أعلنت إيران، أمس، استئناف أنشطة تخصيب يورانيوم كانت مجمّدة، في إجراء يأتي غداة انتهاء المهلة التي حددتها لشركائها في الاتفاق النووي الذي وُقّع في فيينا، لكي تساعدها في الالتفاف على عواقب انسحاب الولايات المتحدة بشكل أحادي من الاتفاق النووي، عام 2018. وخلال المراحل الثلاث الأولى من ردّها على الانسحاب الاميركي من الاتفاق، بدأت إيران بإنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق الحد الوارد في النص، والبالغة 3,67 %، وتجاوزت حد الـ300 كلغ لمخزون اليورانيوم الضعيف التخصيب الذي يفرضه الاتفاق، كما شغّلت أجهزة طرد مركزي متطوّرة. ومن هذا المنطلق، أعلنت الجمهورية الإسلامية، أول من أمس، أنها سرّعت بشكل كبير وتيرة إنتاج اليورانيوم الضعيف التخصيب، خلال الشهرين الماضيين، وباتت تحصل حالياً على 5 كلغ في اليوم من تلك المادة.
وفي خطاب ألقاه لمناسبة افتتاح مصنع «الحرية» للإبداع، صرّح الرئيس الإيراني حسن روحاني، أمس، بأن إيران ستستأنف أنشطتها لتخصيب اليورانيوم في مصنع فوردو على مسافة حوالى 180 كلم إلى الجنوب من طهران، بعدما جمّدتها بموجب الاتفاق النووي.
وذكّر روحاني بأن إيران لديها بموجب الاتفاق في مفاعل فوردو 1044 جهازاً للطرد المركزي من الجيل الأول «آي آر 1» «تدور من دون ضخ الغاز فيها». وقال: «اليوم، سوف أطلب من منظمة الطاقة الذرية (الإيرانية) أن تبدأ بضخ الغاز في هذه الأجهزة»، مضيفاً: «سنتخذ الخطوة الرابعة والجديدة غداً». لكنه لفت، في الوقت ذاته، إلى أن «نشاطاتنا النووية الجديدة تتم أيضاً بإشراف ومراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى النشاط الذي سنبدأه غداً». من جهة أخرى، أمهل روحاني الدول التي لا تزال ملتزمة باتفاق فيينا (الصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا وألمانيا)، بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، شهرين إضافيين لتلبية مطالب إيران، وإلا فستتخلى بلاده عن المزيد من الالتزامات. وأكد أن «خطوتنا الرابعة، مثل الخطوات الثلاث الأخرى، يمكن العودة عنها. فحينما ينفذ الأطراف الآخرون الموقّعون على الاتفاق النووي التزاماتهم كاملة، فإننا سنعود إلى التزاماتنا الكاملة». وأشار الرئيس الإيراني إلى أن «لدينا فرصة للتفاوض مرة أخرى في الشهرين المقبلين، وسوف نتفاوض مرة أخرى»، مضيفاً أنه «إذا وجدنا الحل المناسب لرفع العقوبات، وتمكنّا من بيع نفطنا بسهولة، واستخدام الأموال في البنك، ورفع العقوبات الأخرى على التأمين والمعادن، فسنعود إلى الوضع السابق».
الدول الموقّعة على الاتفاق النووي عبّرت، من جهتها، عن قلقها إزاء القرار الإيراني. وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للصحافيين: «إننا نراقب بقلق تطور الوضع»، مضيفاً: «نحن نؤيد الحفاظ على هذا الاتفاق». كذلك، عبّر الاتحاد الأوروبي عن «قلقه الشديد»، معتبراً أن الدفاع عن الاتفاق النووي المُبرم عام 2015 «يزداد صعوبة». وقالت مايا كوسيانسيتش، المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني: «نعبّر عن قلقنا الشديد إزاء إعلان الرئيس حسن روحاني الذي عاد عن التعهدات التي قطعتها طهران. نحضّ إيران على عدم اتخاذ إجراءات جديدة يمكن أن تقوّض بشكل إضافي الاتفاق النووي الذي بات الدفاع عنه يزداد صعوبة». وأشارت المتحدثة باسم موغيريني إلى أن «الاتحاد الأوروبي يبني تقييمه على أساس تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الهيئة الوحيدة المخوّلة التحقق من احترام إيران لتعهّداتها». وتابعت: «لكن موغيريني حذرت من أن الدفاع عن الاتفاق والحفاظ عليه يصبحان أكثر صعوبة». وذكرت: «لقد قلنا بوضوح شديد إن رغبتنا في تطبيق تعهّدنا رهن باحترام إيران لالتزاماتها».
من جهتها، حضّت فرنسا إيران على «العودة» عن قرارها. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية، إن «إعلانات إيران تخالف اتفاق فيينا»، مضيفة في بيان: «نحضّ إيران على العودة عن قراراتها المخالفة للاتفاق». وقال بيان وزارة الخارجية الفرنسية إنها تشعر «بقلق بالغ» إزاء الخطوات الأخيرة لطهران، وستنتظر تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الإجراءات الإيرانية. كذلك، أكدت الوزارة أن فرنسا لا تزال ملتزمة بالاتفاق النووي، وحضّت إيران على احترام التزاماتها والتعاون بشكل تام مع الوكالة الدولية. وجاء في البيان إن «فرنسا تبقى ملتزمة تماماً بالعمل على خفض التوترات. والعودة إلى الالتزام الكامل بالاتفاق هي أحد الأهداف الرئيسية لهذه العملية».
بريطانياً، رأى وزير الخارجية دومينيك راب أن قرار إيران اتخاذ خطوة جديدة لتقليص التزاماتها بالاتفاق النووي، يشكل تهديداً للأمن القومي لبلاده. وقال إن «أفعال إيران الأخيرة تتعارض بوضوح مع الاتفاق النووي وتشكل تهديداً لأمننا القومي». كذلك، أضاف: «نريد إيجاد سبيل للمضيّ قدماً، عبر حوار دولي بنّاء، لكن يتعيّن على إيران التقيّد بالالتزامات التي تعهّدت بها ومعاودة الانصياع الكامل (للاتفاق) على وجه السرعة».
جريدة الاخبار اللبنانية