قضايا وآراء » قضايا وآراء من الصحف اللبنانية الصادرة الثلاثاء 4/10/2011

ـ 'السفير'
بسبب مخالفته نظام المحكمة المتعلّق بحماية شهود الحقّ لا شهود الزور
السيّد يطلب تنحية بيلمار وتعيين آخر 'أكثر نزاهة'
علي الموسوي:

ظلّ المدعي العام الدولي في المحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال بيلمار يكابر في رفضه تسليم اللواء الركن جميل السيّد المستندات المطلوبة منه لملاحقة شهود الزور، ويتهرّب من تنفيذ قرارات قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين التي ألزمته بتسليم كمّية من هذه الأدلّة، حتى أوقع نفسه في المحظور القانوني، وطلب السيّد تنحيته في سابقة لعلّها الأولى من نوعها في تاريخ المحاكم الدولية.
وتذكّر خطوة السيّد هذه بما فعله أمام القضاء اللبناني، حيث طلب تنحية مدعي عام التمييز سعيد ميرزا، وهو أمر لم يكن مألوفاً أمام القضاء اللبناني، وقد قبلت الغرفة السادسة لمحكمة التمييز برئاسة القاضي جوزيف سماحة طلب السيّد بتنحية ميرزا شكلاً، وأحالته على الهيئة العامة لمحكمة التمييز لتبتّ فيه.
وفي استعادة لشريط التحقيق باغتيال الرئيس رفيق الحريري، يتبيّن أنه جرى تغيير ثلاثة رؤساء للجنة التحقيق الدولية هم: الألماني ديتليف ميليس، والبلجيكي سيرج برامرتز، والكندي دانيال بيلمار الذي عيّن مدعياً عاماً، وثلاثة قضاة تحقيق عدلي لبنانيين هم: ميشال أبو عراج، إلياس عيد وصقر صقر، يضاف إليهم تنحية ميرزا وبيلمار، وهذا دليل بحدّ ذاته على التسييس الشديد لهذا الملفّ.
وطلب السيّد في مذكّرته المرفوعة إلى غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة بلبنان برئاسة القاضي الإيطالي انطونيو كاسيزي والواقعة في 32 صفحة &laqascii117o;فولسكاب"، أن تعلن هذه الغرفة عدم تمتع بيلمار بالأهلية المهنية الكافية لكي يبقى خصماً له في النزاع الدائر منذ 17 آذار 2010 والمتمحور حول إلزام بيلمار بتسليم السيّد كلّ الإفادات والمعطيات المزوّرة التي ارتكز إليها ميليس في شهر آب 2005 لاعتبار السيّد متورّطاً في اغتيال الحريري وطلب من القضاء اللبناني توقيفه وإصدار مذكرة توقيف وجاهية بحقه استمرّت سارية المفعول لغاية 29 نيسان 2009 حينما أصدر القاضي فرانسين قراره الشهير بناء على طلب بيلمار بعدم توجيه أيّ اتهام إلى السيّد، وعدم اعتباره لا متهماً ولا مشتبهاً به.

وذكّر السيّد في مذكّرته أنّ غرفة الاستئناف فصلت في شهر تشرين الثاني 2010 في حقه في الحصول على المستندات التي كانت سبباً لتوقيفه تعسفياً مدّة ثلاث سنوات وثمانية أشهر، قائلاً إنه إذا كانت مهلة المحاكمة بين 17 آذار 2010 و10 تشرين الثاني 2010 هي مهلة عادية، فإنّ إطالة أمد المحاكمة من تشرين الثاني 2010 لغاية نشر هذه المذكّرة على الموقع الإلكتروني الخاص بالمحكمة في 3 تشرين الأوّل 2011 بعد استلامها نسخة عنها يوم الخميس في 29 أيلول 2011، أيّ زهاء أحد عشر شهراً إضافياً، هي مهلة زمنية غير عادية وسببها الوحيد هو أساليب المماطلة الإجرائية التي ينتهجها بيلمار لتأخير تسليم السيّد المواد اللازمة لكي يباشر ادّعاءه على شهود الزور، الأمر الذي يشكّل خرقاً للقوّة التنفيذية لأحكام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان نفسها.
وبعدما فند السيّد في مطالعته، أكثر من عشرين مخالفة إجرائية استعملها بيلمار ضدّه لتحقيق مبتغاه في المماطلة، أكّد أنّ بيلمار يعتبر مرتكباً لجرم التدخّل في الإخفاء، لأنه كان يتوجّب عليه ومنذ استلامه مهامه أن يبادر فوراً إلى ملاحقة شهود الزور من دون انتظار أيّ طلب من السيّد أو من أيّ متضرّر آخر، التزاماً منه بواجبه الذي يفرض عليه وعلى كلّ مدعي عام أن يحيل المواد الجرمية التي تتصل إلى علمه ويعرف بها، إلى السلطات المختصة لملاحقتها، ولكنّ بيلمار تلكأ عن الانتصار لواجبه، وفعل العكس تماماً وتصدّى لتحصين شهود الزور ومن يقف خلفهم، ومنع توقيفهم ومحاكمتهم.
ولم يكتف بيلمار بإخفاء الأدلّة عن جرائم الاعتقال التعسفي والوشاية الكاذبة، بل أكمل طريقه ضارباً بالقانون عرض الحائط، بعد صدور قرار غرفة الاستئناف في المحكمة الخاصة بلبنان الصادر في 10 تشرين الثاني 2010، لتحقيق غرضه بجعل شهود الزور يستفيدون من مهلة مرور الزمن ومنع السيّد من الادّعاء عليهم أمام القضاء الوطني المختص بحسب جنسية كلّ واحد منهم، وهذا ما كان قد أشار إليه المحامي أكرم عازوري في مرافعته أمام غرفة الاستئناف في جلسة 14 كانون الثاني 2011 في لاهاي، عندما توجّه إلى فريق عمل بيلمار الحاضر نيابة عن الأخير، قائلاً: &laqascii117o;إنك تلعب لعبة مرور الزمن بعد لعبة الإخفاء لكي تحمي شهود الزور بمنحهم الحصانة القضائية".
وشدّد السيّد على أنه برغم صدور أربعة قرارات لمصلحته ضدّ بيلمار لحثه على تسليم إفادات شهود الزور، فإنه لم يبادر إلى تنفيذ أيّ قرار من هذه القرارات غير آبه بموقّعها القاضي فرانسين، وخلص إلى طلب تعيين مدعي عام خاص بدلاً من بيلمار لكي يتابع هذه القضيّة بموضوعية ونزاهة وشفافية.
على أنّ هناك زلّة قلم اقترفها بيلمار في إحدى مذكّراته المرفوعة إلى فرانسين، وهي زلّة متعمّدة، ولكنها تحسب ضدّه وليس لمصلحته، إذ أنه كتب بكلّ وضوح وبالخطّ العريض، أنّ من مسؤوليته ليس حماية شهود الزور فقط، بل كلّ شخص ورد اسمه في إفادات هؤلاء الشهود حتى ولو لم يكن قد جرى الاستماع إليه.
وقد تلقف السيّد هذه التسديدة غير الصائبة لبيلمار، واعتبر أنه إذا سايرت غرفة الاستئناف بيلمار في نظريته هذه، فإنها تكون قد خرقت نظامها الذي لا يسمح لها إلاّ بحماية شهود الحقّ لا شهود الزور، وأنّ السماح لبيلمار بالتحجّج بحماية شهود الزور لعدم تسليمه شهاداتهم، هو أمر مخالف للنظام العام، ولا يجوز للمحكمة أن تسمح لبيلمار أن يدلي بمثل هذه الحجّة الواهية أمامها.
الكرة باتت في ملعب غرفة الاستئناف، فهل تنحّي بيلمار وتحفظ نظامها من التشويه الذي حاول بيلمار أن يلحقه به وبالتالي بالقضاة المؤتمنين على هذا النظام، أم أنّ اللعبة السياسية تكون أقوى من هذه الغرفة وقضاتها الخمسة، فترضخ لواقع مرير، وتؤكّد كلّ الشكوك التي توجّه إليها وفي مطلعها أنها محكمة مسيّسة؟


