صحيفة الشرق الأوسط
سعد بن طفلة
كانت ندوة رائعة تلك التي نظمتها مؤسسة جائزة عبد العزيز البابطين في الكويت الأسبوع الماضي، دعي للندوة ثلة من خبراء الإعلام وكبار الإعلاميين في العالم. وتمحورت حول دور الإعلام في تجسير الحوار بين الثقافات، وترددت ـ كالعادة في مثل هذه الأنشطة ـ عبارات &laqascii117o;تحسين صورة العرب والمسلمين" في العالم ودور الإعلام في تنفيذ هذه المهمة، كما تكررت سيناريوهات لتشويه صور العرب ـ هي في الغالب صحيحة، لكنها لا تقتصر على دور الإعلام الغربي في تشويه صورة العرب، بل حتى دوره في تشويه صورة ثقافات وشعوب أخرى، ودور الإعلام العربي في تكريس نظرة فوقية تجاه ثقافات وأديان الآخرين.
وقد دار في هذه الندوة ثلاثة اتجاهات حول الدور الحقيقي للإعلام ـ من عدمه ـ في قدرته على خلق الحوار بين الحضارات وإيصال &laqascii117o;الصورة الحقيقية" للعرب والمسلمين.
تحدثت في الندوة الخبيرة الإعلامية الفرنسية &laqascii117o;فيرجيني ساندروك" قائلة إن الإعلام لا يستطيع أن يصل لكل الحقيقة دوما، وضربت مثلا على تجربتها في تغطية أحداث أفغانستان، وكيف أن الوصول إلى موقع الحدث كان شبه مستحل، إما خوفا من طالبان، أو منعا من قبل الأمريكان، وبالتالي فمن غير الممكن توقع قدرة الإعلام على نقل الأشياء بكل دقة وصدق.
الصحافي البريطاني المخضرم ـ مايكل بنيون ـ كان له وجهة نظر أخرى، حيث قال إن عدم نقل وجهة النظر العربية قد يكون سببها العرب أنفسهم، وذكر كيف كانت إجابة مسؤول في البي بي سي عن نقل المحطة وتغطيتها لصواريخ القسام التي تطلقها حماس على سديروت، بينما &laqascii117o;تجاهلت" المحطة مذابح الفلسطينيين بالطائرات الإسرائيلية، فوافق المسؤول مردفا: لأنه ببساطة لا يوجد مراسل للبي بي سي في غزة، بينما يوجد أكثر من مراسل للمحطة في إسرائيل، والسبب أن مراسلنا ـ ألان جونستون ـ اختطف في غزة العام الماضي وبقي مختطفا من قبل عصابات فلسطينية، وبالكاد أطلقنا سراحه حيا يرزق، وبالطبع لم نرسل بديلا له لأن الوضع هناك أصبح أسوأ مما كان ولن نخاطر بأرواح مراسلينا.
وأضاف بنيون أن من المشاكل التي يواجهها الإعلامي الغربي الذي يريد نقل وجهة نظر عربية حول مسألة ما هي مسألة الرقابة، ومسألة الوصول إلى من يعبر وجهة نظر عربية ـ وبالذات الرسمية، حيث يواجه المراسل بصحيفة أو راديو أو تلفزيون برد من مكاتب المسؤولين العرب بأن المسؤول سيرد عليك بكره أو سيقابلك غدا، ومن البديهي القول إن أحداث وأخبار اليوم تصبح &laqascii117o;بايته" بكره، والصحيفة المطبوعة لن تنتظر حتى الغد قبل أن تبدأ مطابعها بالدوران &laqascii117o;كرمال عيون المسؤول".
اتهم بعض المشاركين العرب زملاءهم الغربيين بالتحيز واللاموضوعية، بل وبالخضوع للرقابة. وقد كان يمكن &laqascii117o;هضم" تهمتي اللاموضوعية والانحياز، ولكن اتهام العرب للآخرين بالخضوع للرقابة &laqascii117o;قوية شويه"، فنحن الإعلاميين العرب نعرف حدودنا، ونعرف متى نتوقف، وندرك ما يدور في صحفنا من رقباء في الخفاء وآخرين في العلن. كما أن وزراء إعلامنا التقوا بالأمس القريب في القاهرة وتوصلوا إلى &laqascii117o;قرارات" رقابية على وسائل الإعلام العربية وطالبوا الإعلاميين بالالتزام بها. أي أننا آخر من يتذمر من الرقابة لدى إعلام الآخرين.
&laqascii117o;الإرهاب وسيلة من وسائل الحوار والاتصال"، هكذا جادل الصحفي الأمريكي المعروف تشارلز ديكي المشارك في هذه الندوة، وعدد نماذج لإرهاب ارتكبته حكومات عربية ضد أخرى لإيصال رسائل مختلفة، وفسر إرهاب القاعدة وغيرها كمحاولات يائسة للاتصال بالآخر وإيصال رسائل له...
سيبقى الإعلام والإعلاميون هدفا للوم حين تضيق مساحات الحوار، ولكنهم يشكلون أملا ومعينا لا ينضب في خلق حالة الحوار واستمرار التواصل والاتصال بين أطراف متباعدة.