر، برقة أكبر أي ب"المساومة" الحسنة النية. ، وسوف يجادلون أن حماس وحزب الله واقعيان ، لذلك فان تصريحاتهم وأفعالهم ليست سوى رافعة لتحقيق غايات سياسية محددة والتي فور بلوغها ، ستسمح بالعودة إلى التوازن المتناسق.
لقد قدمت هذه الحجة من دون كلل وهي بشكل ممل على غير صلة بالموضوع.فلم يقترح أحد بجدية أن حزب الله وحماس ليسوا واقعيين.ولكن يمكن للمرء أن يكون واقعياً في الوسائل وليس في الغايات. إن الواقعية هي إلزامية في السعي لفكرة مطلقة ومتابعة ما يميز تلك الفكرة. لقد أجاب بول بيرمان في مقالته "الرعب والليبرالية" إجابة جزئية عن ذلك من خلال الاستشهاد بكتابات بالكاتب الفرنسي "ألبرت قامو" الذي لاحظ أن الثورة الفرنسية والقرن التاسع عشر أنتجوا نزعة حديثة وهي التمرد.وقال بيرمان أن هذه النزعة"تحولت إلى فرقة دينية أعجبت بالموت. والمثالي يبقى دائماً مثالياً. فلم يكن هناك أي شك أو ريبة, إنه مفهوم الإذعان.. لديهم مثل أعلى واحد بدلاً من التعددية. مثلهم شبيه لله أو شيء كهذا.الدولة الواحدة ,المذهب الأوحد والحركة الواحدة.
أن حزب الله وحماس هم أنفسهم نتاج التمرد- التمرد على ما اعتقدوا وما زالوا يعتقدون أنه فاسد- النظام السياسي في لبنان أو في فلسطين أو حتى في الشرق الأوسط بشكل عام. لقد دفعتهم هذه النزعة بطبيعة الحال إلى إنكار أي شيء يتجسد بالنظام الجائر المزعوم. إن القوة الدافعة كانت الخضوع للسعي وراء مجرد فكرة, وهذا يصب في جوهر الإسلام, وبالفعل هذا يظهر المعنى الحقيقي للإسلام المبني على الخضوع الكلي لله. نصر الله نادراً ما يستخدم مصطلحات دينية, ولكن الطريقة التي يستعملها في تنظيم أفكاره وأرائه تعكس طريقة تفكيره الدينية العميقة.
الشيء الوحيد الذي لا يزال يربك المراقبين في الخارج هو كيفية وصول حزب الله وحماس إلى الوضع الذي هم عليه الآن "إسلاميين قوميين". فالنزعة القومية بدأت أساساً كفكرة غربية, مرجعيتها شيء ملموس كالأرض وليس "هرمجدون", فالكاتب الغربي يستشهد بشيء يخصه كما يفعل الإسلاميون, وسيستعمل المصطلحات القومية الحديثة ليصف أفعالهم. لقد حرر حزب الله الجنوب اللبناني, وحماس تحاول أن تفعل الشيء نفسه بفلسطين, فأهدافهم لا تختلف عن أهداف أولئك الوطنيين الشجعان في كل مكان والذين يحاربون الاحتلال. لقد أطل مؤخراً البروفسير الأمريكي نورمان فينكلستين على التلفاز اللبناني ليقارن بين حزب الله و الجيش الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية, وآخرين كحماس وجبهة التحرير الوطني في الجزائر؟ لكن ما لن يدركه المراقبون هو انه ليس بالضرورة أن تتنحى القومية للدين؛ مرارا وتكرارا لقد تقدم الاثنان جنبا إلى جنب، حتى في الأماكن المستبعدة. فلنأخذ الشيوعيين الملحدين الفيتناميين المعترف بهم، على سبيل المثال. ألم يصلّوا على مذبح العلمانية الشيوعية، حتى كان انتصارهم القومي جزءا من حركة تاريخية أسمى نحو ألفيه لا طبقية؟ وللسبب نفسه، عندما تصف حماس أرض فلسطين بأنها هبة من الله (وفي هذا يتفقون مع أعداءهم، الصهاينة المتدينين)، ألا يكون ساذجا جدا، أن نفترض أن رفض الفريق الاعتراف بإسرائيل هو مجرد ذريعة لتعزيز موقفه لكامب ديفيد ثاني أو ثالث؟
على المرء أن يكون دقيقا في قراءة بيانات الجماعات الإسلامية -- أو أي مجموعة سياسية في هذا الشأن. إن مرونة التكتيكات تؤثر كثيرا. عندما يجادل نصر الله انه سيواصل التفاوض مع إسرائيل من أجل الإفراج عن الأسرى العرب ، فإنه يستبدل مشروعه الطويل الأمد للتعجيل في زوال إسرائيل لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل. وفي نهاية المطاف ، فإن حزب الله قد يفشل في إزالة إسرائيل، لكن إن ما يقوله حزب الله وحماس عن أنفسهما، وطريقة تحديد تطلعاتهما ، هو ما يحدد تصرفاتهما. إن أي تجاهل او إعادة تفسير من قبل المراقبين الخارجيين لأقوالهم بغية تبرير ضعف شخصي لإغراءات هذه الجماعات الثورية هو تحليليا عديم الفائدة وتمحور حول الذات على حد سواء.