ـ 'الأخبار'

كالداس: إسرائيل لم تكسب من اغتيال الحريري... بل العكس صحيح
عمر نشّابة:

مرة جديدة، يخرج الرئيس السابق لفريق التحقيق في المحكمة الدولية ليتجاوز المعايير الناظمة لعمله، مطلقاً تصريحات تخطى فيها حدود مهنية التحقيق الجنائي ليعلن مواقف واستنتاجات واتهامات سياسية. وجديده أن إسرائيل لا تملك أي دافع لاغتيال الحريري.
&laqascii117o;لا يمكن أن يكون هؤلاء الأشخاص (المتهمون الأربعة) قد قاموا بالهجوم (اغتيال الرئيس رفيق الحريري) من دون توجيه رسمي من حزب الله". قال أول من أمس الرئيس السابق لفريق التحقيق التابع لمكتب المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الأوسترالي نيك كالداس في مقابلة مع قناة &laqascii117o;أس بي أس" الأوسترالية. وأضاف أن &laqascii117o;صعوبة تسليم السلطات اللبنانية الأشخاص الذين تلاحقهم المحكمة كان أمراً معلوماً لدينا".
وفي إشارة إلى إهمال واضح للقرائن التي عرضها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والتي تشير إلى مراقبة جوية للطرقات التي يسلكها موكب الحريري والقرائن التي تدلّ على وجود طائرة تجسس إسرائيلية في سماء بيروت لحظة وقوع الجريمة في 14 شباط 2005، شدّد كالداس خلال المقابلة التلفزيونية على أنه &laqascii117o;لا وجود لأي أثر، ولو صغيراً جداً لقرائن تشير إلى ضلوع إسرائيل أو أي جهة أخرى اتهمها حزب الله في الجريمة". وبالنظر إلى &laqascii117o;الدوافع الخالصة للجريمة والأسباب السياسية"، أكّد المحقق السابق أن &laqascii117o;إسرائيل أو أياً من حلفائها لم يحققوا أي مكاسب باغتيال الحريري، بل العكس صحيح". وذهب إلى أبعد من ذلك، متهماً سوريا وإيران بالوقوف وراء حزب الله لاغتيال الحريري. وعلّق على المعلومات التي أوردها الأمين العام لحزب الله عن عمل كالداس لمصلحة جهات سياسية واستخبارية، فوصفها بأنها &laqascii117o;مؤذية جداً جداً ومدمرة"، وأضاف أن السيد لم يقدّم أية قرائن تؤكدها.
يذكر أن كالداس عمل لـ&laqascii117o;قوات التحالف" في العراق خلال المرحلة الأولى من اجتياحه واحتلاله، وهو اعترف لـ&laqascii117o;الأخبار" في نيسان 2009 بالتنسيق الذي أجراه مع وكالة الاستخبارات الأميركية في العراق لإنشاء وحدة استخبارات خاصة بالشرطة العراقية. وكان الرجل قد طلب عقد اللقاء في مقرّ المحكمة في لاهاي بعد أن نشرت &laqascii117o;الأخبار" مقالاً استغربت فيه تعيينه في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قبل أن يبت القضاء الأسترالي قضية قضائية أساسها اتهام كالداس بإخفاء معلومات عن قضاة المحكمة. وحصل اللقاء بالفعل في الكافيتيريا التي تقع في الطبقة الأولى من مبنى المحكمة في لايتسكندام (ضاحية لاهاي). وكان لافتاً أن كالداس عبّر يومها عن اشتباهه في أن جهة أوسترالية، لم يحدّدها، تقف وراء تسريب معلومات عن هذه القضية لـ&laqascii117o;الأخبار". ولمجرّد الصدفة، نذكر أن القضية مرتبطة باغتيال سياسي حصل في مقاطعة نيو ساوث ويلز الأوسترالية، ولم تُبَتّ نهائياً في القضاء الأوسترالي إلا بعد مرور نحو شهرين على تعيين كالداس في مكتب دانيال بلمار.
على أي حال، بدت إجابات كالداس عن الأسئلة التي وجّهتها إليه الإعلامية الأوسترالية من أصل لبناني يارا أبو ملحم (أس بي أس)، أمس، متشابهة مع ما نشرته مجلة &laqascii117o;دير شبيغل" الألمانية عام 2008 وما بثته قناة &laqascii117o;سي بي سي" الكندية عام 2010، وخصوصاً لجهة التركيز على إغفال احتمال ضلوع إسرائيل في الجريمة والحسم بمسؤولية حزب الله الجنائية.

وشرح كالداس أنه توصل إلى نقطة في التحقيقات، حيث تكوّن لديه يقين بأن شخصاً ما أو مجموعة أشخاص يتحملون مسؤولية الاغتيال. وفي هذه الحالة &laqascii117o;عليك أن تسقط الاحتمالات الأخرى، وأعتقد أن هذا ما حصل فعلاً". لكنه أضاف، في ما يدلّ على خلل في إجراءات التحقيق، أنه &laqascii117o;عندما يُركَّز على التزام الوجهة التي سرت بها، عليك أن تتابعها إلى أقصى حدّ، آملاً إثباتها"، علماً بأن الاشتباه الجنائي ينطلق عادة من قرينة وتُجمع القرائن الأخرى التي تتقاطع معها ويُتأكَّد من صحّتها لإثبات المسؤولية الجنائية، لا الالتزام بوجهة محددة، كما شرح كالداس، ومن ثم الاعتماد على &laqascii117o;آمال" لجمع القرائن التي تثبتها.
لكن تغيير كالداس لوجهة نظره السابقة بدا لافتاً أمس، إذ إنه كان قد أعلن لصحيفة &laqascii117o;سيدني مورنينغ هيرالد" الأوسترالية في 25 أيار 2010 استبعاده صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الحريري، وتحدّث يومها عن &laqascii117o;خيارات أخرى متاحة للمدعي العام".
أما عن احتجاز الضباط الأربعة لنحو أربع سنوات في القضية، فقال كالداس أمس: &laqascii117o;كان علينا أن نقرّر إذا كانت أي أدلة تبرر استمرار اعتقالهم متوافرة، فتبين لنا بوضوح عدم وجود أدلّة كهذه".
وعن اغتيال النقيب في قوى الأمن الداخلي وسام عيد، أكّد كالداس أن الجريمة وقعت بهدف &laqascii117o;بعث رسالة إلى المحكمة لتتراجع وتوقف التحقيق".
وعن تسريب معلومات التحقيق السرّي، قال: &laqascii117o;لسوء الحظّ، قام أعضاء سابقون في الفريق، أو موظف كان لديه استياء ما، بتسريب بعض جوانب التحقيق. إنها الطبيعة الإنسانية، وإنه أمر محبط، لكن لا أعتقد أن لذلك تأثيراً على التحقيق وصدقيته".

في شباط 2009 قال دانيال بلمار لـ&laqascii117o;الأخبار"، معلّقاً على تعيين كالداس رئيساً للمحققين (الحديث مسجّل): &laqascii117o;أنا أؤكد أن كالداس كان أفضل المرشحين لهذه الوظيفة، ويسعدني العمل مع السيد كالداس، وأعتقد أن الشعب اللبناني يُفترض به أن يكون فخوراً بوجود شخص من مستوى كالداس"، وأضاف: &laqascii117o;ما أستطيع قوله هو أن عمله سيثبت ما أقول، الأمر الوحيد الذي أطلبه هو أن تعطوا كالداس فرصة، وسيثبت لكم ولقرائكم أنه الشخص الذي يستحق ثقتكم. والثقة هي كالاحترام. لا تُطلب بل تُستَحَقّ". وبعد سنة من العمل، اختار كالداس عدم تمديد تعاقده مع المحكمة وقرّر العودة إلى أوستراليا. عملاً بنصيحة بلمار نسأل: ماذا يمكن أن يعني رحيل كالداس؟ أليس بلمار نفسه من طلب من اللبنانيين (أو على الأقل من قرّاء &laqascii117o;الأخبار") أن ينتظروا إثبات كالداس لهم أنه يستحقّ ثقتهم؟ هل يستحقّها بمغادرته التحقيق؟ وهل يستحقّها بلمار بعدما اختار استبداله بضابط استخبارات بريطاني؟


ـ 'السفير'
يمكن فرض عقوبات على أفراد لكن ليس على لبنان كدولة
الأميركيّون يضغطون لتمويل المحكمة.. ولكنهم يتعايشون مع عدمه!
نبيل هيثم:

يتحصن &laqascii117o;أهل" تمويل المحكمة الدولية بمقولة ان لبنان سيتعرض لعقوبات دولية في ما لو نكث بالتزاماته وتمنع عن سداد حصته بتمويل المحكمة الخاصة بلبنان، وقد فعلت هذه المقولة، الأميركية المنشأ، فعلها، اذ إنها جعلت النقاش يقف عند حد التمويل أو الاستعداد للعقوبات.
تبنى ميشال سليمان تلك المقولة، وكذلك الامر نجيب ميقاتي، وسبقهما اليها وليد جنبلاط الذي كان اول من حذر من عقوبات على اعتبار &laqascii117o;ان المجتمع الدولي ناطرنا على الكوع، وبالتالي لبنان لا يحتمل اية ضغوطات او عقوبات او اي حصار مالي او اقتصادي، ولا يستطيع ان يواجه كل العالم". ومع ذلك بقي مفعول تلك المعادلة محصورا ضمن هذا &laqascii117o;المثلث الوسطي". الا ان مجموعة اسئلة تفرض نفسها هنا: هل يمكن ان يتعرّض لبنان فعلا لعقوبات أم إن الأمر مجرد تهويل وما هي طبيعة العقوبات اذا فرضت وما هو تأثيرها؟ وهل ستكون كلية ام جزئية؟ وهل ستطال فريقا لبنانيا من دون آخر؟

ثمة رأي مفاده أن فرض عقوبات على بلد هش كلبنان سياسيا واقتصاديا يمكن ان يدخله في أزمة لا يستطيع ان يخرج منها، وفي المقابل، ثمة رأي أن احتمال فرض عقوبات على لبنان في ما لو تمنع عن تمويل المحكمة ضعيف جدا، وذلك بالنظر الى الاسباب الموضوعية التالية:
اولا، ان البنية اللبنانية المعقدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وطائفيا، تبرز ان لبنان ليس دولة من لون واحد سياسي او طائفي او مذهبي، بل هو كناية عن بيت بمنازل كثيرة، وكل مربع ـ منزل، له خلفيته ومرجعيته وتحالفاته ومشغله الخارجي، وبالتالي اية عقوبات ستفرض لن يكون مفعولها كمفعول اية عقوبات تفرض على أية دولة اخرى، ولن تحقق الغاية المرجوة منها.
ثانيا، ان الغرب يتصرف دائما وفق ميزان الربح والخسارة، ومن هنا فهو يدرك ان لبنان يقف على حافة هاوية اقتصادية منذ سنوات طويلة، وهو يعرف ان اية عقوبات تفرض على لبنان ومهما كان شكلها في ظل الوضع الهش سياسيا واقتصاديا، تمس منظومة الامان الهش القائم في لبنان، وبالتالي قد تؤدي الى تداعي المشهد اللبناني على النحو الذي تتولد عنه نتائج عكسية لا يستفيد منها سوى خصوم الغرب في لبنان. وربما تدفعهم الى خطوات تحدث تبدلات نوعية وربما جذرية في الواقع اللبناني.
ثالثا، يركز فريق التهويل الداخلي والخارجي، على ان اكثر العقوبات ترجيحا هي تلك التي قد تطال القطاع المصرفي في لبنان، وثمة من هؤلاء من اعتبر ان قضية &laqascii117o;البنك اللبناني الكندي" عيّنة مما سيطال هذا القطاع، وثمة سياسيون &laqascii117o;باتوا يمتهنون الظهور دائما بمظهر الخائفين من العقوبات" يعددون في مجالسهم مجموعة مصارف كبرى موضوعة على خشبة الاعدام. الا ان هذا القطاع في مجمله ليس في يد خصوم الغرب، بل في يد حلفائه.. بدليل أن &laqascii117o;البنوك الأولى"، تكاد تكون كلها من لون سياسي واحد.
رابعا، ان اي قرار بالعقوبات على لبنان يتطلب آلية معينة في مجلس الامن، وها هي الدول الاعضاء عاجزة عن الوصول الى قرار حول فرض عقوبات على سوريا، برغم كل الصخب الاميركي والاوروبي والعربي، فكيف الحال بالنسبة الى لبنان، وكيف سيتم تأمين الاجماع الدولي حول قرار فرض العقوبات على لبنان، وتحت اية ذريعة وأية خلفيات؟

خامسا، مع استبعاد لجوء المجتمع الدولي الى العقوبات الشاملة على لبنان، فإن باب العقوبات في ما لو صدق المهوّلون، قد يكون مفتوحا فقط على عقوبات موضعية، تطال افرادا وليس لبنان كدولة، وهي عقوبات لا تقدم ولا تؤخر ايا كان الافراد المعنيون، وقد سبق للولايات المتحدة الاميركية ان وضعت جدولا بأسماء مجموعة من اللبنانيين وفرضت عليهم عقوبات وجمدت ارصدتهم، وأما تأثير ذلك، فهو كتأثير تجميد أرصدة وئام وهاب الذي قرر تجميد ارصدة باراك اوباما في الجاهلية، وفي الوقت نفسه، يستعد لافتتاح أضخم مستشفى في الجبل الجنوبي بتمويل ايراني.
سادسا، كما تعايش الاميركيون، ومن خلفهم الغرب والعرب، مع اسقاط سعد الحريري، ومع انقلاب السلطة الحاكمة في لبنان، وكما تعايشوا قبل ذلك مع نتائج 7 ايار، وقبلها مع انتصار &laqascii117o;حزب الله" في تموز 2006، ومع عدم القدرة على خلق اجماع حول المحكمة الدولية.. فإنهم سيتعايشون مع تمويل المحكمة ان حصل، وسيتعايشون مع عدم التمويل ان حصل ايضا، وسيكيّفون مصلحتهم وسياستهم على هذا الاساس، خاصة أن لسان حال الولايات المتحدة والغرب استقرار لبنان السياسي والأمني والاقتصادي في هذه المرحلة واتخاذ موقف الحياد من أحداث سوريا.
أيضا يمكن لمعارضي التمويل أن يستندوا على اتفاقية المحكمة التي تعتبرها الامم المتحدة صالحة وسارية المفعول، حيث يبرز الآتي:

اولا، ان نصوص الاتفاقية المتعلقة بالمحكمة، وكما يقول احد الخبراء القانونيين، لا تعطي في اي من بنودها، اي مستند قانوني يسمح للامم المتحدة باتخاذ عقوبات تجاه لبنان، لان هذا المحكمة ليست محكمة دولية بل هي محكمة ذات طابع دولي وبالتالي هي مقيدة بحدود السيادة اللبنانية. وهي بالاصل قائمة على تفويض، ولو نظرنا الى الحيثيات التي تقوم عليها الاتفاقية نجد انها مقيدة بطلب لبنان انشاءها، وأن وظيفتها قائمة على &laqascii117o;مساعدة ودعم" لبنان، وهاتان العبارتان اي &laqascii117o;المساعدة والدعم"، استخدمتا مرات متعددة في متن الاتفاقية.
ثانيا، ان لبنان وكما هو منصوص عليه في الاتفاقية نفسها، هو شريك مباشر وليس طرفا من بعيد، اي انه اعطي دور الشريك، اذ ان المحكمة انشئت بناء على طلبه، ووظيفتها الدعم والمساعدة، وأعطي حق التفاوض لبناء لجنة ادارة للمحكمة (حتى الآن ليس معلوما من هو ممثل لبنان في تلك اللجنة التي قال رئيس المحكمة انطونيو كاسيزي انها شكلت)، وأعطي حق صلاحية التفاوض لتفسير النصوص في حال النزاع، والأهم من كل ذلك ان لبنان اعطي حق طلب اعادة النظر في الاتفاقية او تعديلها. إذاً الاتفاقية تؤكد ان لبنان شريك كامل الصلاحية وفي الوقت ذاته لا تتيح هذه الاتفاقية للامم المتحدة امكانية الانتقال الى ممارسة عقوبات على لبنان لا وفق الفصل السابع ولا غيره من الفصول. وبالتالي لا يحق للامم المتحدة اذا ارادت ان تلتزم بمضمون اتفاقية تعتبرها قائمة وشرعية وسارية المفعول ان تتجاوز وظيفة &laqascii117o;المساعدة والدعم"، وتنتقل الى ممارسة اي شكل من اشكال العقوبات على لبنان، ذلك ان تحوّل الامم المتحدة الى فرض عقوبات معناه انها تناقض مضمون الاتفاقية؟
ثالثا، ان امكانية فرض عقوبات تصبح متاحة في حالة واحدة، وهي نسف الاتفاقية وكل ما يتصل بالمحكمة، وخلق صيغة جديدة للاتفاقية وللمحكمة تتضمن آلية فرض عقوبات.
رابعا، ان التهويل المعتمد من قبل الاميركيين والغرب على لبنان، لا يرمي الى الضغط على لبنان لتمويل المحكمة، بقدر ما هو تهويل لعدم مبادرة لبنان الى طلب اعادة النظر بالاتفاقية اي بالمحكمة وما يتصل بها في آذار 2012، ذلك ان التمويل ان انقطع عنه لبنان، فلا يؤثر على عمر المحكمة اذ تبقى مستمرة ويمكن تأمين التمويل من مصادر اخرى، غير ان الامر يختلف مع طلب اعادة النظر بالاتفاقية.


ـ 'الشرق'
مقاربة أميركية جديدة لدور الجيش أم عودة الى السيرة القديمة؟!
يحي جابر:  

تتوقع مصادر سياسية بارزة ان يحظى لبنان، خلال المرحلة المقبلة، باهتمام بالغ من الادارة الاميركية، كلما اقترب موعد مغادرة القوات الاميركية من العراق، بعد تعثر التفاهم بين هذه الادارة والحكومة العراقية على العديد من المواضيع، خصوصاً أكثر مع التطورات الناشئة على الساحة السورية بعد الاعلان عن ولادة &laqascii117o;المجلس الوطني السوري" في اسطنبول، بعبارات ملتبسة استنسخت النموذج الليبي في طلب &laqascii117o;الحماية الدولية" ولو عسكرية...
لكن المصادر اياها رفضت الكشف عن الميادين التي يتطلع اليها الاميركيون، باعتبار ان ذلك &laqascii117o;سابق لاوانه" من جهة، و&laqascii117o;لخصوصية الوضع الداخلي في لبنان" من جهة ثانية... من غير ان يعني ذلك، ان الحكومة اللبنانية تجهل ما تريده من واشنطن، ولا واشنطن تجهل ما تريده من لبنان... وان كانت مسألة تسليح الجيش اللبناني تحضر بقوة عند أي لقاء بين المسؤولين، لاسيما بعدما ثبت ان خطط توفير السلاح للجيش من دول أوروبية، التي كان وعد بها، تعطلت بسبب &laqascii117o;الفيتو الاميركي"...
 
مقاربة أميركية جديدة
وعلى مدى سنوات طويلة، بدا ان المسؤولين الاميركيين يحاذرون بقوة، عند مقاربتهم الوضع في لبنان مع مسؤولين لبنانيين، الحديث عن أي استعداد أميركي لتسليح الجيش اللبناني، وتوفير حاجاته بما يكفي من سلاح وعتاد وذخائر وآليات... فالقناعة التي تولدت عند الاميركيين وافصحوا عنها مرات عدة هي &laqascii117o;ان أي سلاح يقدم للجيش سيتسرب الى &laqascii117o;حزب الله" (؟!). لكن في اللقاء الأخير، الذي تم في نيويورك الثلاثاء الماضي (26 أيلول)، بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ووزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، وحضره عن الجانب الاميركي الناطق الرسمي باسم مجلس الأمن القومي مايك هامر وعدد من كبار المسؤولين في الادارة الاميركية، جرت مقاربة جديدة للوضع في لبنان، مختلفة عن المقاربات السابقة، وان لم تصل الى حد التباين... وحضرت بقوة مسألة تسليح الجيش اللبناني، من خلال &laqascii117o;المدى" و&laqascii117o;الدور" الذي يمكن ان تأخذه العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة ولبنان...
 
رغبة في &laqascii117o;خرق نوعي"
كان الرئيس ميقاتي، على ما تقول معلومات، راغباً في احداث &laqascii117o;خرق نوعي" في العلاقات، خصوصاً في ظل الحملة التي تشتد على حكومته وتصفها بأنها &laqascii117o;حكومة حزب الله" وبأنها &laqascii117o;معزولة عربياً ودولياً..." وقد تشعبت المواضيع والأسئلة الصريحة والأجوبة الغامضة. من كلا الجانبين، من غير ان تقفل عند نقطة معينة وتركت المسائل مفتوحة باعلان كلينتون بالحرف: &laqascii117o;نحن نعي ونعلم ضرورة الاستمرار في دعم الجيش اللبناني... ولكن، وبموازاة ذلك لا يمكن لأي أطراف مسلحة ان تقوم بدور الدولة او الحكومة... في كل الأحوال موقف الحكومة اللبنانية في المطالبة بدعم الجيش اللبناني موقف صائب، ونحن نود الاستمرار في دعم الجيش على رغم التحديات التي تواجهنا..."؟! &laqascii117o;ملاحظات" المسؤولة الاميركية على اداء لبنان في مجلس الأمن، لاسيما من مسألتي ما يجري في سوريا، وطلب السلطة الفلسطينية العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لم تخل من &laqascii117o;قسوة"... عزز منها أيضاً قراءتها للسلاح &laqascii117o;خارج شرعية الدولة"... لكن ميقاتي، وعلى ما تقول المعلومات، بادر الى تأكيد التزام لبنان القرارات الدولية كافة، لاسيما القرار 1701، وموضوع المحكمة الدولية... ومن هاتين النقطتين سعى رئيس الحكومة الى الولوج الى لب المشكلة، في ضعف امكانات الجيش والفيتو الاميركي الموضوع على هذا البند... وذلك على رغم علمه المسبق ان سياسة الادارة الاميركية تقوم تجاه لبنان والعديد من الدول، على تعزيز قدرات قوى الأمن الداخلي، لا الجيش، فسارع الى مطالبة المسؤولين الاميركيين الى التخلي عن هذا، ورفع الحرم عن دعم الجيش وتسليحه بما يكفي من سلاح وعتاد، أولاً لنزع الحجة من الذين يربطون بقاء السلاح خارج الدولة، بضعف الجيش وامكاناته، وثانياً لتعزيز امكانات الدولة لتنفيذ كامل المطلوب منها على مستوى القرارات الدولية...
 
دفاع ميقاتي... ومبادرة اميركية
قدم ميقاتي، على ما قيل، مطالعة، مؤكدا ان الجيش اللبناني مؤسسة وطنية خاضعة للدولة، لا لحزب ولا لفئة ولا لجماعة بعينها... وان السلاح خارج الدولة نتيجة، ويجب سحب كل الأسباب والذرائع من أجل بناء الدولة... وهذا لا يكون بغير تعزيز الجيش في السلاح والعتاد، الذي لا يمكن لأي فريق ان يقوم بدور الدولة او الحكومة... وهكذا كان الاختبار الأول: يوم الخميس الماضي، أي بعد يومين من لقاء ميقاتي، كلينتون، استقبل قائد الجيش العماد جان قهوجي في مكتبه في اليرزة نائب مدير التخطيط للشؤون السياسية والعسكرية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط في الأركان المشتركة الاميركية الجنرال جون شارلتون، على رأس وفد عسكري بحضور السفيرة مورا كونيللي، التي حرصت على ان يصدر عن السفارة بيان خطي يفيد ان البحث تناول &laqascii117o;العلاقات الثنائية بين الجيشين اللبناني والاميركي ومجالات التعاون العسكري القوي والمستمر بين البلدين... ومبادرات لبنان لتنفيذ التزاماته بموجب قرار مجلس الأمن 1701..." لم تقف المسألة عند هنا... فقد وجه شارلتون دعوة الى العماد قهوجي لزيارة الولايات المتحدة... وعلى ما قيل فالزيارة ستتم قبل منتصف الشهر الجاري للاجتماع بالقائد الجديد لهيئة رئاسة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ويمبسي... من غير ان يفصح عن مضمون اللقاء وجدول أعماله وما اذا كان سيتضمن بحثاً جدياً في إعادة النظر بالفيتو الاميركي على تسليح الجيش بما تقتضيه الحاجة والمصلحة، وبما يتوافق مع اللوائح السابقة التي كان تقدم بها لبنان ولاقت رفضاً أميركياً، لا ان يبقى الدعم عند حدود توفير ثياب وأحذية وسيارات نقل...؟!


ـ 'النهار'
تمويل التفافي للمحكمة؟!
راجح الخوري:

يحتاج 'حزب الله' الى مقاول مضمون يلتزم المضي في محاولات تهديم المحكمة الدولية وشل عملها. ولكن هذا امر عسير لأنه سينعكس سلباً على لبنان وهذه الحكومة عندما يؤدي الى اتخاذ عقوبات دولية لا طاقة لأحد على تحمّلها، وخصوصاً اذا طاولت الوضع الاقتصادي الذي ينوء تحت اعباء ثقيلة.
المقاول معروف وهو الجنرال ميشال عون، الذي يتقدم 'حزب الله' في معارضته المتدحرجة للمحكمة وقد وصلت الى موضوع التمويل. فمن المفترض ان يقوم لبنان بتسديد مساهمته في موازنة المحكمة، لكن عون يحاول الآن ربط التمويل بإدخال تعديلات على البروتوكول الموقع بين لبنان والمحكمة، وهذا يمثل تفخيخاً لعمل المحكمة وطمساً متعمداً للحقيقة والتوصل الى قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وإسقاطاً للعدالة التي من شأنها، على ما يفترض، ان توقف الجريمة السياسية التي ذهبت بعيداً في قتل الشهداء اللبنانيين. ميشال عون رجل يجري حساباته جيدا، ولهذا فإن السؤال الآن: ما هو الثمن السياسي الذي يريد الحصول عليه مقابل هذا الالتزام، الذي يتناقض مع كل مواقفه السابقة التي كانت تدعم عمل المحكمة صراحة، وهل من المعقول ان يذهب في معارضته الى حد إلحاق القهر والأذى والمقت بنفوس نصف اللبنانيين والطائفة السنية بكاملها؟ في زوبعة الكهرباء اراد ان يحصد 'بطولات الضوء الموعود' الذي لا ندري ما اذا كان سيصل، اما في معارضة تمويل المحكمة فقد يحصد في النهاية كثيرا من 'الظلام والظلمة' مع شركائه والذين اعطوه هذا الالتزام!
لا ندري كيف سيتعامل الرئيسان ميشال سليمان ونجيب ميقاتي مع شروط عون الاستغلالية، التي حالت دون ادراج موضوع التمويل على جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء غدا الاربعاء، وخصوصاً بعد التعهدات الواضحة والملزمة التي قطعاها امام الأمم المتحدة، على خلفية التأكيد بأن لبنان الذي رأس مجلس الامن اخيراً، يلتزم القرارات الدولية ولن يتوانى عن القيام بواجبه حيال المحكمة التي انشئت من اجله. ان تأجيل ادراج موضوع التمويل في جدول اعمال مجلس الوزراء يعني ان هناك مساعي تجري وراء كواليس 8 آذار، وهي بالتأكيد نوع من المقايضات التي قيل انها تريد إمرار التمويل من ثقب 'القرار السياسي' بحيث لا يبدو ان الحكومة الانقلابية التي شكلها 'حزب الله' على نية اسقاط المحكمة، اضطرت تحت وطأة الالتزامات اللبنانية الى ان تقوم بالتمويل ممهوراً بتوقيع وزراء الحزب!
ولهذا يصبح السؤال مشروعاً تماماً: ما هو الثمن الذي يريد 'مقاول الأزمات' ان يقبضه مقابل وضع السدود في وجه تمويل المحكمة نيابة عن 'حزب الله'، الذي سيقبل في النهاية بـ'تمويل التفافي' لمحكمة يقول انها اسرائيلية؟
في أي حال وقياساً بمسالك هذه الحكومة السعيدة، يسرع لبنان الخطى ليقف في طابور الدول التي فشلت حتى عن حماية مقر منظمات الأمم المتحدة، فإذا تخلف عن التمويل سيدخل عصابة الدول المارقة!


ـ 'السفير'
مخاطر الخوف الشيعي
ساطع نور الدين:

 ما زال الشيعة خارج جدل الغالبية والأقلية، الذي يثار الآن في لبنان والمحيط العربي، في مناسبة الثورات العربية وما تطرحه من مخاوف مزعومة من طغيان التيارات الإسلامية السنية على البلدان التي اطاحت انظمتها الدكتاتورية او ما زالت تحاول. وقد توافرت للشيعة أقلية مسيحية تتولى حالياً تضخيم هذا الخوف وتتصدى له، ما أراحهم من عبء مواجهة لا مفر من تحولها الى فتنة مذهبية.
الاختباء وراء المسيحيين وتشجيع قياداتهم الدينية والسياسية، شبه الأمية، لا يمكن ان يعتبر نوعاً من التقية ولا يمكن ان يعزى الى إحساس الشيعة بأنهم ادنى وعياً بانتمائهم الى الأقليات الدينية في العالمين العربي والإسلامي، أو أقل إدراكاً لافتراقهم المتزايد عن الغالبية الإسلامية، التي باتت تصدر عليهم أحكاماً مذهبية ظالمة، وتتعامل معهم من موقع العداء المنسوب الى تحالفهم الوثيق مع إيران، في مرحلة الاضطراب الشديد للعلاقات العربية الإيرانية اكثر من اي وقت مضى.
لكن الستر المسيحي، الذي حوّل البطريرك الماروني بشارة الراعي على سبيل المثال الى قديس شيعي أو حتى الى قائد للمقاومة، لا يمكن ان يخدم طويلاً. فالمسيحيون، الذين يفرطون في التعبير اليوم عن الخوف من مآل الثورات العربية، سرعان ما سيدفعون ثمن تحالفاتهم الراهنة مع الطغاة العرب، وسيتحولون الى متهمين بإثارة الفتن الطائفية، او حتى سيتم الاشتباه بأنهم يودون إحياء فكرة التقسيم او الكانتونات التي راودت بعض مفكريهم مع كل ثورة شهدها العالم العربي.

التماهي مع الخوف المسيحي، على ما أوحى البطريرك الراعي، خطير جداً، فهو يمثل نقطة تحول في تاريخ الشيعة العرب الذين سبق أن ساروا مع الغالبية العربية (السنية)، بل تقدموا صفوفها في بعض الأحيان عندما اتجهت نحو العروبة او اليسار، أو طبعاً الفداء لفلسطين، وما زالت ذاكرتهم حية بالأسماء والتجارب التي يحفظها السنة اكثر من الشيعة، ولا يمكن ان تبددها التجربة العراقية المؤلمة الواقعة اليوم على خط تماس عربي إيراني مشتعل، كما لا يمكن ان تبددها التجربة اللبنانية المريرة خلال السنوات الست الماضية.
اما القول إن الافتراق حصل من جانب الغالبية، بعد تخليها عن خيار المقاومة للحملة العسكرية الغربية، فهو نوع من المزايدة على حقيقة ان العرب جميعاً في لحظة هزيمة وانكسار معلنة وموصوفة، كانت من الحوافز الرئيسية لإنتاج تلك الثورات الشعبية على الطغاة الذين كان وجودهم في السلطة يمثل امتهاناً للكرامة الوطنية والعربية على حد سواء. هذه الثورات هي بهذا المعنى شكل من أشكال المقاومة، التي لا يجوز الابتعاد عنها او الاصطدام معها او وصمها بأنها حركات إسلامية سنية، هدفها إحياء الهاجس الشيعي بأن الأنظمة العربية المقبلة، بتحالفها المؤكد مع الباب العالي العثماني، هي الوصفة الأكيدة للإبادة الجماعية التي تحفظها صفحات تاريخ الشيعة من القرون الغابرة.
للشيعة دور إلزامي في هذه الثورات ومكان طبيعي في الأنظمة التي ستقيمها على عهود أفضل بكثير من الوعود القومية واليسارية، ومن العقود الوهمية التي يطلبها المسيحيون.


ـ 'المستقبل'
هل رأى 'الحزب'.. سكارى؟!
بادية فحص:

قضية إغلاق محلات بيع الكحول في النبطية تشبه أزمة الشرق الأوسط، هكذا يصفها سكان المدينة، لأنهم أيقنوا بعد كثير من الجدل والأخذ والرد أن لا أمل في حلها ولو بعد حين، أو لا حل وسطا يرضي طرفي النزاع فيها.
تاريخيا ...حملت النبطية اسم 'مدينة الحسين'،منذ بنى فيها آل صادق العائلة الدينية القادمة من بلدة 'الخيام'، أول حسينية في بلاد الشام عام 1909، لكن التسمية لم تغير كثيرا في عادات المدينة المتوارثة، ومنها عادة تعاطي الخمور. فمجتمع النبطية 'حسيني' في ظاهره، وله الفضل في الحفاظ على الشعائر الحسينية ونقلها من جيل إلى جيل، وفق كلاسيكيات خاصة تتفرد بها المدينة عن غيرها من المناطق الشيعية الأخرى، التي يشارك فيها الملتزم دينيا وغير الملتزم، التقي والسكير على حد سواء، لكنه متحرر في باطنه، خاصة وأن مجتمع المدينة فيه اختلاط شيعي- مسيحي، إضافة إلى وجود شريحة كبيرة من المغتربين الذين اعتادوا على تناول الكحول في مهاجرهم وعادوا بها لاحقا إلى مساكنهم ، لذلك بقيت النبطية محتفظة ببعض الخصوصيات والعادات المنافية لمظهرها الديني، كما بقيت المرجعيات الدينية فيها متحفظة تجاه هذا الموضوع، فلم تهادن ولم تتهاون، إنما نهت بكثير من الصبر والحكمة، انطلاقا من احترام القناعات الشخصية والحريات الفردية.
بالعودة إلى قرار منع بيع الكحول، الذي هز مجتمع المدينة حين صدوره منذ شهور، وما زالت ارتداداته مستمرة إلى الآن، والصدى الثقيل الذي تركه في نفوس سكانها، ما زال المتضررون والمعترضون على القرار يحاولون بين الحين والآخر، البحث عن ثغرة ولو بسيطة ينفذون منها للإنقلاب عليه، لكنهم لم يحققوا إلى الآن أي تغيير يذكر، سوى بعض الشائعات المتفرقة عن عودة محلات الخمور إلى البيع، التي تنتشر من وقت إلى آخر، ثم لا تلبث أن تخبو تحت سطوة القرار الحازم والحاكم.

وتطبيقا للقرار الصادر عن جهة سياسية دينية رغم نفيها ذلك والذي تبنته بلدية النبطية باسم الأهالي وأيدته الطبقة الدينية المتزمتة في المدينة، التزمت كل مقاهي ومطاعم المدينة بالإمتناع عن تقديم الكحول على موائدها، حتى في الحفلات والمناسبات الخاصة والأعراس، وتحولت مدينة النبطية بقعة 'نظيفة' من الكحول، غير أن بعض قرى الجوار تفلتت مما التزمت به المدينة، فالخمور عادت إلى بلدة كفررمان المجاورة وبلدة أنصار البعيدة نسبيا ولم تختف أساسا من بلدة بفروة المسيحية القريبة، فنقل تجار الكحول في المدينة محالهم إليها، وصارت هذه القرى مقصدا لطالبي الخمور، تشهد شوارعها في ساعات ما بعد الدوام زحمة على الخطين، في حركة لا تهدأ جيئة وذهابا.
الجهة التي أصدرت قرار المنع ما زالت متمسكة به والرافضون له ما زالوا متمسكين برفضهم، بصيغة جديدة 'غالب غير منتصر ومغلوب غير مهزوم'، وبما أنه من 'سابع المستحيلات' أن يجتمع ضدان مختلفان أشد الإختلاف دينيا وثقافيا واجتماعيا على رأي واحد، فوق بقعة أرض صغيرة، لا تحتمل تناقضات كبيرة بهذا الحجم ، لذلك فإن المواجهة شر لا بد منه، لكن من يواجه من؟ الأهالي اعترضوا قليلا ثم أذعنوا، بائعو الكحول رضخوا منذ البداية، الجمعيات والأندية أرغت وأزبدت ثم تناست وانصرفت إلى أمور أخرى...ولم يبق في الميدان غير 'حديدان' كما يقول المثل الشعبي، وحديدان في قضية كحول النبطية هو مجموعة من هامشيي المدينة ،سائقي تاكسي وبائعي الفول والترمس، وعمال مهن متواضعة وعاطلين عن العمل.
تاريخيا أيضا.. اشتهرت التلة المعروفة باسم تلة 'الصفر تلاتة' في النبطية ، التي يرتفع فوقها الصرح الثقافي الأعرق في المدينة 'نادي الشقيف' الشاهد على حقبة مضيئة في تاريخها الثقافي المتحول لاحقا، بأنها تتحول ما بعد منتصف الليل إلى ملتقى للمهمشين من فقراء المدينة، الذين تضنيهم نهارا عملية البحث عن أرزاق لا تأتي، فيحملون فقرهم في جيوبهم وخيباتهم في قلوبهم وزجاجات الخمر في أيديهم، يفترشون قمة التلة المطلة على المدينة، يشربون أنخاب فاقتهم، يغنون ،يرقصون، ويتبادلون النكات والضحكات، في إزعاج لطيف لسكان التلة وجوارها..

هؤلاء قرروا بعيدا عن السياسة والدين والمجتمع والأعراف والشرائع والقوانين، مواجهة قرار حظر الكحول في النبطية، وظلوا يترددون على التلة كأن شيئا لم يحصل، أو كأن قرار إلغاء مظاهر الكحول في النبطية لا يعنيهم، كما لا تعنيهم مظاهر أخرى فيها، مقتطعين لأنفسهم بضعة أمتار متحررة من عالم مقيد، وفق طقوس خاصة، يجتمع فيها 'الشرب' مع النقد الساخر والسخرية المرة، يتبادلون أحاديث وآراء كثيرها عن ضغوط الحياة ومصاعبها وقليلها سياسي..
كانت السهرة البارحة ما تزال في أولها، كذلك مفعول الخمرة، وحين وصلت التلة بكثير من المشقة والحذر، كان صوت شجي لأحدهم، مرددا بعض المواويل البلدية والعتابا، يخترق العتمة ويرشد القاصد إلى المكان، ترحيب وضحك لسبب وغير سبب ونظرات مريبة وأسئلة لا تنتهي، الجميع رفضوا التصوير كما تمنوا عدم ذكر أسمائهم، ثم بدأوا بالكلام..
'ع' يرى أن في النبطية عالمان، عالم متدين متزمت، وعالم متفلت متحرر، ويضيف :أما نحن فبإمكانك تسميتنا 'العالم الثالث'، يتبعها بضحكة مجلجلة .
'ح' مستعد لإراقة الدماء في حال سولت لأحدهم نفسه، كان من يكون، أن يمنع عليه المجيء إلى التلة.
'ك' يسأل عن الجهة المهتمة 'بسكرجية' النبطية، وحين يصله الجواب، ينتفض ويقف على طوله، زجاجة الخمر بيد وعلامة النصر ترتسم على اليد الأخرى، يفعل الجميع ما فعله، ويهتفون معا 'كلنا مقاومة' و 'تحيا سوريا'، ويدخلون في نوبة ضحك وسخرية طويلة، ثم يؤكد 'ق' أن حزب الله يقف خلف قرار منع بيع الخمور في النبطية وإن ادَّعوا عكس ذلك، كما وقفت خلفه سابقا حركة أمل، لكننا، يضيف 'سنتمرد اليوم كما تمردنا من قبل'، هنا يتوقف الجميع عن الكلام المباح، ويرتفع الصوت الشجي مرة أخرى مخترقا عتمة التلة يغني 'هل رأى الحزب سكارى.. مثلنا' وتدوي الضحكات مجددا، ترتفع الأيدي حاملة الزجاجات و 'كاسك يا وطن'، بينما يضرب 'م' كفا بكف ويقول 'الله يسامح بلديتنا، كانت زجاجة الخمر تكلفنا مبلغا معقولا من المال، وصرنا الآن ندفع المبلغ 'دوبل' ، لأننا مضطرون إلى شرائها من خارج المدينة، يعني صرنا ندفع حق خمر وبنزين معا' ويوافقه الحاضرون رأيه.
تنتهي السهرة عادة في أولى ساعات الصباح وغالبا ما يبقى رواد التلة نائمين في العراء، توقظهم خيوط شمس الظهيرة، 'يكرجون' صوب المدينة بحثا عن يوم آخر وقرش أخر، وينتهي اليوم ولا تأتي القروش كما يتندرون.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد